الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

أمريكا تُدير الحرب وما خفيَ !!!

نشر بتاريخ: 26/10/2023 ( آخر تحديث: 26/10/2023 الساعة: 08:57 )

الكاتب:

مهند أبو شمّة

منذ اعتلاء نتانياهو سِدة الحكم في دولة الكيان الصهيوني بعد الانتخابات الأخيرة والعلاقات الظاهرة مع إدارة بايدن في البيت الأبيض يسودها جفاء، حتى أن بايدن لم يدعُ نتانياهو للبيت الأبيض واكتفى بلقائه فقط على هامش اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة ، ولطالما عبرّت إدارة بايدن علناً عن عدم رضاها عن سياسات إسرائيل، وعن تشكيلة حكومتها. وفي الوقت ذاته، تجند كل إمكانياتها لفتح قنوات تطبيع جديدة وهامة للكيان الصهيوني؛ كان آخرها ما كشفت عنه محاولات ملف التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

في السابع من أكتوبر لم يستوعب الكيان الصهيوني الضربة المفاجئة من الجناح لعسكري لحركة حماس، وهي ضربة كانت له بمثابة صدمة لم يستفق منها، ولم يكن أمام الكيان الصهيوني برئاسة نتانياهو إلا اللجوء للولايات المتحدة الأمريكية للاستنجاد بها، وهو ما وفّر فرصة أولى لأمريكا للتدخل في إدارة الحرب بتقديمها كافة اشكال الدعم الأمريكي والدولي لإسرائيل، ولم يكن ذلك مجاناً، إذ كان الثمن تولي أمريكا إدارة دفة الحرب على قطاع غزة وأداتها في ذلك ألة الحرب الصهيونية ، فأمريكا تاريخياً لم تلجأ للتدخل العلني في مجريات الحروب السابقة التي خاضها الكيان الصهيوني كما هو الحال اليوم.

يستنتج المتتبع للسلوك الأمريكي في هذه الحرب مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بتفاصيل مجرياتها بما في ذلك حرصها على عدم توسع مساحة الحرب، وتعزيز الوجود الأمريكي من بوارج وحراك عسكري في الشرق الأوسط.

ويترافق ذلك؛ مع غياب الدور الروسي للانشغال بالحرب على أوكرانيا، ما وفّر فرصة ثانية للدولة الأمريكية العميقة بالهيمنة المطلقة على المنطقة بما فيها التدخل في مجريات الحرب وإدارة دفتها وتوجيه الكيان الصهيوني، لدرجة أن الأمر وصل حدّ حضور الساسة الأمريكيين بمستوياتهم السياسية والأمنية والعسكرية الرفيعة وتقاطر الساسة من الحلف الاوروبي للتضامن مع الكيان الصهيوني من جهة ، والمشاركة في مجالس الحرب الإسرائيلية من جهة أُخرى وهو ما يُغضب جنرالات وقادة الحرب الإسرائيلية ، فنتانياهو اليوم في أضعف الأوضاع ولا ملجأ له من المساءلة والمحاسبة الداخلية سوى أمريكا. وهنا تكمن فرصة أُخرى للهيمنة الأمريكية، فالمتتبع للمواقف والتصريحات الأمريكية وتدخلها في مسار تدفق المساعدات الإنسانية، وتقديمها النصح للكيان الصهيوني بعدم خوض الحرب البرية، وتشكيكهم بمدى استعداد الجيش الصهيوني لخوض الحرب، ووصول الأمر درجة التدخل الأمريكي في توجيه الضربات نحو قطاع غزة والمشاركة في غرفة عمليات الحرب، ووصول الأمر ببايدن إلى أن يُصرح بأن الأمر لم يحن بعد لوقف اطلاق النار؛ كلها معطيات تُظهر مدى التدخل المقصود للإدارة الامريكية في إدارة الحرب على قطاع غزة.

