الكاتب: د.فوزي علي السمهوري
لم تزل هيمنة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تطغى على إرادة المجتمع الدولي ممثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة المرهون تنفيذ قراراتها بمجلس الأمن الذي يخضع تنفيذها وفقا لمصالحه دون مراعاة لمبادئ وأهداف وميثاق الأمم المتحدة وما الموقف من القضية الفلسطينية إلا نموذج لتوظيف هيمنتها لصالح الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري .
هذا الإنحياز والهيمنة الأمريكية لم تمنع الدول من عرض قضاياها أمام المجتمع الدولي في دورات الجمعية العامة العادية وغير العادية لعل المجتمع الدولي بغالبيته المغيبة عن المشاركة بصنع القرار الدولي وتنفيذه ان يهب للإنتصار لذاته وحقوقه ودوره الفاعل بعيدا عن الموقع الديكوري التجميلي .
إرتايت بهذه المقدمة أهمية لتوضيح مدى التحديات التي واجهت ولم تزل المشروع النضالي الفلسطيني منذ إنطلاقة الثورة الفلسطينية بقيادة حركة فتح عام 1965 قبل الغوص في قراءة خطاب رئيس دولة فلسطين " تحت الإحتلال " رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة في دورتها 78 الذي إبتدأه بالتأكيد على حقيقة " واهم من يظن أن السلام يمكن أن يتحقق دون حصول شعبنا على كامل حقوقه " .
يمكن لنا قراءة خطاب الرئيس ابو مازن تحت عناوين ومحاور عدة :
أولا : العودة إلى جذور القضية الفلسطينية .
ثانيا : التأكيد على أهداف المشروع الوطني الفلسطيني .
ثالثا : دور المجتمع الدولي بالإنتصار لمبادئ الأمم المتحدة بكفالة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني .
رابعا : تداعيات تنصل " إسرائيل " من تعهداتها وإستمرار الإحتلال الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة على الأمن الإقليمي والدولي .
خامسا : الشعب الفلسطيني ماض في نضاله حتى دحر المستعمر الإسرائيلي الإرهابي .
أولا : العودة إلى جذور القضية الفلسطينية :
عاد الرئيس إلى جريمة وعد بلفور الذي أسس لصراع ممتد منذ قرن من الزمن وترتب على تنفيذه بدعم وتمكين عسكري من قبل قوات الإستعمار البريطاني الذي إنتزع قرارا من عصبة الأمم بفرض الإنتداب على فلسطين بهدف تنفيذ إعلان جريمة بلفور نكبة الشعب الفلسطيني بالسطو على وطنه التاريخي وطرد مئات الآلاف وبما يزيد عن نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه بعد إعمال عشرات المجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح على يد القوات البريطانية والعصابات الإجرامية اليهودية الصهيونية .
ثانيا : التأكيد على أهداف المشروع الوطني الفلسطيني :
أكد الخطاب على أهداف المشروع الوطني الفلسطيني المقر من المجلس الوطني الفلسطيني والمتمثل في :
* إستمرار النضال الوطني حتى التحرر من نير الإستعمار العالمي بعنوانه الإستعمار الإسرائيلي العنصري الإرهابي و نيل الإستقلال .
* إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران لعام 1967 على طريق تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الذي منح شرعية باطلة لإقامة كيان إسرائيل السرطاني العدواني على مساحة 55 ٪ من أرض فلسطين مبقيا للشعب الفلسطيني 45 ٪ لإقامة دولته العربية الفلسطينية المستقلة .
* تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 تنفيذا لقرار الجمعية العامة رقم 194 .
ثالثا : دور المجتمع الدولي بالإنتصار لمبادئ الأمم المتحدة :
للمجتمع الدولي دور هام بالتصدي للدول المارقة التي تتحدى وتنتهك مبادئ وميثاق الأمم المتحدة واهدافها كالكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري الذي يعلن بكل وقاحة وعنجهية عن رفضه تنفيذ اي من القرارات الدولية ويعتبرها حبرا على ورق كما تنصل ويتنصل من إلتزاماته بموجب الإتفاقيات الثنائية كإتفاق اوسلو والمعاهدة الإردنية الإسرائيلية بل وينكر وجود الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الأساس التي كفلتها العهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية .
