الكاتب:
فوزي علي السمهوري
جسد جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه بالدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة رؤية ثاقبة لدور المجتمع الدولي ودعوته للتصدي العملي لحل التحديات التي تواجه دول العالم وعلى قمتها :
اولا : القضايا الإنسانية ومسؤولية المجتمع الدولي .
ثانيا : اللاجئين وتبعاتها على الدول المضيفة .
ثالثا : التغيرات المناخية.
رابعا : إعادة بناء الثقة المفقودة في العمل الدولي .
خامسا : القضية الفلسطينية .
مثلت العناوين والمحاور أعلاه صلب وجوهر الخطاب الملكي الشمولي أمام المجتمع الدولي في اليوم الأول من إفتتاح الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي يقع على عاتقها المسؤولية المشتركة للتصدي لمختلف قضايا العالم دون إزدواجية وإنتقائية لحلها والتي في حال إستمرارها ستعصف باهداف الأمم المتحدة من ترسيخ الأمن والسلم الدوليين :
أولا : القضايا الإنسانية ومسؤولية المجتمع الدولي :
لخص جلالة الملك هذا المحور بقوله " عندما تفوق الكوارث الوصف فإننا نلتفت إلى الإحصائيات المروعة " مدللا بذلك على خطر إنعدام الأمن الغذائي الذي يواجهه 345 مليون إنسان في العالم مما يرتب على المجتمع الدولي عامة والدول الغنية خاصة تلك المتحكمة والمهيمنة على ما يزيد من 80 ٪ من ثروات العالم بما فيها ثروات الدول الفقيرة ان تتصدى دونما تأخير لحل جذري لهذه المشكلة التي ستنعكس مستقبلا سلبا على أمن وإستقرار مختلف دول العالم عدا عن إنتشار الأمراض .
ثانيا : اللاجئين وتبعاتها على الدول المضيفة :
إستعرض جلالة الملك اعداد اللاجئين في العالم والتحديات والمشاكل التي يتعرض لها 108 ملايين إنسان من مجتمع اللاجئين في العالم الذي يشكل ما نسبته 40 ٪ اطفالا اي شباب المستقبل وتداعيات ذلك على إرتفاع نسبة الأمية والفقر وتبعات ذلك على معدلات الجريمة وتعاطي المخدرات وغيرها وتولد اليأس والإحباط وهذا بلا شك يوجه جرس إنذار لقادة العالم ليس لعدم تجاهلها بل للعمل على حل جذور أسباب اللجوء سواء كآنت بسبب الحروب او الصراعات المسلحة الداخلية او إحتلال عسكري إستعماري لأراض وشعوب دول أخرى او بسبب الفقر وإنعدام أفق التنمية المستدامة وتخلي المجتمع الدولي عن الإضطلاع بواجباته إتجاه هذه القضايا الإنسانية ذات الإمتداد والبعد الأمني الذي فاقم منها .
وما معاناة الأردن من اللجوء وتشكيل ما يزيد من ثلث عدد سكان المملكة من اللاجئين ناجم عن تقليص الدعم الدولي وتقاعس المجتمع الدولي عن الإيفاء بإلتزاماته إلى إلقاء حياة مئات الآلاف من اللاجئين في دوامة من الخطر وعدم اليقين كما ألقى ذلك تبعات واعباء كبيرة على البنية التحتية وعلى الموارد وعلى كلفة المعيشة للمواطن كما على الموازنة وعلى قطاعات واسعة من الشعب الأردني مما يتطلب من المجتمع الدولي المبادرة السريعة للعمل على الإيفاء بإلتزاماته بدعم الأردن حتى يتمكن الإستمرار بواجبه إتجاه اللاجئين إلى حين تمكينهم العودة إلى بلدانهم المكان الطبيعي لحياتهم .
ثالثا : التغيرات المناخية :
أشار جلالة الملك في خطابه إلى التغيرات المناخية وما صاحبها ويصاحبها من موجات حر مدمرة وجفاف وفيضانات ما يؤثر أيضا على النهوض بإحداث تنمية مستدامة تحقق أهدافها القطرية والإقليمية والدولية مما يرتب على المجتمع الدولي إقليميا ودوليا التعاون ودعم الدول وشعوبها للحد من تبعات وتاثيرات التغير المناخي .
رابعا : إعادة بناء الثقة المفقودة :
إشارة جلالة الملك إلى ما يواجه الأردن نموذج لما يواجه منطقتنا من ظروف وإلى الأزمات المتكررة التي اعاقت التقدم في تحقيق المزيد من التنمية والإزدهار إلى تساؤله " هل سنجتمع في تضامن عالمي للوصول إلى جذور المشكلة وحل الصراعات والأزمات التي تدمر الحياة والأمل؟ " والتساؤل الهام " هل سنعمل ككيان واحد لإعادة بناء الثقة المفقودة في العمل الدولي ومساعدة المحتاجين " .
هذه التساؤلات تحمل الجواب بمضمونها عن غياب التضامن العالمي والجدية بالتعامل مع المشاكل وجذورها وحلها مما يتطلب الشروع بمبادرة عمل جمعية جادة للتعامل مع كافة قضايا العالم هذا الغياب أدى إلى فقدان الثقة بالعمل الدولي والمحتاجين مما يستدعي بذل الجهود المخلصة من قبل الدول الكبرى لوضع الخطط والبرامج لإعادة بناء الثقة التي تتاتى بالتصدي للتحديات وفرض تنفيذ القرارات الدولية على جميع الأطراف دون إزدواجية إعلاءا لسمو الشرعة الدولية ولتجسيد أهداف ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة على قاعدة العدالة والمساواة بين الدول صغيرها وكبيرها قويها وضعيفها .
