الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

في مواجهة الفظائع وتعقيدات المشهد .

نشر بتاريخ: 18/11/2023 ( آخر تحديث: 18/11/2023 الساعة: 10:41 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي


لست خبيراً أو محللاً عسكرياً لأكتب حول جانب تطور المواجهة بين الجريمة والصمود ذو المشهد المعقد على الأرض ، ولذلك فانني ساحاول أن اتناول تطور الأوضاع بتأثيراتها السياسية على شعبنا والمنطقة والصراع الجاري بالعالم حول طبيعة وشكل النظام الدولي بشكل عام .

لكن من الواضح أن جريمة الأحتلال المستمرة بحق أبناء شعبنا وتحديدا الآن في قطاع غزة والضفة ايضا ، تفوق من حيث الفترة الزمنية ومساحة الأرض والتعداد السكاني بالنسبة والتناسب وما استخدم حتى اليوم من كميات القنابل والصواريخ وما أدت له من ضحايا بالأرواح خاصة من الأطفال والرضع والخُدج أو إعداد الجرحى والمفقودين تحت الانقاض ، يفوق نتائج أي جريمة حرب قد ارتكبت بالعصر الحديث .

بالمقابل فإن حجم تأثير المقاومة الفلسطينية التي لا أعرف اعدادها ولا تفاصيل تسليحها ، قد اوقعت اعدادا كبيرة نسبيا في صفوف جيوش الأحتلال كما في معداته واَلياته التي تتصف بأحدث انواع الأسلحة والمحرم منها دوليا والمرسلة لهم من الولايات المتحدة وفق ما يُعلن عنه ،كأن شعبنا حقل تجارب لمجمعات الصناعات العسكرية الأمريكية التي تتحكم إلى حدود كبيرة بالقرار السياسي بالإدارة الأمريكية والكونغرس وتسعى إلى مزيدا من اشعال بؤر التوتر بالعالم وبيع صناعتها.

هذا التحدي من العملية المفاجئة بعد عقود من القهر ولأكبر جيوش العالم قوة ، هو علامة فارقة بما شكله من تداعيات على جوانب مختلفة علينا وعلى المنطقة كما وأطراف دولية يجب أن تحقق ولو انتصارات نسبيا به حتى لا يفرض علينا ما لا نقبل به .
كما ويُعتبر ذلك الاختراق المفاجئ امراً لم تعتاد عليه دولة الأحتلال في حروبها السابقة من حيث ما أحدثته من عدم توازن سياسي وعسكري بالنظام الحاكم في دولة الأحتلال، بل وفي مكونات المجتمع اليهودي الإسرائيلي الذي بدى عليه زيادة التشظي الذي بدأ منذ عام لاعتبارات مختلفة . كما وبحجم رد الفعل الإسرائيلي بالشراكة الواضحة مع الولايات المتحدة الذي ما زال يتسم بجريمة الإبادة الجماعية والترحيل القصري وتداعياتها بحق شعبنا وحتى شعوب المنطقة وأمنها وسِلمِها واستقرارها .

وفي الضفة الغربية بما فيها القدس هنالك المناطق الأكثر اشتعالاً مثل جنين والخليل وطولكرم ونابلس وفي مخيماتها وفيها تتركز عدد من مجموعات المقاومة الفصائلية ، التي تؤثر بشكل نسبي على الأحتلال وخلخلة توازناته باعتبارها قريبة من جغرافيا المجتمعات اليهودية الأستيطانية وطرق المستوطنين وتأكيداً على مبدأ حق المقاومة في وجه احتلال لا يملك حق الدفاع عن النفس امام شعب مُحتل وفق المواثيق الأممية .

من جهة ثالثة ، هنالك تصاعد لأعمال المقاومة في الحدود الفلسطينية اللبنانية بغض النظر عن كيفية ادارتها لأسباب تتعلق بمصالح الطرفين وحساباتهم وتوازن الرعب القائم . رافق ذلك اطلاق بعض الصواريخ اليمنية او لفصائل عراقية التي استهدفت عدد من الاهداف وتعيق حركة السفن هنالك بالبحر الأحمر والتي تحسب لها اسرائيل حسابا هاما بتاثيراتها على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني الانكماش الان بسسب العدوان وتفرغ الاحتياط .

