الكاتب:
مصطفى المقداد
الحكاية التي أوردها نواف الزرو الكاتب والصحفي الفلسطيني المعروف عن الحرب الصهيونية على الرواية الفلسطينية، تعطي فكرة واضحة وتقدم صورة متكاملة للحرب العدوانية ضد الثقافة الفلسطينية الأصيلة ، تأكيد على أن هذا الكيان الصهيونى المؤقت يخشى الكلمة والحرف والأغنية والصورة الفلسطينية بدرجة توازي أو تزيد عن الخوف من المقاومة المسلحة واستخدام السلاح الصاروخي مهما كان قوياً وفعالاً .
وهو يؤكد أن الثقافة والذاكرة الوطنية وحكاية النكبة واللجوء الفلسطيني والرواية الفلسطينية كلها تسبب أرقاً ورعباً
دائماً للمؤسسة الصهيونية، فأي استحضار للنكبة والتهجير والمجازر الصهيونية يثير قلقهم، حتى لو كان ذلك من قبل طفل فلسطيني في أقاصي الدنيا،
هناك في تشيلي اللاتينية، قد تبدو الحكاية طريفة وغير معقولة، أن يقوم سفير "إسرائيل" بشن حرب على طفل فلسطيني مهاجر من العراق إلى تشيلي،
ولكن هذا ما حصل، إذ أعلن سفير " كيان الاحتلال في تشيلي الحرب على طفل فلسطيني (بطل كتاب يدرس في رياض الأطفال في تشيلي) وطالب السلطات التشيلية المتخصصة بإخراج الكتاب من رياض الأطفال، وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية "أن السفير دافيد ددون علم من مدرسة يهودية أن مكتبة رياض الأطفال في المدارس الحكومية تحتوي على كتاب بعنوان
"من العراق إلى كالاره ( مدينة في تشيلي )"
يروي قصة عبودي: الطفل الفلسطيني الذي وصل إلى تشيلي؛ لأن عائلته طردت من فلسطين على أيدي الاحتلال الصهيوني، ويصف الكتاب الطفل عبودي أنه لاجئ مسكين فقد وطنه بعد احتلاله من قبل اليهود واضطر للوصول إلى تشيلي البعيدة، وادعى سفير العدوان أمام وزارة التعليم التشيلية أن الكتاب هو دعاية فلسطينية يجب محاربتها، وأبلغ الخارجية الإسرائيلية أنه تلقى رداً بأنه تم منع تداول الكتاب في رياض الأطفال. وهكذا حقّق السفير الإسرائيلي انتصاراً على الطفل الفلسطيني لما منع الكتاب بفضل تجاوب السلطات التشيلية مع الأسف. ولكن بيت القصيد هنا في هذه القصة، أننا أمام حرب صهيونية شاملة على القضية والذاكرة الفلسطينية والعربية؛ فالدولة الصهيونية تسعى بوصفها "دولة مختلقة" إلى اختطاف الأرض والوطن والتاريخ والحضارة والتراث، وتعمل بلا كلل على تهويد فلسطين تهويداً شاملاً: جغرافياً ،سكانياً، حضارياً، تراثياً، ثقافياً، واقتصادياً ، وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات.. كما تعمل إلى جانب ذلك كله على تفريغ ذكرى النكبة وذاكرتها من مضامينها ومن كل معانيها ودلالاتها، في الوقت الذي تشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة والقضية والذكرى والذاكرة.
وإذ يستفيض نواف الزرو في متابعة هذه المعركة فإنه يعكس الحرب القائمة في ميدان الثقافة الشعبية للفلسطيني الممسك على حقه بقوة متزايدة مع الزمن ، ما يزرع الخوف لدى المعتدي الغاصب وهو يدرك أن نهايته محتومة وإن امتد بها الزمن وتلازمت مع ترسانة كبيرة ، لكن فائدتها معدومة ، وسيكون يوم الاستحقاق التاريخي مشهوداً .