الإثنين: 23/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدول اللاتينية الثلاثة التي لم تصدق الكذبة

نشر بتاريخ: 02/11/2023 ( آخر تحديث: 02/11/2023 الساعة: 11:19 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

ثلاث دول في اميريكا اللاتينية اقدمت على مواقف لافتة جدا ,اذ اعلنت دولة بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل احتجاجا على حربها المتواصلة على غزة , فيما استدعت كل من تشيلي و كولومبيا سفيريهما من اسرائيل احتجاجا على حربها المتواصلة على قطاع غزة , و نددت الدول الثلاثة بالهجمات الاسرائيلية و ادانت مقتل المواطنين الفلسطينيين .

و حسب وزارة الخارجية البوليفية في العاصمة لابازا فان هذه الخطوة تاتي بسبب ارتكاب جرائم ضد الانسانية في الهجمات على قطاع غزة .

و في مؤتمر صحفي قال نائب وزير الخارجية البوليفي ,فريدي ماماني , ان حكومة بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل رفضا و ادانة للهجوم العدواني و غير المتكافىء على قطاع غزة .

يذكر ان هذه ليست المرة الاولى التي تقطع فيها بوليفيا علاقاتها مع اسرائيل , فقد قامت بذات الخطوة سنة 2009 , و لم تعد العلاقات بين الطرفين الا بتولي اليمين دفة الحكم في بوليفيا و ذلك سنة 2020.

هذا الخبر ليس عاديا في هذه الظروف , و يجب ان لا يمر هكذا دون التفات , فهو خبر صادم و محرج و فيه الكثير من الدلالات .

فما الذي يدفع ثلاث دول بعيدة عنا جدا ان تقرر ان تدين الهجوم الاسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة , فلا علاقة تاريخية او دينية او جغرافية او حتى مصلحية , ولا علاقات جوار ولا علاقات مصاهرة ولا علاقات ثقافية او تجارية , ما الذي يدفع هذه الدول الى ان تعلن انها تقطع علاقاتها مع اسرائيل احتراما للقانون الدولي .

في حين ان هناك جهات دولية كبيرة تعمل ماكينات غسيل للكذب القانوني و الدبلوماسي و تدعي ان هناك احتراما و تنفيذا للقانون الدولي الانساني في قطاع غزة .

ما الذي يدفع هذه البلدان الصغيرة التي تعاني ما تعاني من ازمات سياسية و اقتصادية و امنية الى ان تصطف في الجانب المشرق من التاريخ في حين ان دولا عظمى تكذب ببساطة و تنافق بوقاحة و تتحدث بلغتين و لسانين مختلفين .

لماذا كان على هذه الدول الصغيرة الثلاث ان تحترم دماءنا و تقدرها و تعتبرها دماء تستحق في حين لم يفعل مثلها القريب و البعيد و القوي و الضعيف و ما بينها .

هذه الدول الصغيرة و الفقيرة الثلاثة يعلن للعالم المتمدن و المتحضر الكاذب و المنافق و الشريك في الحرب على فلسطين ان العالم ليس ملكهم حتى لو امتلكوا كل منصات و ماكينات صناعة الكذب و السرديات المضللة و حاملات الطائرات التي ترسم الحدود و تقيم الانظمة او تقعدها.

و لكن لماذا نلوم او نعاتب من كان مسئولا عن نكبتنا الاولى و ما بعدها ,لماذا نطلب ممن يصنع ازمتنا ان يحلها , اليس هذا عيبا كبيرا بحقنا , ان ننتظر الحلول ممن يخلق و يغذي ازماتنا و كوارثنا .

لماذا نلوم هؤلاء و نقارن افعالهم بافعال دول صغيرة و فقيرة تفهم معنى الانسانية و تقدرها ؟؟لماذا لا نسال السؤال الاكثر اهمية و ايلاما و احراجا ؟؟

لماذا لا يقوم اخوتنا و شركاؤنا في الضرر و الالم و اللغة و التاريخ و الدم , بما قامت به تلك الدول الثلاثة البعيدة وراء البحار .

لماذا هذه المرة يتم فقدان الاتجاه , و يتم التعبير عن العجز , ويتم الاستسلام للهجمة الامريكية الاوروبية .

ان استصدار قرار في الجمعية العمومية للامم المتحدة مهم و ضروري , لانه تعبير عن راي العالم و اتجاهه , و لكن ذلك لا يكفي على الاطلاق في الوقت الذي يتم فيه منح اسرائيل كل ما تريد من وقت و تغطية و حماية .

انا شخصيا , لن اتنازل عن محيطي و جداري و جذوري , ولن اكل او امل عن ايماني بان اخوتي العرب هم ايضا امل و مستقبل , و على الرغم مما قد تثير المقارنة بين مواقف الدول اللاتينية الثلاثة و مواقف اخوتنا من حزن و خيبة امل , الا ان الوقت لم ينقض بعد , ولا بد للصبر و الصمود الفلسطيني الا ان يثمر عنبا و تينا في الصحراء العربية .