من هنا يمكن قراءة توجه الرئيس بمخاطبة الأمم المتحدة من أجل الإنتصار لأهدافها ومبادئها التي تحظر إحتلال أراض دولة أخرى بالقوة وبتصفية الإستعمار انما وجد وذلك بالإضطلاع بواجباتها بالعمل على :
* الطلب من أعضاء الجمعية العامة ومن امين عام الأمم المتحدة بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام ووضع الترتيبات لعقد هذا المؤتمر الذي قد يكون الفرصة الأخيرة لإبقاء حل الدولتين ممكنا اي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هذا الطلب يأتي نتيجة السياسات الإسرائيلية ذات الطابع العدواني التوسعي وللإنحياز الأمريكي للكيان الإستعماري الإسرائيلي في إنتهاك لمبادئ الأمم المتحدة ولواجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن .
* تنفيذ قرارات حماية الشعب الفلسطيني من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها سلطات الإحتلال الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي العنصري الإرهابي المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني دون خوف من المساءلة والعقاب .
* إلزام سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي بوقف سياسته العدوانية التوسعية الهادفة لتابيد إستعماره الإحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا من خلال ممارساته وإجراءته بإحداث تغييرات جغرافية من مصادرة أراض وبناء قواعد عدوان إستيطانية وديموغرافية وتشريعية وفرض قيود على حرية التنقل والعبادة وتهديد للحق بالحياة في عموم الاراض الفلسطينية المحتلة خلافا وإنتهاكا صارخا لإتفاقيات جنيف .
* إتخاذ كافة الإجراءات لإلزام " إسرائيل " تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الصادرة منذ عام 1947 وصولا لقرار 2334 ولقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وخاصة قرار رقم 273 الذي إشترط على إسرائيل تنفيذ قراراتها رقم 181 و 194 لقبولها عضوا بالأمم المتحدة وللقرارت الناصة على وجوب إنهاء إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة المناقض للقانون الدولي وللشرعة الدولية .
* الإعتراف بدولة فلسطين ورفع مستوى تمثيلها لدولة عاملة وكاملة العضويه وما يعنيه ذلك من ضرورة ممارسة الدول المعترفة بدولة فلسطين كافة اشكال الضغوط على الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لرفع الفيتو عن الإعتراف بدولة فلسطين إستنادا إلى حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وإحتراما لقرار أغلبية أعضاء الجمعية العامة تجسيدا لمبدأ العدالة والمساواة بين الدول الأعضاء .
* إلزام سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية بوقف جرائمها وإنتهاكاتها للمقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة في المسجد الأقصى تنفيذا لقرار عصبة الأمم المتحدة الصادر عام 1930 بالمصادقة على قرار اللجنة الدولية والمكونة من اربع دول اوربية بأن كامل المسجد الأقصى حق للمسلمين ولا حق لمزاعم اليهود وتنفيذا لإتفاقية جنيف الرابعة .
رابعا : تداعيات تنصل إسرائيل من تعهداتها وإستمرار الإحتلال الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة على الأمن الإقليمي والدولي :
لتنصل حكومات الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري من إلتزاماتها المترتبة عليها كدولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن الإلتزامات المترتبة عليها بموجب إتفاق اوسلو الذي نص على وجوب إنهاء إحتلاله بفترة زمنية اقصاها خمس سنوات تنتهي في أيار 1999 وللعهود والإتفاقيات والمواثيق الدولية تداعيات على الأمن الإقليمي والدولي لأن إرادة الشعب الفلسطيني وإيمانه بالنضال بكافة الوسائل المكفولة دوليا من أجل الحرية والإستقلال لن تخبو بل ستزداد إشتعالا فالتاريخ الحديث لم يشهد هزيمة لإرادة الشعوب بالثورة على العدوان والإضطهاد والإحتلال الأجنبي من أجل الحرية والإستقلال على إمتداد القارات الخمس والشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي ليس إستثناءا فحقه الأساس ان يحرر وطنه وأن يدافع عن نفسه في مواجهة قوات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية الإرهابية وميليشياته الإستيطانية الإجرامية التي تعمل بتخطيط وغطاء ودعم رسمي سياسي وعسكري للحكومة الإسرائيلية وقواته العدوانية التي لا تتحلى بأي شعور اخلاقي وإنساني .
