الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإخوان.. اضمحلال ينذر بولادة كيانات أشد تطرفا

نشر بتاريخ: 04/10/2023 ( آخر تحديث: 04/10/2023 الساعة: 15:53 )

الكاتب: حميد قرمان

منذ أسابيع.. وأنا في حالة دراسة معمقة سياسيا وتنظيميا لجماعات الإخوان المسلمين في عدة بلدان عربية، وانعكاسات أزمة التنظيم الدولي للجماعة في سياق متبادل، أدخل كوادرها ومناصريها وقياداتها عموما في تيه سياسي وتنظيمي نهايته الوحيدة فكر أكثر تشددا وعنف أكثر دموية.

عوامل عديدة أوصلت جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي إلى حالة الجمود التنظيمي والسياسي والفكري؛ 67 فرعا حول العالم مقسمة جغرافيا إلى سبع مناطق لم تستطع ترجمة حلول فكرية تنظيمية تنتشل جماعة الإخوان من المستنقعات التي أغرقت فيها نفسها بعد ما سمّي بثورات الربيع العربي ومآلاته، في تجارب السلطة والحكم الإخواني الفاشي سواء في مصر أو تونس أو ليبيا، أو براغماتيتها في البقاء بالسلطة في المغرب. وحتى تعاطيها مع ملفات السياسة في السودان، أو الحرب في اليمن، أو حالة التشرذم التي أصابتهم في الأردن، وهي تجارب استهلكت من رصيدها في الشارع العربي، الذي تأكد بعد التجربة من أن فكر الإخوان “البشري” لن يصلح لإدارة الدول وملفاتها السياسية والاقتصادية.

المنتمي إلى الإخوان اليوم لا يستطيع تبرير، بمسوغات فكر الجماعة وأدبياتها المحدودة، مقاومة الإخوان في فلسطين وتطبيع الإخوان في المغرب أو صراعات الإخوان في مصر والهوان السياسي في تونس، أو ما أوصلوا إليه الوضع من حالة مقيتة في ليبيا أو السودان وسوريا. بل في مقام آخر لن يستطيع المنتمي إلى الإخوان تبرير مسوغات حالة الضعف السياسي والفكري العام التي أصابتهم دون اللجوء إلى نظرية المؤامرة المعتادة. وهنا بانت حقيقة سطحية الفكر الإخواني وصدامه بجدار الواقع العربي والإقليمي والعالمي، الذي اختبأ طوال السنوات والعقود السابقة تحت ساتر الدين؛ فلم تستطع قيادات ومنظرو الجماعة إعادة إنتاج تموضع الإخوان داخل هذه البلدان، أو تجديد مواقعهم التنظيمية، فالعنوان الرئيسي هو العجز عن إدارة المشهد السياسي النابع من الجمود الفكري والتنظيمي كآفة أصابت الجماعة برمتها من هرمها إلى قاعدتها الشعبية، لتكون المحصلة الحتمية الدخول في صراعات وانقسامات وانشقاقات أدت إلى انهيار التنظيم الدولي، الذي لم يتبق منه إلا شراكات اقتصادية يجمعها نفوذ سياسي محصور في نطاقات جغرافية ضيقة، وبالتالي لن يفلح في تحقيق أي طموحات سياسية.

هذه الخلاصة المبسطة تركت فجوة وفراغا تنظيميا وفكريا في قواعد التنظيم الإخواني التي استيقظت على واقع وهمية التنظيم الدولي وهشاشته، بعد الهزات السياسية التي تعرضت لها جماعات الإخوان، وما رافقها من سطحية فكر القيادات الإخوانية وخلافاتهم على التركة الاقتصادية، التي تجمع مئات الكيانات التجارية والاستثمارية في شرق آسيا وغربها وشمال أفريقيا وتركيا وأوروبا.

هذا الفراغ أو الفجوة ينذر بما هو أشد تطرفا من قبل هذه القواعد، التي لن تقبل أن تبقى بلا عقيدة دينية مغلفة بإطار سياسي يلامس ما جاء في كتابات حسن البناء وسيد قطب.. عقيدة تموت لأجلها هذه القواعد تقربا لنعيم “الآخرة”، الذي يسوقه لها قادة الإخوان كأحد مرتكزات السمع والطاعة، التي تدين بها هذه القواعد لهم كمنهج حياة. ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث مؤخرا من استيراد حركة حماس – آخر القلاع الإخوانية الصامدة – عناصر إخوانية ذات قابلية أكبر للتطرف والعنف لتنفيذ مخططاتها وأجنداتها الإرهابية في السيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان، في انتهازية حمساوية استغلت واقع الإخوان المتردي في البلدان العربية.

انتهازية حماس هذه هي التي جعلتها، بصرف النظر عما تؤمن به دينيا، تدور في فلك أجندات أنظمة حكم سياسية متحالفة مع إيران، كافرة وظالمة حسب معتقدات سيد قطب ذاته، بل وتعادي الإخوان كفكرة وتنظيم في أبجدياتها ومبادئها القائمة على سلطة الحزب الواحد أو الطائفة الواحدة. وهو ما سينعكس على ما سيخرج من عباءة الإخوان من تنظيمات، ستلجأ إلى تحالفات وتعاقدات مع دول وأجهزة استخبارات لتثير فوضى في الواقع العربي بحثا عن سلطة أو نفوذ سياسي.
حركة حماس الإخوانية التي قفزت هربا من سفينة جماعة الإخوان الغارقة وإعادة رسم تحالفاتها من جديد لتتموضع في الحاضنة الإيرانية وأدواتها في المنطقة، خاصة بعد إفلاس الفكر الإخواني في الاستمرارية؛ كفكر وفلسفة سياسية قادرين على البقاء والتعايش مع تطورات المنطقة والعالم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الانقسامات والانشقاقات في التنظيم الدولي، سمحت لحركة حماس بإعادة إنتاج موقعها في المنطقة بتحالف مع إيران وأدواتها في المنطقة تحت شعارات تحرير فلسطين، مع إبقاء الباب مواربا بحذر مع تركيا، التي ستضحي بتحالفها مع الإخوان في سبيل إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع بلدان عربية ترفض الاحتواء التركي للإخوان عموما.

بالعودة إلى فكرة المقال الأساسية، نستخلص بأن تفتت الكيانات الإخوانية، نتيجة إفلاسها فكريا وسياسيا وتنظيميا في عدة بلدان عربية، واضمحلالها واندثارها ينذر بشكل أو بآخر بتشكل كيانات منبثقة عنها بالنهج والتكوين، تلجأ إلى بوتقة العنف تماما كتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، من أجل تحقيق ما عجز عنه الإخوان المسلمون من ترجمة أفكار حسن البناء وسيد قطب كأيديولوجية سياسية قادرة على التطور بشكل مستمر مستغلة الدين لتبرير عنفها وتطرفها.

وهنا تكمن خطورة نشوب جماعات متطرفة في أماكن عدة في الشرق الأوسط، أهمها السودان وليبيا وسوريا والعراق واليمن وتونس.. ترى بالإخوان “فكرا متساهلا” أدى إلى اضمحلالها لذلك وجبت ولادة ما هو أكثر تطرفا ودموية للوصول إلى مجتمع لا ينتمي إلى الجاهلية حسب معتقداتها.