الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إنها حرب الابادة والتصفية.. فما هي مسؤوليتنا لوقفها وافشالها؟

نشر بتاريخ: 10/10/2023 ( آخر تحديث: 10/10/2023 الساعة: 00:52 )

الكاتب: جمال زقوت


عملية الكوماندوز الفدائية التي قامت بها كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وما خلفته من نتائج ميدانية بالسيطرة لساعات طويلة على مراكز عسكرية بعضها مواقع قيادية، وعلى تجمعات سكنية ومراكز شرطية، تمكن المقاتلون خلالها من قتل أكثر من ثمانمائة من قادة وأفراد جيش الاحتلال والمستوطنين في غلاف غزة، واصابة مايزيد على الألفين وخمسمائة جريح بعضهم في حالة الخطر، وأسر حوالي 130 أسير معظمهم من جنود الاحتلال، وذلك كله وفق اعلانات جيش الاحتلال نفسه، في وقت أن عمليات الكوماندوز الفدائية تلك ما زالت تواصل هجماتها وتخوض قتالاً شرساً في عدد من المواقع داخل الغلاف .

هذه العملية، وفي مقابلها اعلان اسرائيل عن حالة الحرب، فتحت أسئلة استراتيجية على كافة الأصعدة الاسرائيلية والعربية والدولية ومكانة القضية الفلسطينية، ومستقبل الصراع، بما في ذلك مستقبل الأوضاع الداخلية الفلسطينية.

فاسرائيل التي أفاقت صباح يوم السبت على مفاجأة كارثة الفشل الاستراتيجي الاستخباراتي والأمني والعسكري والسياسي تعتبر أن ما حدث غير مسبوق منذ نشأتها على أنقاض نكبة الفلسطينين، وما زالت تعيش حالة صدمة شاملة، وارتباك غير مسبوق في الاداء السياسي والميداني والشعور بالهزيمة. ذلك كله أعاد خلط الأوراق الداخلية الاسرائيلية، فزعيما المعارضة لبيد وغانتس اعلنا استعدادهما للانضمام لحكومة طوارئ وتشكيل مجلس حرب، لشعورهما بأن ما حدث أطاح بصورة عميقة في قدرة الردع الاسرائيلية والحاجة لترميمها، وتأجيل خلافاتهم الداخلية لما بعد انجاز تلك الأولوية لدولة الجيش" الذي طالما اعتبروه لا يقهر".

في الأثناء تبرز أصوات غير قليلة تُحمِّل نتانياهو مسؤولية الكارثة الاستراتيجية التي تمثلت بترك حماس تبني قوتها الضاربة، تحت شعار تمكين حماس من ابقاء سيطرتها على القطاع، وتعزيز انقسام الكيانية الفلسطينية لوأد أية امكانية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة يُجمع عليها الفلسطينيون والعالم وإن بدرجات متفاوتة.

اسرائيل و رغم هذه التباينات العميقة، والمطالبة بلجان تحقيق على غرار "لجنة أجرانات" بعد حرب أكتوبر 1973، التي أطاحت برئيس هيئة الأركان ولاحقاً بجولدا مائير ذاتها، فإن مكونات المجتمع الاسرائيلي تُعلي شعار " لا صوت يعلو على حرب الانتقام" من الشعب الفلسطيني، وخاصة من أهلنا في القطاع، تحت غطاء تصفية القدرات العسكرية لحركة حماس، وهي تعد العدة لحرب برية تستطيع اسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تبدأها ربما في الساعات القادمة، ولكنها قد لاتستطيع أن تحدد مسارها ونهايتها سوى بارتكاب المجازر الدموية التي بدأت بقصف غير مسبوق للبنية التحتية والبيوت السكنية والمنشآت المدنية يذهب كل دقيقة فيها ضحايا من المدنيين الأبرياء، وهي مرشحة بمضاعفات هائلة في حجمها وأعدادها في ظل الاجتياح البري الذي يعد له بموافقة أمريكية كشف عنها بلينكين بأنها قد تبدأ خلال يومين. فالجيش الذي يشعر بالهزيمة مدعوماً بالانحياز الدولي لن يأبه تبعات ارتكاب جرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية.