وبما يخص الساحات الدولية هنالك ملايين من شعوب العالم اليوم تستنهض نفسها وتحديدا بالمجتمعات الغربية والولايات المتحدة دفاعا عن شعبنا الفلسطيني في مواجهة آلة القتل العسكرية والسياسية الأمريكية والإسرائيلية . هذه المظاهرات بدى من الواضح أنها تعيد قضية شعبنا الفلسطيني إلى اولوية وصدارة الأهتمام الدولي والرأي العام بعد أن غابت لعقود مضت عن الاهتمام نظرا لأزمات وصراعات اخرى حول العالم شكلت أهمية واولوية بالصراع الدائر حول مستقبل النظام الدولي ومناطق النفوذ.

وبغض النظر الآن عن الأسئلة التي رافقت عملية هجوم ٧ أكتوبر من حيث حسابات القيمة المضافة لها بالمقارنة مع حجم الخسائر خاصة بالارواح التي تجاوزت ١٢ الف غير المفقودين بين الانقاض واعداد الجرحى التي يتم تدفعيها لشعبنا من خلال تلك الجرائم المرتكبة غير المسبوقة ، فلقد حقق صمود المقاومة حتى اللحظة وفق الخطط والأرادة والسلاح المستخدم من طرفها نجاحات ومفاجئات عديدة ، أسقطت ادعاءات القدرة الفائقة للأحتلال عن تدمير المقاومة أو اجتثاثها لأي قوة سياسية تكتسب عمقا شعبيا ، وتجربة محاولة انهاء منظمة التحرير وفصائلها في لبنان عام ٨٢ ما زالت ماثلة . وقد اثبتت المقاومة في غزة من جهة اخرى قدرتها على البقاء على الارض والاستمرار بالمواجهة حتى تاريخ اليوم دون خطوط إمداد ، كما كانت متاحة لحركات مقاومة جرت حول العالم .

حتى الآن لم تستطيع قوات الأحتلال الغاصبة أن تحقق شيئا من تلك الشعارات التي رفعتها ببداية عدوانها ، حيث بدى الأمر والمشهد معقد أمامهم وهو ما يُحسب للمقاومة هنالك . وهو ما يعيق حتى اللحظة تحقيق "نجاحات وانتصارات" لهم بالميدان خاصة المتعلقة منها بالقضاء على حركات مقاومة سياسية طبيعية في وجود احتلال وإطلاق سراح اسراهم الذين وقعوا في قبضة المقاومة ، خاصة مع سقوط ادعاءاتهم حول مجمعات المستشفيات التي قالوا وبايدن انهم يمتلكون معلومات استخبارتية بشأنها ، إذا اعتبرنا ايضا مسألة ضيق الوقت أمام حكومة الأحتلال في الوصول الى ذلك واستثماره أمام العالم وفرض واقع مختلف يتحدثون عنه "باليوم التالي" ، فهم قد حولوا كل قطاع غزة إلى أرض محروقة يجري التعامل فيها مع كل شيئ "كهدف عسكري معادي" بما فيها الأماكن المقدسة والطبية والتعليمية كما كل الحجر والبشر فيها . ورغم انكشاف تلك الادعاءات التي خططوا لها منذ البداية حتى حول سقوط بعض الصواريخ الصديقة ، فهم ماضون في جريمتهم بغض النظر عن ذلك في محاولة الآن للانتقال إلى الحنوب وبدء عملية جريمة الترانسفير إلى سيناء .

هذا الأمر هو ذاته الذي يخططون له في محافظات الوطن من الضفة الغربية بما يتفق مه رؤيتهم التي تحدثت عنها بمقالات سابقة وهم يثبتونها الآن.

ورغم أن المعارك قد لا تبدو نهايتها قريبة أن لم تتوسع وتتعقد وتطول لتشمل الإقليم ، الا أن لكل حرب نهاية وحصادها السياسي هو الأهم بما سيأتي عليه من نتائج رغم فداحة الأرواح من الشهداء ، فكما لكل شيئ ثمن ، ان للمقاومة والانعتاق من القهر ثمنا اكبر من اي شيئ وفق ما تجري عليه عملية بناء وتطور التاريخ السياسي .

