الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحن لم ننتصر بعد يا موزعي الحلوى!

نشر بتاريخ: 13/11/2023 ( آخر تحديث: 13/11/2023 الساعة: 14:39 )

الكاتب: ‏نادين روز علي

أحداث غزة الأخيرة، منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى اليوم، قلبت موازين عديدة، عالمياً وإقليمياً ومحلياً. وأصبح من المؤكد اليوم لدى جميع المراقبين والمحللين والسياسيين أن ما كان قبل السابع من أكتوبر لن يعود، وأن القضية الفلسطينية تأخذ منحى آخر، ربما للسلب أو الإيجاب - حسب وجهات النظر المختلفة، وطبعاً يتعلق ذلك بالنتائج النهائية للحرب. إلا أن النتائج الأولية بدأت تطفو على السطح. فجيش الاحتلال يسيطر تقريباُ على شمال غزة مع جيوب مقاومة هنا وهناك ومع غموض الوضع تحت الأرض ولا نعلم ما يجري هناك. أما غزة المدينة نفسها فما زالت تحت الكر والفر بين المقاومة والاحتلال، وهي مطوقة بدباباته من جميع الجهات. وفي جنوب غزة هناك مأساة إنسانية معقدة ضحيتها مئات الآلاف من النازحين والمنكوبين مرةً أخرى، إضافة لمآسي المستشفيات والنقص في الغذاء والماء والأدوية والكهرباء. ويبدو أن كل الأحاديث عن وقف إطلاق النار أو صفقات تبادل الأسرى ما زالت في عداد التكهنات وكذلك التسريبات المزيفة المقصودة من الجانبين، بحيث لا يستطيع أحد أن يدعي معرفة الحقيقة. عالمياً ما زالت الولايات المتحدة والدول الأوروبية جميعها تساند إسرائيل رغم اشتداد مظاهرات التأييد للشعب الفلسطيني وازدياد المطالبة الشعبية هناك بوقف الحرب. وتناور الولايات المتحدة بتصريحات و"تسريبات" هنا وهناك بأنها تطالب الجيش الاسرائيلي بعدم ضرب المدنيين إلا أنها في الوقت نفسه تسانده في مقولة "القضاء على الإرهاب" وضرورة القضاء على القدرة العسكرية والبشرية للمقاومة وعلى رأسها حماس، وتتخذ، عملياً، موقفاً مسانداً لإسرائيل مع شيك مفتوح وحاملتان للطائرات وغواصة نووية في المنطقة. أما إقليمياً فإيران تقف رسمياً موقف المتفرج بينما تحث حلفاءها في لبنان واليمن وسورية على المناوشة المحدودة والمحسوبة للظهور بمظهر الداعم للمقاومة لكنها عملياً غير مستعدة للمخاطرة في الدخول للعبة الخطيرة. أما الدول العربية فهي، كما عهدناها، تقف موقف المتفرج أيضاً وتختبئ من وراء الاستنكارات والتصريحات الكاذبة. في الداخل نرى في الضفة الغربية ترقباً حذراً في ظل اعتقالات واسعة نفذها وما زال ينفذها الاحتلال في جميع أنحاء الضفة، وعدد غير مسبوق من الشهداء نتيجة لعمليات عسكرية واسعة يقوم بها الاحتلال. ويقوم الاحتلال بتغيير طريقة علاجه للأمور في الضفة وتشديدها بحيث يتخذ إجراءات صارمة أكثر تناقض تصرفاته قبل الحرب حيث كان يتبع سياسة إعادة الهدوء والتساهل وتصاريح العمل. لكنه الآن يقوم بتصوير المتظاهرين والمشاركين بالمواجهات ويراجع الصور ويحدد الأشخاص المشاركين فيقوم باعتقالهم ويلغي تصاريح العمل لمن له تصريح ويراقب منصات التواصل الاجتماعي ويعتقل كل من "يحرض" أو حتى يكتب تعبيراً داعماً لحماس بشكل أو بآخر أو ينشر صورة أو فيديو، ويلغي تصاريحهم ويلفق لهم تهماً أخرى. وهذه السياسة اصبح الاحتلال يتبعها أيضاً ضد فلسطينيي الداخل (48) الذين اعتقل العديد منهم بسبب بوستات يمكن تفسيرها بالداعمة لحماس أو تدعو للتحريض، ومنع المظاهرات هناك وفق قوانين الطواريء. نعم يبدو أن سياسة الاحتلال تغيرت ليس فقط في غزة أو في الداخل الفسطيني وإنما في الضفة الغربية أيضاً، وخاصة من حيث الملاحقة الشخصية لكل من يشارك في المظاهرات أو المواجهات أو بوستات منصات التواصل على أنواعها. هذا يدل على فقدان الأعصاب، صحيح، ولكن يجب أن نأخذه مأخذ الجد خاصة ونحن نرى كوارث ومآسي غزة وأفواج النازحين وجثث الشهداء التي لم يتبق لها حتى القماش الأبيض ليحتضنها ولم يبق لأي تراكتور أو جرافة قطرة سولر للبحث عن شهداء آخرين تحت الأنقاض أو عن جرحى لإنقاذهم، ولا حتى سيارة إسعاف ولا حتى مستشفى. نحن في وضع مأساوي، وعلينا الاعتراف أننا في وضع مأساوي ونفكر جلياً في كيفية التعامل معه والتقليل من أضراره قدر الإمكان إلى أن يفرجها الله جل جلاله. علينا أن نأخذ على محمل الجد ما نسمعه هنا وهناك من تصريحات وخاصة في إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا توحي بالنية لتدويل قطاع غزة بعد الحرب إذا ما تمت هزيمة حماس عسكرياً، ووضع القطاع تحت الوصاية الدولية أو تحت حكومة خاضعة للدول الغربية أو الولايات المتحدة كما حدث بعد حرب العراق. هذه مسألة جدية وعلينا عدم الاستهتار بها. لذلك من الضروري أن نبين بكل وسيلة ممكنة إصرارنا على أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي السلطة الشرعية الوحيدة ، وفق اتفاقات أوسلو وباقي الاتفاقات الدولية، وهي الوحيدة المخولة بتسيير الأمور في غزة. وعلينا التشبث بحل الدولتين لأن البدائل لذلك ليست سوى الكوارث. نحن لم ننتصر، بعد، يا موزِعي الحلوى.