اندلاع هذه الحرب يشكل عنوان فشل للجميع، أولاً لاسرائيل التي سبق وقررت انكار وجود الشعب الفلسطيني وتسير بسرعة الريح لتصفية قضيته وحقوقه، وثانياً لنفاق المجتمع الدولي وازدواجية معاييره، والذي ترك اسرائيل تمارس غطرستها دون رادع حتى وقعت اسرائيل ذاتها في شراك هذه الغطرسة، وثالثاً للدول العربية التي وقعت فريسة الرؤية الاسرائيلية باستحالة التوصل لحل ينهي الاحتلال في المدى المنظور ، وأن الأولوية لاستقرار المنطقة، حتى لو كان على حساب الشعب الفلسطيني الذي يترك وحيداً يغلي في مرجل عنصرية الحكومة الفاشية والحكومات التي سبقتها، دون ادراك أن هذا الغليان سيؤدي حتماً للانفجار الذي شهدناه في مختلف مدن الضفة الغربية وصولاً للانفجار الكبير في غزة.

كما أن هذه الحرب تشكل عنوان فشل فلسطيني لجهة عدم التعامل الجدي مع طبيعة وحجم المخاطر الاستراتيجية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، و اشاحة النظر عن الأولوية العليا لمواجهته باستعادة وحدة مؤسسات الوطنية الجامعة، وتصليب الجبهة الداخلية وتوحيد استراتيجية عملها، وليس الاستمرار في الرهان على سياسة الولايات المتحدة بالرغم من انحيازها المطلق ليس فقط لاسرائيل، بل ولعدوانيتها على شعبنا وحقوقه الوطنية.

صحيح أن هذا الانجاز الذي حققته عملية القسام النوعية قد وضعت حماس في موقع القوة في وسط عالم لا يعترف سوى بالأقوياء، إلا أن ذلك يضعها مجدداً أمام مفترق طرق خطير . فاذا كانت أهداف حماس إنهاء الاحتلال فهذا الأمر لن تحققه مواجهة غزة لوحدها، بل لا يمكن تحقيقه بعيداً عن وحدة وطنية راسخة وهذا ما أشارت إليه كلمات محمد ضيف و صالح العاروري عندما دعيا الشعب الفلسطيني في كل مكان، وخاصة في الضفة الغربية لملاقاة جيش الاحتلال ومستوطنيه، وكلاهما يعلم أن مدى فاعلية ذلك يتوقف على الوحدة واعادة الأمل التي اعادت "طوفان الاقصى" بعضاً منه سيما في زمن الوهن والانكسارات، ولكنها تحتاج لأدوات وحدة راسخة، كان وما زال على قيادة حركة حماس أن تجدد التزامها بها والدعوة لها. هذا الأمر ينطبق بصورة أكبر على قيادة المنظمة والسلطة التي ظهرت كطرف هامشي، وكما يقولون "في نهاية الحرب فإن الحديث عن شروط وقفها، يتم فقط بين اطرافها". فهل ستستمر قيادة السلطة خارج هذه الأطراف؟ أم عليها أن تتحلى بالشجاعة وتغيير المسار واعطاء الأولوية للوحدة، التي بالتأكيد أن حركة حماس تحتاجها، وعليها أن لا تقع في فخ تغليب الشعور بالنصر على الحاجة للانتصار بالوحدة . وعلى المجتمع الدولي الذي طالما أعاق هذه الوحدة أن يدرك أن غياب الوحدة الفلسطينية وبما يشمل حركتي حماس والجهاد، وضعهما في زاوية ضيقة ليس أمامهما سوى محاولة الخروج منها، وكسر شروط اللعبة التي ارادت خنقهما كفريسة للعدوانية الاسرائيلية وسياسة العصا والجزرة وتعزيز الانقسام تحت سيطرتها في سياق استراتيجية التصفية.

هذه الحرب فتحت أسئلة كبرى حول مستقبل الصراع في المنطقة والطابع الجيوسياسي فيها، كما أن هناك الكثير من الأسئلة الداخلية التي يجب أن تطرح، ولكن هذا ليس وقت الدخول فيها ولا يتسع لها هذا المقال . فالعدوان والحرب على شعبنا يستهدف تصفية حقوقه وقدرته على الصمود والمقاومة. وهذا وقت الوحدة والتضامن . لا يجب اهمال هذه الأسئلة ولكن الأولوية هي لمواجهة ما يتعرض له شعبنا في غزة من حرب إبادة تحت إجراءات قطع المياه والوقود والكهرباء والمواد الغذائية، وأعتقد أن الضفة الغربية لن تكون بمنأى عن هذه الاجراءات، وما يحتمه ذلك من توحيد كل الجهود لوقف هذه الحرب والمجازر الدموية التي تجري ويتم الاستعداد لتوسيع نطاقها في اطار استراتيجية حكومة الاحتلال الوحيدة لترميم صورة الجيش الذي لا يقهر وقدرته على الردع التي تهاوت في السابع من أكتوبر.