بناءا على ما تقدم يمكن لنا فهم رسالة الرئيس ابو مازن الموجهة للمنظمة الدولية وللامين العام للأمم المتحدة للعمل على تنفيذ كافة القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الداعية لإنهاء الإحتلال الجاثم على فلسطين أرضا وشعبا وفي مقدمتها توفير الحماية للشعب الفلسطيني لمنع تدهور الأوضاع بشكل أكثر خطورة ما يهدد أمن وإستقرار منطقتنا والعالم اجمع وفي حال حصول ذلك فهذا يعني تحميل المسؤولية للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وخاصة أمريكا وعلى المجتمع الدولي لتخليه عن مسؤولياته وتعهداته بحفظ الأمن والسلم الدوليين والإنصياع للضغوط الأمريكية التي تشكل مظلة حماية دائمة للكيان الإستعماري الإسرائيلي تكفل له الإفلات من المحاسبة ومن فرض العقوبات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة من عزل ومقاطعة وحصار وتجميد عضوية .
واما دعوة الرئيس للدول الأعضاء بصفتها الوطنية "اي تجنبا للفيتو الأمريكي " لإتخاذ خطوات عملية مستندة لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وللقانون الدولي وهذا يستدعي ضمان محاسبة إسرائيل المارقة من خلال المقاطعة ووقف العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية والثقافية والإعلامية واي إتصالات تهدف لإقامة علاقات مع الكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي العنصري مهما واجهت من الضغوطات الأمريكية التي وظفت قوتها من أجل إدماج الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي بقلب الوطن العربي والعالم الإسلامي دون إنهاء إستعماره لدولة فلسطين المحتلة والمعترف بها دوليا .
خامسا : الشعب الفلسطيني ماض في نضاله حتى دحر المستعمر الإسرائيلي الإرهابي :
بالرغم من الإنحياز الأمريكي للكيان الإستعماري الإسرائيلي وإختلال موازين القوى لصالح سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي إلا أن الشعب الفلسطيني لن يركع ولن يستسلم أمام كافة اشكال المؤامرات والضغوطات الإسروامريكية وادواتهم وماض في نضاله بكافة الوسائل المكفولة دوليا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعمودها الفقري حركة فتح مدعوما من أحرار العالم دولا وشعوبا وما موقف جلالة الملك عبدالله الثاني الذي عرضه في خطابه الإستراتيجي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والتاكيد على فشل اي محاولة للقفز عن حقوق الفلسطينيين " لا يمكن القفز بالمظلة فوق الفلسطينيين للتعامل مع العرب ثم العودة هذا أمر غير ناجح " وهذا تعبير عن تطابق الموقف الأردني الفلسطيني وما مقدمة خطاب الرئيس بقوله " واهم من يظن أن السلام يمكن أن يتحقق دون حصول شعبنا على كامل حقوقه " إلا تعبير عن وحدة الموقف الأردني الفلسطيني للتعامل مع المرحلة القادمة وتحدياتها .
الموقف الفلسطيني الأردني مرآة عاكسة للموقف العربي الرسمي بغالبيته الساحقة الذي عبر عنه القادة العرب في كلماتهم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .
الرسالة التي اختتم بها الرئيس محمود عباس خطابه توجب فهمها بأن الشعب الفلسطيني لن يرحل عن أرضه وإن كان لاحد ان يرحل فهم المحتلون والمغتصبون وهذا يعني وجوب دعم صمود الشعب الفلسطيني سياسيا وإقتصاديا..... منهيا خطابه بالتأكيد على أن النصر حليفنا وسوف نحتفل بإستقلال دولتنا في القدس عاصمتنا الأبدية ودرة التاج وزهرة المدائن إلا تعبير عن إرادة إستمرار مسيرة النضال الوطني الفلسطيني حتى الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 والتي تشكل صلب وجذر الصراع.... ؟