السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

المشاركة الفلسطينية في حرب تشرين 1973

نشر بتاريخ: 06/10/2023 ( آخر تحديث: 06/10/2023 الساعة: 11:24 )

الكاتب: واصف عريقات



قاتل الجيشان السوري والمصري بشجاعة وكفاءة عالية خلال حرب ٦ تشرين العاشر من رمضان ١٩٧٣ خامس الحروب العربية والاسرائيلية وبرعوا في التخطيط الجيد والمحكم وبسرية تامة وتحقيق المباغتة والمفاجأة باختيار يوم السبت - عيد الغفران حيث تتوقف فيه الاذاعة والتلفزيون عن البث مما يؤخر عملية استدعاء الاحتياط، والساعة ١٤٠٠ بعد الظهر ساعة الصفر حيث تكون الشمس جهة الغرب خلف ظهور المصريين وتتيح لهم رؤية جيدة وتغشى عيون الاسرائيليين، والشهر تشرين أفضل الشهور حيث يلائم المناخ فيه الجبهتين السورية والمصرية.
استبسل جنود وضباط الجيشين في القتال بمهارة وشجاعة منقطعة النظير ونفذوا هجومين متزامنين على القوات الاسرائيلية، واقتحم الجيش المصري خط بارليف الحصين وحطموه وعبروا قناة السويس، وتسلق الجيش السوري جبل الشيخ واخترقوا خط الون في هضبة الجولان ووصلوا الى مشارف طبريا وجسر بنات يعقوب في وضح النهار. وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك.
دعمهم باشكال متعددة وقاتل الى جانبهم جنود وضباط من جيوش الأردن والعراق والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، والكويت، والسودان، والسعودية.
وكان للتضامن العربي دورا كبيرا حين استخدم سلاح النفط لمعاقبة الولايات المتحدة والغرب والداعمين لاسرائيل كجزء من الصراع، وقام اعضاء منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول باعلان حظر نفطي وخفض الصادرات ورفع الاسعار. مما ادى الى فوضى عارمة وصدمة عنيفه عند الغرب. على اثرها فكرت الولايات المتحدة في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الاوسط اثناء الحرب كما كشفته الوثائق البريطانية.

كما شاركت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والوية جيش التحرير الفلسطيني في اسناد الجيشين على الجبهتين، وقاتلت كتائب من قوات اليرموك التابعة لقوات العاصفة وحركة فتح وكتائب من جيش التحرير التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على الجبهتين المصرية والسورية ضمن الخطة النظامية الكلاسيكية ، وقاتلت الوحدات الفدائية البرية من قطاع الجولان وخالد بن الوليد التابعة لقوات العاصفة وحركة فتح بأسلوب حرب العصابات على الجبهة السورية، وقاتلت كتيبة الوحدة الخاصة من قوات اجنادين ووحدة الضفادع البحرية على الجبهة المصرية، ارتقى خلال الحرب 92 شهيدا وجرح 170 آخرين على الجبهتين، وفتحت فصائل منظمة التحرير جبهة ثالثة من جنوب لبنان، ونفذت عمليات فدائية خلف خطوط العدو، وقصفت بالمدفعية والصواريخ المستوطنات الإسرائيلية ومواقع وخطوط امداد العدو وطرق مواصلاته، واستنزفت عدداً كبيراً من قواته. وفي داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عمت المظاهرات الشعبية والقاء الحجارة على مراكز الشرطة الاسرائيلية وتعطيل خطوط المواصلات والامتناع عن تسليم الاليات وضرب المراكز الحيوية وتخريب المرافق الحيوية والمنشآت الاقتصادية، وتنفيذ العمليات الفدائية وعدم التعامل بالعملة الاسرائيلية والتمرد داخل السجون.
وفي الكنيست الاسرائيلي عددت رئيسة وزراء اسرائيل السابقة جولدامائير عمليات المقاومة الفلسطينية خلال ال ١٧ يوم قتال ب ١٠٦ عمليات شملت ٤٤ مستوطنة أدت الى مقتل وجرح ٢٠ منهم ٦ جنود، علما بان الأرقام الحقيقية أضعاف ذلك.
ومثلها صرح يوسف تكواه مندوب اسرائيل في الامم المتحدة واضاف ان ٢٠٢ اشتباك قد وقع منذ بداية القتال.


