الإثنين: 23/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

مرض اسرائيل دواءه الحرب

نشر بتاريخ: 01/11/2023 ( آخر تحديث: 01/11/2023 الساعة: 09:14 )

الكاتب: مصطفى عبدالهادي

لا شك أن تأصيل النضال يُشكل الأساس الذي تبنى عليه المواقف ، وهو الأمر الذي يبعث بالروح كل اسباب العزة والكرامة والتحفز للإنقضاض على واقع الهزيمة المُغلف بمسمياتٍ كثيرة ، ولا ضير أن نُحلق بآمالنا وتمنياتنا الى ما فوق الأنتصار والتحرر وفقاً لما رَكزَ بالذاكرة من معجزات السابع من اكتوبر . إن الواقع غير المخلوط بالوهم يتطلب قراءة متأنية للخارطة الماثلة أمامنا بكل عِفةٍ وطهارة، إذ أن واقعنا لا يَحتمل المُغامرة ، فها هي جيوش الغرب ببوارجها وحاملات طائراتها تقودهم الدولة العسكرية الأقوى في العالم قد احتشدت من كل صوب على شواطئ فلسطين ، وها هو حالُ الخضوع والخنوع إن لم يكن التآمر عنوانُ ضعف الأمة بِشِقها الرسمي واضحاً جلياً .
إن السؤال الذي يقفز للواجهة دون تاخير أو تأجيل هو : لماذا كُل هذه الحشود العسكرية وهذا الحضور الأممي وهذا التصلب في دعم دولة الإحتلال .. هل هو استعراضٌ للقوة ؟ أم هو من اجل الأنتصارِ على غزة فقط !!
أم أن في الأمر ما فيه !!!

أجزم أن الأمر يتجاوز غزة الى ما بعدها وما بعد ما بعدها ..
انه الشرق الأوسط الجديد ، انه سايكس بيكو جديد ، كان السابع من اكتوبر مفتاحه ومحركه أو مُسرعه، فإن عُلقت غزة على المقصلة فذاك جزء من المخطط الذي يُنفذ بإصرارٍ لا تراجع فيه حتى يُنفذ التهجير الخارجي أو الداخلي لا فرق ، المهم افراغ غزه أو شمالها من السكان ودفعهم بالنهاية للخروج طوعاً بحثاً عن الأمل بحياة أفضل من تلك التي اصبحت موتاً زُعاف . هذا تبسيطاً لملف غزة، فإن تعديناه الى الضفة الغربية فإن الأمر أيضاً خطير بل اكاد أجزم أنه اخطر بكثير ، ذاك أننا لا نملك من التجهيزات ما يمكننا من صد هجومٍ عسكري إن حصل ، فجغرافيا الضفة الغربية تختلف تماماً عن قطاع غزة ، حيث لا بوجد هناك استيطان ومستوطنات وأرضُ الضفةِ جبلية صخرية يصعب فيها حفرُ الانفاق ، وقراها مترامية على السفوح والجبال ولا تواصل جغرافي فيما بينها أو ما بينها وبين المدن الكبيرة .. إننا في قلب الحدث ، إما أن نتجاوز المخطط ونثبت على ارضنا ، أو نتحول الى قضية إنسانية كما يحصل الآن مع شعبنا في غزة ، والفارق بين الأمرين هو استخدام العقل والحكمة بدلاً من العاطفة والشعار .
لا شك أن لأصحاب مشروع دولة الإحتلال حساباتٌ يُمكن التكهُنَ بها ، ذاك أن مشروعهم "دولة اسرائيل" مريض بثلاثة أمراضٍ باتت مُزمنة

أولاها : صعود التطرف الديني الذي بات يُسيطر على مفاصل الدولة ويأخذها بعيداً لِحلم اسرائيل الكبرى واسرائيل العظمى

وثانيها : خطر وجود الحركات الجهادية المدعومة من ايران على حدودها .

وثالثها : خطر النمو الديمغرافي العربي داخل حدود الدولة .

ولك أن تتصور السيناريوهات التي تم اعدادها من قبل مراكز الأبحاث الدولية والمؤسسات الصهيونية العالمية ورئاسات اركان الجيوش الغربية لإيجاد الحلول الشافية لأمراِض تلك الدولة المريضة حتى اليأس . فلا حلول سوى بالحرب ، ولك أن تبدأ من مشهد عمليات الإبادة المستمره لشعبنا منذ اسابيع في قطاع غزة بكل ما فيها من بشاعة وقسوة . ومن ثُم لك أن تنعطف على الضفة الغربية التي لا عائق يمنعهم من تكرار المشهد فيها إن أوجدوا المبرر أو اخترعوه وضخموه . ولنا في الصفة تجربة مريرة .. ففي شباط 2002 اجتاحت اسرائيل الضفة الغربية بكل ما فيها من ثوره وانتفاضة ومقاتلين وقيادة وعلى رأسها الشهيد الخالد ابو عمار وبكل ما فيها من بنادق ومن رصاص ، فماذا كان الحال ؟؟؟.
اعادة احتلالٍ للضفة انتهى بحصار مقر الرئيس ابو عمار واغتياله بالسم .

ليس ضعفاً أن تقول الحكمة في زمنٍ طغت فيه العاطفة، واصبح الشعارُ عنوانٌ يقودنا الى المذبح كأننا بلا وعي . وكي يكون واضحاً فإن النضال السياسي في حالنا لا يقل أهمية وقوة عن النضال العسكري ، فإذا اقترن بالمقاومة الشعبية نكونُ قد حَصَّنا انفسنا ، ذاك أن انجاز الأتفاقات الدولية والحصول على صفة دولة مراقب تلزم المؤسسات الدولية بكبح جماح هذا المخطط وتَلجمُ الشهوة الإسرائيلية للقتل وللقصف والتدمير وتمنعُ التهجير ، شرط أن نتمسك بما انجزناه على الصعيد السياسي وأن نُعزز وحدة الموقف على الأرض بين الكل الفلسطيني متجاوزين الخلافات مبتعدين عن شعارات المزاودة والعربدة والتخوين التي لا تفضي إلا الى الضعف والهزل، وعليه فإن قوتنا تكون في وحدة حالنا وتعزيز قدرتنا الجمعية وترك خطاب التشهير والتخوين وتفريغ الشحنات الوطنية بغير مكانها ، فلا المُشَهِرِ ولا المُشَهرَ به بقادرٍ على مواجهة المخطط التصفوي إلا بالحكمة وبالوحدة . إن التجارب تُعلمنا أن المواقف الكبيره يتصدى لها الرجال أصحاب الهمم العالية والعقول الكبيرة فهي اوقات الحكمة لا العاطفة . وقد قالها الحُكماءُ قديماً إن الحَقَّ هو الأكثرية حتى وإن كان اصحابه قِلة .