الكاتب: جهاد حرب
خُلقت التشريعات "القوانين واللوائح والتعليمات ...الخ" من أجل حماية الحقوق الطبيعية للمواطنين تلك المنشأة بموجب العقد الاجتماعي وتمظهراته الدستورية كوثيقة الاستقلال والدستور "القانون الأساسي الذي يتضمن الحقوق والواجبات ويحدد طبيعة النظام السياسي وكيفية تطبيق مبدأ فصل السلطات والعلاقة بين هذه السلطات" إضافة إلى الاتفاقيات الدولية التي تنظم إليها الدولة من جهة، ومن أجل توضيح آليات تمتع المواطنين بهذه الحقوق بتدابير إدارية ضامنة لممارستها دون استخدام السلطة الممنوحة للإدارة لتقييد أو منع ممارسة أيا منها من جهة ثانية.
أصدر كل من الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية ووزارة الداخلية بحكومة حماس في قطاع غزة، الأسبوع الفارط، قرارين يتعلقان بالفضاء المدني الأول يستهدف السيطرة والتحكم بإرادة الموظفين العامين في الاندماج المجتمعي، والثاني يستهدف السيطرة والهيمنة على عمل منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة.
(1) قرار الحكومة في الضفة الغربية بشأن عضوية الموظفين في الهيئات الإدارية لمنظمات المجتمع المدني
إنّ قرار مجلس الوزراء، بناء على تنسيب وزير التنمية الاجتماعية، بشأن عضوية موظفي مؤسسات الدولة في الهيئات الإدارية للجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية والشركات غير الربحية يستهدف بشكل أساس الموظفين في المؤسسات الرسمية وليس منظمات المجتمع المدني ذاتها. لكنه يحمل في طياته عدة مسائل أساسية منها؛ الأولى: مَنحُ الحكومة لنفسها سلطة إضافية غير منصوص عليها في القانون تتيح لها التحكم والسيطرة بقدرة الموظفين وحركتهم في التفاعل والاندماج مع المجتمع الفلسطيني. والثانية: استمرار فلسفة الحكومة الفلسطينية بأنَ منظمات المجتمع المدني عدو للدولة وأنها منافس للحكومة في تنفيذ البرامج وفي الحصول على التمويل الخارجي. والثالثة: استمرار الحكومة بفلسفة العقوبات الجماعية بديلاً عن قيامها بمحاسبة المخالفين بالقدر المحدد للمخالفة، والرابعة: استمرار الحكومة في إصدار قرارات تضييقية على الموظفين؛ كما حدث بتعديل مدونة السلوك للموظفين العامين للحد من إبداء آرائهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع إنشاء نقابة للموظفين العامين.
إنّ احتجاج منظمات المجتمع المدني على قرار الحكومة ينبني على مبدأين أساسيين؛ الأول: عدم دستورية قرار مجلس الوزراء لوضعه قيوداَ على حق دستوري دون مسوغ قانوني ودون وضوح محددات أو معايير يستند إليها مجلس الوزراء لاتخاذ قراره بالسماح والمنع خاصة في ظل عدم قيام مجلس الوزراء بواجبه بتفعيل نظام منع تضارب المصالح. والثاني: إدراك واسع من قبل منظمات المجتمع المدني لمفهوم الدور الاجتماعي للفرد في سياق النسق الاجتماعي أو بمعنى آخر للبعد الحركي لوضع الفرد في المجتمع الذي يمكن أن يقوم بأدوار متعددة لتحقيق التوازن في النسق الاجتماعي وفقاً للنظرية الوظيفية في علم الاجتماع.
في ظني أنّ الحكومة بقرارها هذا؛ لا تدرك أهمية الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الموظفون خارج الوظيفة الرسمية، وهي – على ما يبدو- لا ترغب في حصول المجتمع على الطاقات الكامنة لدى الموظفين العامين لتحقيق التوازن الاجتماعي ولضمان المحافظة على بنية المجتمع واشتغاله واستمراريته في التاريخ.
(2) تعميم وزارة داخلية في قطاع غزة بشأن برامج ومشاريع الجمعيات والهيئات المحلية والاجتماعية
يشكل تعميم مدير عام الشؤون العامة والمنظمات غير الحكومية في وزارة داخلية حكومة حماس بقطاع غزة انقلاباً على غاية المشرع الفلسطيني الأصيل "المجلس التشريعي" في رسمه لطبيعة العلاقة بين الجمعيات والهيئات الأهلية ووزارات الاختصاص حيث نصت المادة 10 من القانون الأصلي للجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 على أن "تقوم علاقة الجمعيات والهيئات بالوزارات المختصة على أساس من التنسيق والتعاون والتكامل لما فيه الصالح العام".
ويأتي هذا التعميم/ القرار للهيمنة على منظمات المجتمع المدني من خلال منح وزارة الداخلية سلطة الموافقة على البرامج والمشاريع والنشاطات الأمر الذي سيؤدي إلى تحكمها بعمل منظمات المجتمع المدني، ومنح وزارة الداخلية سلطة تقديرية لتعطيل خطط المنظمات الأهلية وبرامجها وموازناتها. وفي ذات الوقت فإنّ خضوع منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة لهذا التعميم يعني تنازل المنظمات الأهلية عن تقديم السياسات البديلة والرؤى المختلفة لسياسات وبرامج السلطة القائمة في قطاع غزة.
إنّ رفض هذا التعميم ينطلق من عدم ثقة منظمات المجتمع المدني بسلطات الحكم في قطاع غزة لمنهجها الدائم في التضييق على الفضاء المدني بمنع نشاطات منظمات المجتمع المدني وتقييد عملها حتى في الاجتماعات المنعقدة في قاعات تلك المنظمات والتي لا تتطلب الإبلاغ عن النشاط وفقاً لقانون الاجتماعات العامة. ناهيك عن احتمالية تضرر تمويل منظمات المجتمع المدني التي تقدم خدمات واسعة للمواطنين في قطاع غزة لعجز السلطة قائمة في قطاع غزة "حركة حماس" عن تقديمها.