بالمقابل فشل الجيش الاسرائيلي في التصدي للهجمات وبعدم إعطاء الإنذار المسبق لنشوب الحرب، تبعا للفشل الاستخباري في جمع المعلومات ورصد التحركات، واجبرت اسرائيل بعد حرب تشرين على اعتماد التعددية في البحوث الاستخبارية ولم تعد التقديرات حصرا على مصدر واحد واللجوء الى توفير مصادر اضافية في الموساد والشاباك ووزارة الخارجية بموازاة الاستخبارات العسكرية.

وجاء هذا الإنجاز الميداني للجيوش العربية صدمة كبرى للقيادات الإسرائيلية ادت الى تقديم وزير الحرب موشيه دايان استقالته لرئيسة الوزراء جولدامائبر لخلافه معها حول طلبه بالانسحاب وانشاء خط دفاعي جديد بحسب ما جاء في كتاب التقصير كاشف العورات الاسرائيلية.
وهذا الكتاب شهادة غير مباشرة للمقاتل العربي الذي أذاق العسكري الاسرائيلي طعم الحرب الحقيقية لأول مرة منذ حرب 1948. ولولا تدخل الولايات المتحدة الامريكية وجيشها في الحرب لهزمت إسرائيل شر هزيمة.
حيث أقامت جسرا جويا عوضت إسرائيل من خلاله كل المعدات القتالية بما فيه الطائرات الحربية والأسلحة والذخائر التي تحتاجها، كما زودت الأقمار الصناعية الامريكية الجيش الإسرائيلي بادق المعلومات الميدانية عن مواقع الجيوش العربية وخاصة ثغرة الدفرسوار التي أدت الى تعقيد مسار الحرب واجهاض الانتصار حين تمكن الجيش الإسرائيلي من خلالها الى فتح الثغرة وعبر للضفة الغربية للقناة، وتم تطويق الجيش المصري الثالث ومدينة السويس، وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية وتشكيل جيب سعسع بعمق 15 كم، ما أدى الى اتفاق لوقف اطلاق النار.


وبغض النظر عن التفسيرات المتباينة حول دوافع الحرب وأبعادها وأهدافها وحقيقة مواقف القادة منها ونواياهم، فقد تميزت هذه الحرب بقدرة العرب على اتخاذ القرار واخذ زمام المبادرة وامكانية توحيد الجهود والعمل المشترك، كما برزت المهارات القتالية عند الجيوش العربية واكدت حقيقة ان الجيش الاسرائيلي قابل للقهر والهزيمة، وأن لا حدود آمنه لدى الاحتلال. وواجه الجيش الإسرائيلي تحدياً من أصعب التحديات التي يتعرض لها أي جيش نتيجة الوضع الخطير الذي كان قائما في بداية الحرب، وما تلاه من عمليات وعثرات وثغرات تحدث عنها تقرير لجنة اغرانات التي شكلت
للتحقيق في التقصير وأخطاء القيادات الإسرائيلية.
وقد انتقد التقرير الجيش الاسرائيلي بشده لافتقاره الى التأهب والخلل في التنسيق بين مختلف الوحدات وكذلك الاوامر والانضباط والامدادات الطارئه،كما أقر التوصيات والاقالات للمقصرين.
برهنت حرب تشرين على قدرة العرب على اتخاذ القرار الجماعي وتسخير الامكانيات العربية في الميدان كما برهنت على كفاءة وشجاعة المقاتل العربي في الميدان، وان هزيمة الجيش الاسرائيلي ممكنة .

*خبير ومحلل عسكري