الكاتب: د.محمود الفروخ
منذ اليوم الاول لعملية "طوفان الاقصى" في السابع من شهر اكتوبر الماضي كان المشهد جليا بأن هناك غيابا واضحا للتنسيق والتواصل والتكامل على كافة الاصعدة وفي مختلف المجالات بين جناحي الوطن الضفة الغربية من ناحية وقطاع غزة من الناحية الاخرى لاسيما بين الساسة وسدنة الحكم فيهما، وهذا مرده أصلا للانقسام السياسي والجغرافي المقيت الذي نعاني منه نحن أبناء الوطن الواحد منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا ، والذي لم تفلح فيه كل جولات واجتماعات واتفاقيات المصالحة المتعددة والسابقة في لم الشمل بينهما وهنا أقصد حركتي "فتح" و"حماس" لأسباب يسعى كل طرف الى تبريرها دون وجه حق ، والتي يعلم الشعب الفلسطيني جيدا انها غير مبررة على الاطلاق ، خصوصا وأن هذه الاعذار والمبررات والاسباب التي لا أريد الخوض في تفاصيلها ويعرفها الجميع باتت تثقل كاهل الشعب من جهة وتقزم وتضعف وتشوه القضية الفلسطينية المقدسة من الجهة الاخرى .
كان الاحرى بنا كفلسطينيين ضفاويين وغزاويين أو فتحاويين وحمساويين أو مقاومين وسياسيين أن نتعلم من عدونا الاسرائيلي الذي ورغم الخلافات الجوهرية والانقسامات العميقة السائدة بين أحزابه وقادته الا أن المصلحة العليا لهذا الكيان جعلته يتوحد من أجل الدفاع عن "اسرائيل" في هذه المعركة ، أما نحن كفلسطينيين فلم نحرك ساكنا ولم نبادر حتى من أجل استغلال هذه اللحظة التاريخية العظيمة التي اّثرت فيها وحدة الميدان على وحدة السياسة في العمل المشترك في الدفاع عن شعبنا الذي تعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي ومجازر وحشية على مدار الاسابيع السبعة الماضية في قطاع غزة على يد هذا الاحتلال الغاشم ، فرأينا كيف اتحدت الفصائل الفلسطينية كافة خاصة أجنحتها العسكرية المختلفة في الميدان وكيف ألحق هذا الاتحاد وهذه الوحدة الهزائم العسكرية لجيش الاحتلال على الارض .
نعلم جميعا أن هناك مشروعين سياسيين مختلفين لا يلتقيان بين "فتح" و"حماس" وهما مشروع التسوية السياسية والسلام والذي تتبناه في هذه المرحلة "فتح" ومن لف لفيفها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والذي يريد أن يحقق المكاسب السياسية والدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام ٦٧ من خلال المقاومة الشعبية وبالمفاوضات فقط "مشروع رام الله"، أما ألمشروع الاّخر فهو مشروع المقاومة المسلحة وتتبناه حركة "حماس" والفصائل التي تتبعها وتتحالف معها وتتبنى هذا النهج والخيار مثل حركة الجهاد الاسلامي وغيرها من فصائل العمل الوطني والاسلامي الاخرى في قطاع غزة والتي تريد من خلال هذه المقاومة والعمليات الفدائية التحرير ودحر الاحتلال عن الاراضي المحتلة عام ٦٧ وعدم المساس بالمقدسات لاسيما المسجد الاقصى المبارك اضافة الى فك الحصار بالكامل عن غزة . ولا تؤمن بانتزاع الحقوق الفلسطينية الا بالمقاومة بمختلف اشكالها وهذا ما يسمى حاليا "مشروع غزة". ولكن ورغم هذا الاختلاف بالوسائل لا بالجوهر بين المشروعين ربما ان صدقت النوايا وتوافرت الارادة وتم تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب أو الحركة بالإمكان لهذين النهجين أن يتكاملا على أبهى وأفضل وجه وذلك لأننا نختلف مع بعض ولا نختلف على بعض هذا أولا ، وثانيا يمكن أن تستخدم المقاومة الشاملة لخدمة السياسة والعكس صحيح ، وهذا ما نسميه بنظرية أو نهج أو طريقة الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" الذي زاوج بين غصن الزيتون والبندقية ورأى أن كل منهما يخدم ويصب في مصلحة الاخر في خدمة القضية الفلسطينية ولم يسقط أيا منهما في خياراته وحياته السياسية ، وبالتالي ما لم تستطع رام الله وساستها فعله ضد الاحتلال الاسرائيلي تستطيع غزة ومقاومتها ذلك ، وأيضا ما لم تستطع غزة ومقاومتها فعله ضد الاحتلال والتواصل مع المجتمع الدولي تستطيع رام الله وساستها ذلك ، وهذا التكامل ان تحقق مستقبلا من شأنه أن يحرج اسرائيل سياسيا أمام المجتمع الدولي ويضعف موقفها حيال التعنت بمصادرة حقوق الفلسطينيين وخصوصا في ما يتعلق بتذرعها أمام العالم بان الفلسطينيين لا يستحقون دولة لأنهم منقسمين سياسيا وجغرافيا كما تروج ، ومن شأن هذا التكامل الوطني والسياسي أن يلغي صفحة سوداء في تاريخ الشعب والقضية الفلسطينية وهي الانقسام ، والاهم من كل ذلك أن هذا التكامل لو تم وطبق على أرض الواقع دون اكتراث لأي تحالفات عربية او اسلامية أودولية أو ارتباطات أو اتفاقيات أو مصالح مع جهات ومحاور اقليمية وعالمية لأي طرف (فتح وحماس) مع توافر الارادات والنوايا الطيبة وخلع الثوب الحزبي وارتداء الثوب الوطني بعزيمة واصرار فإننا سنكون أقرب من أي وقت مضى اذا لم يكن لتحرير بلادنا كاملة من البحر الى النهر فسنكون على أبواب تحقيق الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران عام ٦٧ على أقل تقدير، سيما وأن مبادرة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية، السياسية الاخيرة التي طرحها خلال هذا العدوان الاسرائيلي الشهر الماضي، تتماهى مع ما طرحه ويؤمن به الرئيس محمود عباس ويفاوض ويناور مع اسرائيل والعرب والادارة الاميركية والمجتمع الدولي من أجله للوصول الى الحقوق المشروعة للفلسطينيين والمتمثلة بحق تقرير المصير واقامة الدولة وانهاء الاحتلال. لذا علينا جميعا أن نعي وندرك تماما أن الاحتلال ومستوطنيه المتطرفين سينفردون بنا واحدا تلو الاخر كفلسطينيين بغض النظرعن انتمائنا السياسي وأماكن تواجدنا . ولعل الدور قادم على الضفة الغربية والقدس والاراضي المحتلة عام ٤٨ اذا لم نصلح انفسنا ونوحد ونصلب جبهتنا الداخلية بالمصالحة وانهاء الانقسام ، وذلك من أجل مواجهة هذا العدوان الذي يستهدف كافة الفلسطينيين وليس "حماس" وحدها كما يروج هذا الاحتلال الكاذب والغاصب .