الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

المطلوب وقف الحرب على غزة وليس الحديث عمن سيحكمها

نشر بتاريخ: 12/11/2023 ( آخر تحديث: 12/11/2023 الساعة: 13:56 )

الكاتب: د.محمود الفروخ

جرى الحديث مؤخرا من قبل عدة أطراف لاسيما من الادارة الاميركية عن مرحلة مابعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بطريقة مثيرة للريبة، حيث تم تداول هذه المخططات والأفكار والمقترحات في لقاءات جمعت وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن خلال جولته الأخيرة للمنطقة مع ساسة اسرائيلين وفلسطينيين وعرب وغربيين في إشارة إلى أن هذا العدوان ورغم ظاهره الأمني والعسكري الان أن باطنه سياسي خبيث أيضا يرمي إلى كشف حقيقة ما يحاك ضد غزة من العالم أجمع وهو التخلص ليس فقط من المقاومة الفلسطينية وأسلحتها وإنما التخلص كذلك من النظام السياسي وسيطرة "حماس" والحاضنة الشعبية لها في القطاع وجلب نظام أو سلطة أو قوات تتبع لارادة وهيمنة إسرائيل أمنيا وسياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا لها مستقبلا مع استبعاد أن تقوم إسرائيل نفسها بحكم غزة لأن ذلك سيرهقها أمنيا وعسكريا واستخباراتيا وبشريا وماليا خصوصا وأنها انسحبت من القطاع تحت ضربات المقاومة الفلسطينية بكافة اطرها وتشكيلاتها عام 2005 .

ولعله من المعيب ومن الوقاحة السياسية والافلاس الأخلاقي الحديث بهذا الموضوع وتداوله على العلن في ظل ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وتطهير عرقي وابادة جماعية يتعرض لها المدنيون من الأطفال والنساء والشيوخ ومن قصف همجي بالصواريخ والقنابل والفسفور الابيض تتعرض لها البيوت والمدارس والمستشفيات والمخابز والمساجد والكنائس وغيرها من الأهداف المدنية البحته ، وكان الأولى أن يتم في هذه اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات، الحديث عن وقف هذا الكرب العظيم الذي وقع على رؤوس الغزيين فورا ودون تلكؤ ودون تساوق مع مخططات الاحتلال ومباركة عملياته العسكرية التي تخلو من أي انجاز الا قتل المدنيين الأبرياء والعزل والذين ليس لهم علاقة بما حدث في عملية "طوفان الاقصى" التي وقعت في مستوطنات غلاف غزة في السابع من اكتوبر الماضي وانقاذ ما يمكن انقاذه من الناس المحاصرين و المكلومين والمصدومين من هول هذه الجرائم الاسرائيلية غير المسبوقة .

ان هذا العالم المتواطئ والعاجز والمتقاعس عن إلزام إسرائيل بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية والاغاثية من أدوية ومستلزمات طبية وأغذية ووقود ومياه وكهرباء وغيرها من المقومات الاساسية للعيش لهؤلاء المحاصرين حصارا مطبقا وجنونيا من اسرائيل منذ السابع من تشرين أول الماضي لا يحق له الحديث عن من سيحكمهم بعد انتهاء هذه الحرب الغاشمة ، وكان الأولى به أن يوقف جنون هذه الحرب وصلف هذا العدوان وأن يقوم بكبح جماح غريزة رئيس وزراء حرب حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواصلة اراقة مزيد من دم الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين في كافة أنحاء القطاع الجريح . وبدل السؤال الخبيث عمن سيحكم غزة كان السؤال الاجدى أيضا كيف سنقوم باعادة بيوت وأحلام الأطفال التي هدمتها غريزة الانتقام الإسرائيلية ؟، وكيف سنرمم النفسيات المروعة والقلوب المكسورة لمئات الالاف من الناجين والخائفين والفاقدين في غزة والتي حرمتهم آلة البطش الاحتلالية من كل ما هو جميل كان في حياتهم ؟ .

