الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

طوفان الأقصى: سيناريوهات الحرب وتداعياتها

نشر بتاريخ: 29/10/2023 ( آخر تحديث: 29/10/2023 الساعة: 14:59 )

الكاتب: هديل ياسين

عملية طوفان الأقصى تُعتبر الحدث الأكبر الذي قَلقًلَ قوة إسرائيل، وهي ستنجم عنها تداعيات طويلة الأمد على مستوى السياسة والأمن. وبذلك ان حكومة الطوارئ وأي حكومة لن تتوقف عن الحرب والإنتقام حتى تحقق إنتصاراً واضحاً أو تواجه خطراً كبيراً من الهزيمة. هذا الإنتصار لن يكون ممكناً إلا بإلحاق ضربة قوية بحركة حماس على مستوى هياكلها العسكرية والتنظيمية والقيادية. وبناءً على تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خاصة بعد إقرار الكنيست قانون الحرب، يُسعى إلى القضاء على حماس وتصفيتها.

يمكن أن يقول البعض ان تكاليف حرب برية في قطاع غزة، والقلق على حياة الأسرى والأسرى الإسرائيليين، قد تكون عوائق أمام بدء هذه الحرب. ولكن يمكن الرد على ذلك بالقول إن وقف الحرب دون تحقيق نصر واضح قد يكون له تداعيات سلبية أكبر على إسرائيل، حيث ستتعرض للإهانة والهزيمة دون تحقيق أهداف تعويضية تناسب الجهد المبذول. وهذا قد يشجع حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى حزب الله وسوريا وإيران وغيرهم، على شن هجمات مماثلة، مما يضع علامات إستفهام على مستقبل إسرائيل.

إن حجم الخسائر المتوقعة في حالة حرب برية قد يؤجل هذه الحرب، ولكنه لا يمكن أن يلغيها. ومن الممكن أن تضطر القوات الإسرائيلية إلى تنفيذ سياسة الأرض المحروقة وتدمير أجزاء من قطاع غزة، مما يجعلها منطقة غير صالحة للعيش، بجانب إستمرار القصف الدموي والإبادة والحصار الشامل"كما هو عاى أرض الواقع" هذه السياسة تُمكن إسرائيل من عزل المقاومة عن الشعب ودفعها إلى التحول ضدها، وتشجيع السكان على الإنتقال إلى مناطق آمنة في سيناء لضمان الحصول على الإحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء والدواء "مرفوض وجدانياً".

إن الحكومة الإسرائيلية تواجه حالياً تحديات معقدة وخيارين صعبين تضطر للنظر فيهما. الخيار الأول يتعلق بضرورة إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، ولكن يعتبر هذا الخيار أمراً غير ممكناً نظراً لتعقيدات الوضع الراهن وصعوبة التوصل إلى تسوية سريعة. وإذا إستمرت الحرب لفترة أطول، فإنها ستؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة وسيتلاشى الدعم الدولي والسياسي لإسرائيل بسرعة.

للحكومة الإسرائيلية خيارين صعبين، فإما أن تحقق النصر بأسرع وقت ممكن - الأمر الذي ليس سهلاً - أو أن تواجه حرباً طويلة تسبب خسائر بشرية هائلة وتضر بالإقتصاد الإسرائيلي والإقتصاد العالمي. وهناك بعض العوامل التي تمنع حدوث حرب برية في الوقت الحالي.

الحالة الأولى: إذا قررت المقاومة في قطاع غزة الإستسلام والإمتثال لشروط العدو، ووقفت الهجمات بوقف إطلاق الصواريخ وأطلقت سراح الأسرى، يمكن أن يكون هذا سبباً لوقف الحرب البرية. ومع ذلك، تبقى هذه الحالة غير محتملة للعديد من الأسباب، بما في ذلك تصميم المقاومة على مواصلة جهودها وإستمرار الصراع.

الحالة الثانية: إذا نجحت الضربات الجوية الإسرائيلية في تكبيد خسائر كبيرة في قيادات المقاومة وبنيتها ونظامها، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع المقاومة على الصعيدين السياسي والعسكري. ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون هذه الحالة واقعية في ظل تحديات العمليات الخاصة وقدرة المقاومة على التكيف والتجديد.

الحالة الثالثة: إذا إتسعت الحرب الحالية في قطاع غزة لتشمل الجبهة الشمالية مع حزب الله وأطراف أخرى، فسيكون لدينا تصاعد للصراع على نطاق إقليمي يمكن أن يكون له تداعيات وخيمة. ومن غير المرجح أن يرغب أي من الأطراف في هذا الصراع في التصاعد إلى حرب إقليمية تكلفها الخسائر البشرية والإقتصادية الهائلة.

إذاً ننظر إلى سيناريو فتح الجبهة الشمالية، ويبدو أن هناك تصاعداً في التوترات في المنطقة، وقد يتم ذلك بسبب الأحداث الحالية في غزة والتصعيد الذي شهدناه هناك. قد يكون لفتح الجبهة الشمالية تأثير كبير على التوترات في المنطقة بشكل عام.

إذا أقدمت إسرائيل على هجوم واسع النطاق على لبنان وشنت حرباً ضد حزب الله، فإن ذلك سيكون له تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها. وقد تنجح هذه الخطوة في وقف الحرب على قطاع غزة لأن الإهتمام الإسرائيلي سينصب على الجبهة الشمالية. ومع ذلك، ستكون هناك عواقب جسيمة لهذا الصراع على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، وقد يتسبب في تصاعد التوترات في المنطقة بشكل عام.

من غير الممكن التنبؤ بشكل دقيق كيف سيتصرف كل طرف في هذا السيناريو، ولكن يجب مراعاة أن أي تصعيد إقليمي سيكون له تأثيرات كبيرة على السياسات والعمليات في المنطقة بأسرها. وتجنب التصاعد والبحث عن حلول دبلوماسية يبقى الخيار الأفضل لتجنب الخسائر البشرية والإقتصادية الهائلة.

