الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

تطوير المواقف العربية لحماية الشعب الفلسطيني

نشر بتاريخ: 26/10/2023 ( آخر تحديث: 26/10/2023 الساعة: 10:12 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

بوقاحة منقطعة النظير , فان فكرة تهجير الشعب الفلسطيني اصبحت رؤية متكاملة و ناضجة , و يطرحها الغرب الاستعماري بشكل علني و يطلب من الاخوة العرب ان يتعاملوا معها و ان يطبقوها , بالاغراء او بالتهديد او بكليهما .

و الفكرة تقول ببساطة انه يمكن توزيع الشعب الفلسطيني على العديد من بلدان الطوق او غيرها من البلاد العربية او حتى الاوروبية, و بذلك تنتهي القضية الفلسطينية و يوضع حد للصراع على اعتبار ان احد طرفي هذا الصراع قد تم نفيه من المشهد و تم شطبه من سجل شعوب الارض الحية .

هكذا هي الفكرة ببساطة, و الاكثر خطورة , انه يمكن تطبيق هذه الفكرة بالحرب او بالتهدئة , اي ان ما بعد الحرب قد يكون اخطر , و ذلك من خلال تسهيل السفر و اغراءات الاقامة بالغربة , هذه الفكرة الاستعمارية التي ترى ان الشعوب يمكن قلعها او طردها او قتلها لانها ليست بيضاء و ليست اوروبية ولا تقدر سنفونيات موزارت ولا تقرا فلسفة هوسرين .

هذه الوقاحة و هذا الصلف , قابلته بعض الدول العربية بالكثير من الحسم و الحزم و القول بان التهجير القصري للشعب الفلسطيني قد يواجه برد عسكري , و هو ما جعل هذه الفكرة تتراجع الى حين , ولكن ذلك يكشف كثيرا من الامور , نلخصها بما يلي :

اولا : ان النظام العربي تاخر كثيرا في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي , اما عجزا او قلة وعي او تواطؤ او كل ذلك مجتمعا او متفرقا , و بعد 74 عاما من غياب الحل فان انفجار الاوضاع الان يعني ان اسرائيل و من يدعمها يريدون اجبار الدول العربية على تحمل اعباء الاحتلال و المشاركة في حل الصراع على حساب تلك الدول و شعوبها .

ثانيا : ان سرائيل التي افرغت كل القرارات و المبادرات للتسوية من مضمونها , وجدت ان الطريق الاقصر لحل هذا الصراع هو من خلال الحلول العسكرية و تهجير الشعب الفلسطيني من جديد , ربما للحصول على سنين اخرى من الهدوء و الاستقرار , و يبدو ان اسرائيل وجدت ان الظرف مناسب جدا لفرض التسوية ليس على الفلسطينيين فحسب بل على الانظمة العربية , لضعفها او حاجتها للمساعدة و الحماية و الرضى الامريكي .

ثالثا : ان الدول العربية التي وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن مصالحها و سلامها الداخلي و مستقبل علاقاتها مع الغرب و الاقليم , اكتشفت ان عليها مجابهت اسرائيل مهما كان الثمن , فالمطلوب ليس تجريم الفلسطيني و تحميله شرور الاقليم , و لكن المطلوب ان يشارك العالم العربي بشطب الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يطالب به بالتطبيع مع اسرائيل , و في ذلك مفارقة لا يمكن لعاقل ان يقبلها مهما كان معتدلا او مهادنا .

رابعا : اسرائيل التي تستغل الدعم الغربي لها تحاول بسرعة ان تفرض شكل التسوية ليس في غزة فقط بل في الضفة ايضا و ذلك من خلال الهجوم الاستباقي من خلال الحواجزالتي زادت على 700 حاجز و عمليات الاقتحام الليلي للمخيمات و المدن وعمليات الاعتقال الواسعة و كذلك من خلال استفزازات المستوطنين , و في ذلك محاولة من اسرائيل لخلق نموذج مصغر لما ستكون عليه الاوضاع .

خامسا: الحرب الدائرة الان على قطاع غزة , تنذر حقا بان تتحول الى حربا اوسع , تهدد مصالح الغرب و تضع احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية على الاجندة العالمية , و هو ما يدفع الفلسطينيين اينما كانوا الى ان يوحدوا الخطاب و الاداء , فالصبر دائما ما يقود الى نتائج ايجابية قد تغير من سواد المشهد و قتامته و تحيله الى واقع اخر تماما .

سادسا : هل يمكن للدول العربية ان تطور موقفها الحازم و الحاسم ضد التهجير القصري ؟! نعم تستطيع , فلديها ما يمكن ان تخاطب به العالم الغربي الداعم لاسرائيل , لديها الثروات و الممرات , و لديها الاتفاقت و السفارات , و لديها شعوب معطاءة يمكن ان تتقاسم معها الهم و التحدي , بحيث تتحول تلك الشعوب الى مصدر قوة و ليس الى مصدر شغب او تهديد , الشعوب كنز و ثروة و يمكن ان يتحملوا كثيرا من المسئوليات, و في ذلك تطوير للمواقف و تصعيد للمطالب و تحقيق لها, بدءا من وقف القصف و مرورا بادخال المساعدات الى فرض تسوية حقيقة و حماية للشعب الفلسطيني و ثرواته و مقدراته .

سابعا : برايي فان تطوير المواقف العربية باتجاه حماية الشعب الفلسطيني من خلال تسوية مقبلولة على الجميع يحمي تلك الدول من زعزعة امنية و سياسية اخرى في المنطقة كلها و ربما تؤثر على حدودها ايضا .

الحرب هذه المرة ليست على الشعب الفلسطيني فقط , و على الجميع ان يدرك و يعي مسئولياته قبل ان تفرض عليه .