اليوم العالم لم يبقى كما كان وفق المتغيرات الدولية الجارية من توحش الإدارة الأمريكية غير المسبوق واداتها دولة الاحتلال من أجل محاولات الحفاظ على هيمنتهم احادية القطبية التي يفشلون حتى بادارة الحفاظ عليها .

فالعالم والرأي العام يرون بأم اعينهم ما يجري اليوم بتفاصيل المجازر والفظائع وشكلها ، وأصبحوا حتى بالغرب غير مُساقين كالقطيع في تصديق روايات الاحتلال والرؤية المرتبطة باستمراره التي اصبحت تمتاز بعدم المصداقية وبالعمق السياسي حتى بين اوساط يهوديه حول العالم التي تشارك مظاهرات اليوم ، كما وفي داخل النظام الإسرائيلي التي بدأت تطالب بمحاسبة نتنياهو أو تنحيته كما طالب زعيم المعارضة لبيد ، إضافة إلى اوساط واسعة من اهالي اسراهم .

أمام هذا الواقع من التفاصيل وغيرها ، وامام اصرار المقاومة على مطالبها في وسط كل التضحيات ، ومن اجل عدم وصولنا إلى مرحلة تُفرض علينا فيها الشروط الصهيو أمريكية بعد أن بدأت بعض حكومات الغرب تتراجع عن مواقفها السابقة على اثر الضغوط الشعبية الهائلة .

فإنه يتوجب علينا نحن وكي نحاول قطع الخطوط عن ما يجري من حديث حول مشاريع "اليوم التالي" كما ذكرت ، أن نفكر بمسؤولية وطنية جادة للتعاطي مع مجريات الأحداث بعيدا عن مواقف ردود افعال عما يروج له من حلول واتخاذ الخطوات التالية برأيي :
أولا : الإعلان عن كل الأراضي الفلسطينية وفق اعلان وثيقة الأستقلال دولة تحت الأحتلال .
ثانيا : استيعاب كافة القوى السياسية التي ما زالت خارج اطار منظمة التحرير الفلسطينية إلى داخلها والبدء فورا في تفعيلها الديمقراطي وتوسيع قواعدها الشعبية على قاعدة أن الشعب هو مرجع السلطات ، أي وضع الكُل الفلسطيني دون استثناء أو إقصاء تحت مسوؤلياته وواجباته الوطنية باعتبار أن شعبنا هو صاحب القرار الوحيد حول حاضر ومستقبل شعبنا ووطننا الواحد ، والاستفادة بذلك من عدد من التصريحات الايجابية التي تصدر من هنا وهنالك .
ثالثا : التحلل من اي اتفاقات سابقة قد اعدمتها دولة الأحتلال باعتبار مرجعياتها ساقطة سياسيا وقانونيا ، وحماية شعبنا بالامكانيات المتوفرة وفق العقيدة الوطنية لاجهزتنا ، كما بالمحافل الدولية وخاصة في محكمة الجنايات الدولية دون الاكتفاء بتوجه عدد من الأصدقاء اليها .
رابعا : استثمار النهوض الشعبي الدولي القائم الآن وما يشكله من ضغط على صناع القرار بالغرب تحديدا بكافة الأشكال الممكنة ، فالفرص بالتاريخ لا تأتي مكررة ، وتصعيد المطالبة بوقف النار التزاما بالقرار الأممي الاخير وفضح رفض إسرائيل له ، وبذل جهود مضاعفة من أجل الإمدادات الإنسانية لشعبنا الذي يعاني الذبح الآن بالتعاون مع الأشقاء العرب وعملا بقرارات القمة الأخيرة.
خامسا : تشكيل حكومة توافق وطني شامل تحت مظلة المنظمة لسد وجود أي فجوة قانونية ومن أجل العمل فورا على فتح أفق سياسي مع أصدقاء شعبنا والاشقاء يمثل حلاً سياسيا شاملا يفضي إلى حق تقرير المصير وتجسيد الدولة واستقلالها الوطني من الأحتلال على طريق تحقيق مبدأ سلام الشعوب في حق الشعوب والعدالة لها .