في الوقت الحالي، يجب على جميع الفلسطينيين أن يدركوا أن ما يجري ليس مجرد نزاع بين حماس وإسرائيل، بل هو جزء من صراع أوسع يشمل فلسطين والعالم العربي والإسلامي والعالم بأسره. وإنه صراع فلسطيني عربي إسلامي مسيحي إنساني عالمي يهدف إلى تحقيق الحلم بالحرية والعودة والإستقلال الوطني، أو على الأقل يجب أن يكون بداية لتحقيق هذه الأهداف. كما يهدف هذا الصراع إلى تشكيل خريطة جديدة للمنطقة في سياق تغييرات العالم الجديد الذي نعيشه حالياً.

لقد تلقت إسرائيل هزيمة كبيرة في عملية طوفان الأقصى والآن تسعى إلى تحويل هذه الهزيمة إلى نصر. لذلك تسعى إلى الحصول على دعم من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية والغربية بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون مع حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي تم تشكيلها للتصدي لهذه الهزيمة.

في هذا السياق، تستخدم إسرائيل إستراتيجيات عسكرية قاسية تشمل شن حرب إبادة جماعية وتدمير مجتمعات وهياكل حياة الفلسطينيين. وذلك من خلال تدمير المستشفيات والمدارس وتستخدم اًيضاً حصاراً اقتصادياً واجتماعياً شاملًا ومحاولات تطهير عرقي.

من المهم أن يدرك الفلسطينيون أن هذا الصراع لا يتعلق فقط بمعركة بين مجموعة معينة من المقاومة وإسرائيل. إنه صراع يشمل الجميع ويجب على الفلسطينيين أن يعملوا معاً على تحقيق الأهداف الوطنية والإنسانية والتضامن معهم في محاربة الظلم والاستبداد.

تتراوح السيناريوهات الممكنة والمحتملة ما بين حدوث هزيمة فلسطينية، من أبرز معالمها ضرب المقاومة ضربة قاصمة وحدوث نكبة فلسطينية جديدة من خلال التهجير، أو نصر فلسطيني يتجلى في نهوض فلسطيني شامل، أو تنتهي الحرب من دون نصر أو هزيمة؛ حيث يدعي كل طرف أنه انتصر، وأن الطرف الآخر لم يحقق أهدافه.


السيناريو الأول: نجاح فلسطيني مع نهوض شامل: في هذا السيناريو، يتمكن الفلسطينيون من تحقيق نجاح مع تحركات شاملة لتعزيز حقوقهم. ويمكن أن يشمل ذلك إتفاقات دولية ودعم دولي للقضية الفلسطينية. قد يؤدي هذا إلى إحداث تغييرات جوهرية في واقع الفلسطينيين.

السيناريو الثاني: هزيمة فلسطينية ونكبة جديدة: في هذا السيناريو، تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها وتضعف المقاومة الفلسطينية بشكل كبير. وقد يؤدي ذلك إلى تصاعد التهجير والمعاناة الإنسانية للفلسطينيين وفقدان الأمل في تحقيق الحرية والعودة.

السيناريو الثالث: نهاية الحرب دون إنتصار أو هزيمة: في هذا السيناريو، تنتهي الحرب دون تحقيق أي من الأطراف لهزيمة مطلقة أو نصر واضح. ويستمر النزاع وتستمر التوترات على الأرض من دون حل نهائي. وكل طرف قد يدعي أنه تمكن من الصمود وتحقيق أهدافه.

إن عملية طوفان الأقصى قد أثبتت أهمية قضية فلسطين وعرضت الصعوبات والتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني.

أولًا: العملية أكدت استمرار القضية الفلسطينية في التصدر، وأن الفلسطينيين لا يمكن تجاهلهم في أي تسوية مستقبلية. وإستحقاق الحرية والعودة والإستقلال لا يمكن تجاهله ولا تجاوزه.

ثانيًا: القيادة الإسرائيلية قد تواجه تقييماً صارماً لأداءها خلال العملية، وهذا قد يؤدي إلى تغييرات في المشهد الإسرائيلي، وربما تبديل القيادة أو تحقيق أكبر في مجال الإستقرار والأمان.

ثالثًا: التحديات التي واجهت القيادة الفلسطينية تستدعي مناقشة دورها والضرورة الدائمة للوحدة والإستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني.

رابعًا: حركة حماس تواجه مسؤوليات جديدة وتحديات كبيرة. من خلال تحقيق الوحدة وتقديم مشروع واضح يمكن أن يكون أساساً لتحقيق الأهداف الوطنية.

نجد أن عملية "طوفان الأقصى" لها تأثير عميق على القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها. حيث تجلى فيها إرادة الشعب الفلسطيني وإستعداده للتضحية من أجل حقوقه وحريته. كما تسلط الضوء على أهمية تحقيق الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية وبناء مشروع سياسي واضح للقضية الفلسطينية.

على الصعيدين الوطني والدولي، يتعين على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته في حماية حقوق الإنسان والعمل نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة. وعلى القيادات الإسرائيلية والفلسطينية أن تعيد تقييم أدائها والعمل نحو تحقيق حل سلمي يلبي طموحات الشعب الفلسطيني فقط.

إن قضية فلسطين لن تختفي، ولن تتلاشى. إنها واحدة من أهم القضايا في العالم والتي تستحق كل الإهتمام والدعم. وتجمع فلسطين بين العقلانية والعاطفة، بين الحقوق والكرامة، ولن تتوقف المعركة من أجلها حتى يتحقق الحل الذي يستند إلى العدالة والمساواة.