كما أن لعب الإدارة الأمريكية دوراً رئيساً في إدارة ملف الرهائن بتنسيق كامل مع قطر و مصر بعيداً عن الإسرائيليين، يُظهر ضعف آخر لنتانياهو وإسرائيل في إدارة هذا الملف، وهنا أيضاً فرصة للولايات المتحدة الأمريكية.

والسؤال الأهم هنا: هل كانت استجابة الاستخبارات الأمريكية لعملية "طوفان الأقصى" أسرع من الكيان الصهيوني ؟ واستعدت للتعامل معها ومع ما بعدها؟؟ .

تحليلي لطريقة تعامل الأمريكيين مع هذه الحرب يجعلني أخلص لنتيجة مفادها أن الدولة العميقة الأمريكية استثمرت العملية الكبيرة التي حدثت، والتي كان عنصر المفاجأة فيها سيد الموقف وشكل ارباكاً للكيان الصهيوني وأظهر عجزها ، ليجد الأمريكييون في ذلك فرصة لاستثمارها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وإدارة الحرب بنفسهم حتى وإن كان ذلك على حساب شلال الدم الفلسطيني والتدمير المُمنهج،.

في قادم الأيام؛ ربما نجد تراجعاً في لغة الساسة الأمريكيين تجاه الحرب، بحيث تقوم على التوجه نحو دبلوماسية تبدأ بتبريد الجبهات تدريجياً وقد يرافق ذلك توريط دولة الكيان في توغل بري محدود حفظاً لماء وجه جيشهم ومن ثم ترويضهم تحت شعار تحقيق الحرب لأهدافها، يتبعها وقف للحرب ضمن قواعد مشروطة من الولايات المتحدة ومن خلال قطر ومصر ، ومن ثم الدعوة لمؤتمر دولي لإعمار غزة وتشغيل للأيدي العاملة في عملية الإعمار في القطاع ، وبعدها يتم تغيير شكل حكومة الكيان الصهيوني بعد الفشل الذريع لنتانياهو وتحالفه الصهيوني اليميني المتطرف ليتم الدخول في عملية سياسية تقوم على تقاسم المصالح الاقتصادية والسياسية مع استبعاد لأي دور رئيسي لروسيا، ويرافق ذلك تعزيز للدور السعودي في المنطقة؛ ليكون ذلك كله؛ عملية سياسية شاملة تدخل فيها كل الأطراف بشكل مباشر أهمها توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية ينتج عنها تحسين الواقع المعيشي للفلسطينيين، دون أي تقدم في ملف تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

فالدولة الأمريكية العميقة ليس لها همٌ سوى تحقيق المصالح الأمريكية العليا وبسط الهيمنة على العالم من خلال دعم التوترات أينما سنحت الفرصة بذلك واستثمارها لمصالحها، فأركان الدولة الأمريكية العميقة لا يغادرون بمغادرة الحكومات المنتخبة، والبرامج الاستراتيجية العميقة للدولة الأمريكية لا ترتبط بسياسات وبرامج الحزب الحاكم المنتخب، وهنا نلحظ السلوك المتناقض أحياناً في الظاهر من سياسات ومواقف الساسة في البيت الأبيض، فمن يعتلي دفة الحكم في الولايات المتحدة جمهورياً كان أم ديموقراطياً لن يكون إلا خادماً لأهداف الدولة الأمريكية العميقة، واستراتيجياتها، وسياساتها.

فنهاية الحرب لن تكون إلا بأمرٍ من البيت الأبيض حين تنضج أجواء تطبيق خطة تغيير المشهد في المنطقة؛ خدمة لغريزة الهيمنة الأمريكية، فأمريكا الظاهرة ليست هي أمريكا العميقة.

عدا ذلك وخارج نطاقه؛ قد تتدحرج الأمور وتخرج عن المألوف ليدخل العالم في حرب إقليمية موسعة؛ قد تزداد رقعتها لتكون الحرب العالمية الثالثة !!!.

وكما يقولون: إن غداً لناظره لقريب، وربما لن تطول فترة الانتظار، فالأمور وإن بدت غير سريعة إلا أنها متدحرجة.