الخميس: 19/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقبرة الجاحظ

نشر بتاريخ: 17/11/2023 ( آخر تحديث: 17/11/2023 الساعة: 17:17 )

الكاتب:

د. عدوان نمر عدوان

هل قتلت حياتي الكتب كما قتلت الجاحظ؟

ربما هي من قتلته؛ لأنها استعبدته من المحبرة إلى المقبرة.

كنت أنظر إلى كتبي في خزانة الكتب التي تغلق واجهة كاملة، سألني أحد الجالسين وأنا أدخن النارجيلة: هل سيرحلوننا يا دكتور؟

لا لن يستطيعوا. نموت في بلادنا ولن نرحل، فكرة الترحيل أغلقت بابها الأردن ومصر، فأي ترحيل هو إعلان حرب، التهجير موجود في هلوسات العقل الصهيو..ني.

فتحت قبو نفسي فوجدته في داخلي وفي هلوساتي أيضا، لكني قلت: اكتم عليه، فانكتم.

إلا أنني سرحت في مكتبتي بعد ذلك، وساءلت نفسي كم قرأت من هذه الكتب؟ ربما تصفحت معظمها، ربما قرأت نصفها أو ثلثها.

قلت ما قيمة هذه الكتب التي أضعت عمري وأنا أطارد خلفها؟

ما قيمتها وقد حال جريض غزة دون القريض دون قول ما يفيد؟ لم يعد عندي قدرة أن أصدح أو أغرد أو أهذي أو ألغو أو أتفلسف! أربعة عشر شخصا من عائلة واحدة يبادون ويتكرر الأمر في كل ساعة حتى أنه لم يعد ثمة وقت للحزن، أخذ الموت كل شيء بما فيه الحب، بما فيه عشق سراق الوراقين للكتب.

تذكرت أحد الأصدقاء الذي قال لي: ما قيمة التعليم والكتب حتى أتوظف وفي نهاية الشهر أتقاضى راتبا أحصل عليه اليوم من عمل البناء في إسرائيل في يومين؟ راتب الموظف لا يكفيني حسنات وشوكلاته ومكسرات، فتح خزانته وقال لي: هذا العسل، وهذالحلاوة، وهذه ... وهذه....

لم يعد الأمر عندي مرتبطا بالمال ولا بالعسل والقطين، بل صار مرتبطا باللاجدوى، ما قيمة الكتب أمام حمو الموت والإبادة، هوس التهجير، سلاح واحد يدافع فيه الإنسان عن ظله أفضل من كل المكتبات، ربما علي أن أحرق كتبي أمام عيني كمجوسي أمام النار.

أسحب نفسا وأنفثه وأتابع ذلك مع دقات قلبي أو أبطأ أو أسرع قليلا.

العبث واللاجدوى واليأس وأمل أعرج في قبو، هذه هي حياتي أمام مرآة كتابي.

تجمع الدخان والسخام والغبار والهم والغم والهوس والشيطان، وجحظت عيناي، ولم أر حتى المعتزلي الساحر الدميم نفسه أمامي.