ان هذا العبث المشبوه والتآمر الواضح والاهوال التي حملتها هذه البقعة الجغرافية الصغيرة المسماة غزة والتي لايتجاوز حجمها 365 كم مربع لم تحمله اي بقعة في العالم لا ناجازاكي ولا حتى هيروشيما في الحرب العالمية الثانية ، ومع ذلك ستنهض غزة من جديد وسيكسر بحرها كافة الأمواج المتآمرة عليها من قريب وعدو وبعيد .

ولو أمعنا النظر جيدا بكل ماحدث ويحدث سواء قبل انطلاق عملية "طوفان الاقصى" الشهر الماضي أو بعدها لرأينا أن الهدف من كل هذه الأحاديث عن مرحلة ما بعد الحرب، أولا خلق فتنة داخلية فلسطينية بين السلطة برام الله من ناحية والمقاومة و"حماس" من ناحية اخرى ، وثانيا ان من شأن طرح مثل هذه السيناريوهات في هذا التوقيت الخطير هو التأثير سلبا على روح ومعنويات المقاومة ، بالاضافة الى الهدف الاكبر وهو قتل أي أمل بتوحيد شطري الوطن الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار الدولة الفلسطينية الواحدة.

ولذلك المطلوب فلسطينا وعربيا واقليما ودوليا العمل بأقصى سرعة ممكنة لوقف هذا العدوان بشكل عاجل وأن يتم فك الحصار بشكل كامل وشامل عن قطاع غزة وخاصة فتح معبر رفح المصري وعقد صفقة تبادل أسرى شاملة بين المقاومة الفلسطينية من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى من خلال وسطاء ملزمين لإسرائيل وضمانات دولية وعربية واميركية لتنفيذ هذه الصفقة ثم يصار الى البدء بحل سياسي شامل وعادل بين الفلسطينيين والاسرائيليين بضوامن دولية جديدة تكون فيها دول غير أميركا شريكة أساسية وراعية لهذا المسار مثل الصين وروسيا وتركيا ودول محورية عربية واوروبية. ويتمثل فورا بسحب إسرائيل لقواتها من غزة مباشرة والاتفاق مع الجهات المعنية على إعادة الإعمار ومن ثم يفتح مسار سياسي شامل تعترف إسرائيل من خلاله بحقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأس ذلك إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وبتوافق فلسطيني داخلي وتحديدا بين "فتح" و"حماس" ."

لقد كان موقف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن هذا الوقت غير مناسب للحديث حول من سيحكم غزة بعد الحرب والرفض المصري بالتعاطي معه كونها من الدول المعنية التي تحد غزة ووصف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن هذا الحديث او مناقشته حتى أمر مشبوه وموقف السلطة الفلسطينية برام الله ان اي حكم لغزة يجب أن يكون في إطار حل سياسي شامل يأتي في إطار ودور ومسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية كونها المسؤولة سياسيا عن جغرافيا الوطن والدولة في الضفة وغزة والقدس الشرقية والخارج ، كل ذلك يسقط كل هذه الترهات التي تفوه بها وزير الخارجية الأميركي بلينكن ورئيس مجلس الحرب نتنياهو وحلفاءهم من الدول الاستعمارية الغربية، وبالتالي لايمكن التكهن والحكم مسبقا على أن نهاية هذه الحرب ستكون لصالح إسرائيل وباعتقادي الجازم أن حماس وفصائل المقاومة في غزة ستكون لها اليد العليا فيمن سيحكم غزة بعد كل محاولات ابادتها وتدميرها ولن تقبل لا "حماس" ولا المقاومة ولا الشعب الفلسطيني بغزة ان قدر لهم الإفلات من كل هذا القتل أن يقبلوا بأن يأتي لا فلسطينيا ولا عربيا ولا اجنبيا على ظهر دبابة إسرائيلية ليحكمهم بعد كل ما قدموه من تضحيات جسام لرفض الاحتلال والحصار والظلم الذي عانوه على يد هذا الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على مدار عشرات السنين الماضية .