خامسا : القضية الفلسطينية :
إستاثرت القضية الفلسطينية بالحيز الأهم من خطاب جلالته لما تمثله القضية الفلسطينية من مكانة إستراتيجية راسخة لدى القيادة الهاشمية ولدى الشعب الأردني بشرائحه وقطاعاته المختلفة فالقضية الفلسطينيةبالنسبة للأردن قضيةداخلية بحكم التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا .
أكد جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه على :
* أن إستمرار المعاناة في منطقتنا إلى أن يساعد العالم في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحل القضية المركزية في الشرق الأوسط وفي هذا خطاب للولايات المتحدة الأمريكية وللكيان الإستعماري الإسرائيلي ان الضغوط الأمريكية لإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري في قلب الوطن دون تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف مآله الفشل ولن يحقق السلام .
* لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين ان يثبت اساساته فوق الرماد المحترق لهذا الصراع الذي لا يزال نيرانه مشتعلة بعد مرور سبعة عقود ونصف.
وفي ذلك رسالة إلى أن إستمرار الصراع وإدارته ستؤجج الصراع وسيطيح عاجلا ام آجلا باي ما يعتقد انه إنجاز دون ترجمة حل الصراع واقعا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية .
* ضرورة ترجمة قرارات الامم المتحدة الصادرة منذ بداية الصراع من الواقع النظري إلى تنفيذ عملي وكلها تعترف كما اشار جلالته بخطابه بالحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني بمستقبل ينعم بالسلام والكرامة والأمل وهذا هو جوهر حل الدولتين السبيل الوحيد نحو السلام الشامل والدائم ولضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من التعبير عن هويته الوطنية وتحقيقها مؤكدا ان هذا المتطلب الأساسي لهذا الحق هو قيام دولتهم المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
وهذه رسالة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية بضرورة ان توقف إنحيازها ودعمها لإسرائيل وممارساتها المناقضة لإلتزاماتها كعضو في الأمم المتحدة وتعد إنتهاكا صارخا للقانون الدولي للقانون الدولي الإنساني ولإتفاقيات جنيف .
* مشيرا بتساؤله " كيف يمكن للناس ان يثقوا بالعدالة العالمية بينما يستمر بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وتدمير البيوت واين التضامن الدولي المطلوب ليعطي قرارات الامم المتحدة المصداقية بالنسبة لمن يحتاج مساعدتنا ؟ " .
اي ان السياسات والممارسات والجرائم التي ترتكبها سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية أدت إلى فقدان الأمم المتحدة لمصداقيتها نتيجة للدور الأمريكي المنحاز بحماية إسرائيل وتمكينه الإفلات من المساءلة والعقاب مما يتطلب من مجلس الأمن الإضطلاع بواجباته لإلزام إسرائيل إنهاء إحتلالها تنفيذا للقرارات الدولية تحت طائلة العقوبات والعزل حماية للأمم المتحدة ودورها وأهدافها .
* تأكيد إستمرار دعم الاونروا وتمكينها من تقديم خدماتها في كافة عملياتها بالدول المضيفة وحماية للشباب والعائلات وكونها عنوانا ورمزا للنكبة الفلسطينية التي ولدت قضية اللاجئين الفلسطينيين .
إستمرار عمل وكالة الغوث عامل إستقرار للدول المضيفة وتخفيف الاعباء عليها فقرار الأمم المتحدة بإنشاء الاونروا وتمكينها من أداء مهامها إلى حين تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم رقم 194 بكفالة حق العودة للاجئين الفلسطينيين واصلابهم لمدنهم وقراهم .
* تأكيد دور مواصلة الأردن إلتزامه بالمحافظة على هوية المدينة المقدسة مؤكدا بذات الوقت على حماية القدس كمدينة للإيمان والسلام تقع على عاتقنا جميعا وهذه دعوة لجميع الدول الإسلامية والمسيحية ورجال الدين التصدي للهجمة الإسرائيلية وجرائمها التي تستهدف تهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء وخاصة في القدس عامة والمسجد الأقصى خاصة....
نخلص إلى أن خطاب جلالة الملك وخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستدعي العمل لدعم مضمونه من خلال تشكيل جبهة عربية نواتها إضافة للأردن وفلسطين السعودية ومصر والجزائر تتولى مسؤولية تشكيل جبهة دولية ضاغطة على الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ومخاطبتها بلغة المصالح للإضطلاع بواجباتها وفق صلاحيتها المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة لإتخاذ الإجراءات اللازمة بحق سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لإرغامها على البدء تنفيذ القرارت الدولية الداعية لإنهاء إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وفق جدول زمني قصير وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948...... بهذا يتحقق السلم والأمن الإقليمي ودون ذلك فالنتيجة واضحة بإستمرار الصراع وما يترتب عليه من تداعيات يتحمل مسؤوليتها الكيان الإستعماري الإسرائيلي المستقوي بالدعم والإنحياز الأمريكي.....؟
اختم بقول جلالة الملك أمام القمة العالمية للشرق الأوسط " لا يمكن القفز بالمظلة فوق الفلسطينين للتعامل مع الدول العربية ثم العودة هذا لا ينجح " هذا الموقف تعبير عن الموقف الاستراتيجي الراسخ للدولة الاردنية بدعم حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله بقيادة م ت ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتي نيل الحرية والإستقلال وتقرير المصير ...اي ان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس أولا هي الأساس والسبيل ...؟
هلا إستجاب العالم لدعوة الملك من أجل بناء مستقبل أفضل لفلسطين وللاجئين وللعالم.... ؟