الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

عدو كامل الأوصاف

نشر بتاريخ: 19/10/2023 ( آخر تحديث: 19/10/2023 الساعة: 11:41 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

لماذا تقبل الرواية الإسرائيلية و تروج مهما بلغت وقاحتها او كذبها او مناقضتها للواقع!

للإجابة على هذا السؤال نورد ما يلي ، فالسردية الإسرائيلية ليست ذكية ولا مكتملة ولا عبقرية بل هي مضحكة و تثير السخرية و لكن لا بد أن يكون هناك سردية ما مقابل سردية أخرى، اسرائيل تعتمد على تقديم رواية أخرى دائما بغض النظر عن كونها صادقة او غير ذلك ، المهم ان يكون هناك قصة ، و ستتولى المنصات الاعلامية الكبرى ترويجها و تحويلها إلى حقائق بفعل التكرار و الزيادة و النقصان و كذلك عمليات الصقل بفعل التداول، ولا يغيب عن اذهاننا ان منصات الاعلام الكبرى مملوكة لطغم المال و اللوبي الصهيوني في بلاد الغرب العنصرية ، كان لافتا ان بايدن تبنى السردية الإسرائيلية حول مذبحة المشفى المعمداني دون تحقيق و دون تمحيص و بذلك حولها إلى سردية عالمية لها قوة الانتشار و التصديق و الاغتيال السردية الإسرائيلية تتناسب و تلائم مثيلتها الغربية الاستعمارية و العنصرية ذلك ان السردية الإسرائيلية تقدم عدو كامل الأوصاف للذهنية الغربية يخدم اغراضها و يحقق اهدافها فالعدو هو عربي و مسلم و إرهابي يكره الحضارة الغربية و الليبرالية و هو ابن الظلام و ملك الشر و الأهم من كل ذلك انه يطالب بحقوق ليست له ولا تليق به ، و هي صورة نموذجية للعدو الذي يجب مقاومته او قتله او نفيه ، و هو عدو يجب اختلاقه او اختراعه لتظل الرؤية الغربية يقظة و نشيطة و موحدة ، و رغم تعدد اعداء الغرب الاستعماري من روس او صينين او افارقة او لاتينين الا ان العدو العربي و المسلم و الإرهابي و كاره الحضارة هو العدو المفضل لدواع ثقافية و تاريخية و جغرافية .

و السردية الإسرائيلية سردية تقوم على برنامج محكم و ينفذ بطريقة احترافية و يبدأ بشيطنة الفلسطيني و الصاق تهم الارهاب و الكراهية به و من ثم تجريمه بالكامل و نبذه محليا و دوليا الامر الذي يقود إلى ضرورة اسكاته و كتم صوته و التعتيم على روايته و لهذا تجد ان كل المنصات الرقمية تحذف المحتوى الفلسطيني و بعد كتم الصوت و التعتيم تأتي مرحلة التصفية المعنوية و الجسدية في آن معا دون أن تثير أحدا او تستدعي إدانة او شجبا .

السردية الإسرائيلية تنفذ هذا المخطط بطريقة بالغة الذكاء و بالغة الدهاء و تعطي نفسها العذر الأخلاقي للتخلي عن كل قيم الحرية و الكرامة الإنسانية و حقوق الإنسان من منطلق ان الديمقراطية تدافع عن نفسها و تحمي منجزاتها ، و بالتالي تتحول السردية الإسرائيلية رغم فظاعتها و كذبها إلى حامية للانسانية كلها و هو ما يدغدغ الذهنية الاوروبية و يريحها و يخلصها من عذاب ضميرها ان كان هناك عذاب لما فعلته في القارات الخمس على الاطلاق ، السردية الإسرائيلية التي هي جزء من السردية الاستعمارية الغربية و تطوير لها تتمركز حول ذاتها و تؤله أفعالها و تعطيها ابعاد عالمية و ترى فيما تفعله ضرورة سماوية تحمل مشعل النور و التقدم، و لهذا لم يكن من المستغرب ان يركز نتنياهو على فكرة انه رسول الحضارة امام جمهور من المتوحشين ، اما غالانت و ما ادراك ما غالانت فقد قال على تخوم غزة ان المعركة هي بين أبناء النور و بين أبناء الظلام و هذه سردية سمعناها تماما لدى كل المشتعمرين الغربيين عندما قالو ان ألههم أفضل من آلهة اعدائهم .

السردية الإسرائيلية في نهاية الامر ما هي إلا دعاوى لاستمرار الاحتلال و التنكر للحقوق المشروعة و التفاف على الشرعية الدولية ، و هي مجرد فبركة يراد منها خلق مرتكزات معنوية تكفي لاستمرار القتل و المصادرة و الرعب ، و الغرب الاستعماري يقبل كل تلك الفبركات و الترهات ليس لانه يصدقها او لا يصدقها ، بل لانه شريك تماما و متورط إلى أذنيه، و لانه الاستاذ الأكبر الذي اخترع و ما يزال سردية تغتال الانسان و تغطي الظلم و الظلام و تحولهما إلى حضارة و عدل .