الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

وضاعت عدالة التوزيع وتضيع البلاد بين الجشعاء والسفهاء

نشر بتاريخ: 28/09/2023 ( آخر تحديث: 28/09/2023 الساعة: 12:09 )

الكاتب:

رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في السنوات الأخيرة ظهرت شريحتان جديدتان في المجتمع الفلسطيني هما الجشعاء والسفهاء . وشريحة الجشعاء تعتمد على امتلاكها قوة خفية في التسهيلات وتستطيع ان تضع يدها على كل شيء وفي أي مكان .

هذه الشريحة مزيج من المتنفذين سياسيا وماليا وامنيا وعشائريا وبين " الوسطاء " الذين يدرسون القانون جيدا ويسهلون لهؤلاء وضع يدهم على الأراضي والممتلكات والمنازل والمشاريع بكل يسر وسهولة دون ان يسألهم احد : من اين لك هذا ؟

وكذلك شريحة السفهاء التي تضع يدها على كل شيء وتدمر كل شيء ، ولا داعي لتدرس القانون او لتكترث لاي قضاء ، فهم مثل الجراد يسرقون المال العام والطرقات والبنى التحتية والطاقة ومستعدون لهدر الف الف طن من اجل سرقة كيس حبوب !!

الشريحتان لا ينفع فيهما سلطة مكافحة فساد ولا قانون ولا حقوق انسان ولا قانون العيب والحرام ، وينتشرون انتشارا كبيرا لدرجة الوباء .

ومن جهة أخرى تتسع طبقة الفقراء افقيا وعموديا. وحتى بين خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا مهما كانت تخصصاتهم . وما بين عامل في الورشات الإسرائيلية وبين صاحب كشك على قارعة الطريق الى مندوب مبيعات لا يشتري منه احد . وبالحد الأدنى تنتشر ظاهرة البطالة المقنعة المسماة " تفريغ على الأجهزة الأمنية " وهي اقرب لوزارة الشؤون الاجتماعية منها الى الامن .

واللافت ان شريحة الجشعين " الجشعاء " وغالبية سكانها يرتدون البدلات الانيقة ويركبون سيارات قانونية مستعدة لفعل أي شيء وكسر أي قانون للحصول على مبتغاهم والسيطرة على أي شيء بثمن بخس . وليس لهم عذر فهم اغتنوا من وظائفهم ومواقعهم .

ومقابلهم نشأت شريحة تسمّى "السفهاء" الذين لا يرتدون بدلات جميلة ولا يركبون مركبات قانونية أصلا ، ولكنهم صاروا جاهزين لكسر أي قانون وفعل أي شيء وحتى اغلاق الطريق العام والبناء في الأملاك العامة لضمان الحصول على لقمة عيش أولادهم .وهو عذر اقبح من ذنب .

فئة غائبة عن الوعي ومنفصلة عن الواقع مثلنا ، لا تزال تدعو لإنفاذ القانون . بينما يتحطم القانون كله امام عيوننا بين الجشعاء وبين السفهاء.

لا اتردد في القول ان كل جشع فاسد هو سفيه ، وان كل سفيه لا مانع عنده ان يصبح من الجشعين الفاسدين ولكنه لم يأخذ فرصته ليصبح مثلهم .

القضاء غائب تماما ،والجريمة ترتفع والمخدرات تنتشر والقانون في مناطق محددة وعلى فئات محددة من الذين التزموا بالقانون أساسا . والتنظيمات منشغلة بالانقسام والشتم على الخصم الاخر . السلطة تحاول البقاء والمعارضة لا تكترث لمكافحة الفساد الا من خلال بوست خجول على السوشيال ميديا أحيانا .

على جميع الفئات ولكل الناس في كل عصر وزمان ، صدق القول :

من أمن العقاب أساء الادب

الجشعاء امنوا العقاب

والسفهاء امنوا العقاب

وفي النهاية كل هذا يدفع الناس للقول : لا يهم من يحكمنا اذا كانت فتح او السلطة او حماس او التكنوقراط او السعودية او الأردن او مصر او إسرائيل . المهم ان يكون هناك رادع للنفس البشرية حتى تعود لفطرتها ولا ينتحر المجتمع امام اعيننا وتضيع مئة عام من النضال بين شريحتين من أسوأ ما يمكن تخيله .