الإثنين: 23/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

اللوحة والمؤسسة

نشر بتاريخ: 23/12/2023 ( آخر تحديث: 23/12/2023 الساعة: 22:04 )

الكاتب:

د. عدوان نمر عدوان

بازل الرسام، وهنري المفسد الشيطان. ودوريان الشاب النقي، بازل يرسم دوريان كأجمل ما يكون على فطرته الصافية، ويقول له: هذه لوحتك وأي ذنب ترتكبه سيظهر عليها بدلا عنك، فيما ستبقى أنت في بهائك.

يأتي هنري ويغريه بالذنوب، وأول الذنوب جرح حبيبته مما دفعها للانتحار، فنظر دوريان إلى اللوحة فوجد ملامح قبيحة عليها فيما بقي هو يتمتع بالجمال الصافي، فجاءه هنري وأغراه بالرذائل والذنوب واحدا تلو واحد حتى أصبحت اللوحة قبيحة جدا، وقضى دوريان باقي عمره في إخفائها خوفا من أن يكتشفها أحد، ويعرف رذائله التي تظهر عليها ولا تظهر عليه، وآخرها قتل بازل نفسه راسم اللوحة الذي عنف هنري لأنه لوث دوريان، وفي يوم ما قرر دوريان التخلص منها لبشاعتها؛ ولأنها صارت تشكل له هاجسا ينبغي إخفاؤه والحرص على عدم كشفه، فطعنها بالسكين نفسها التي قتل بها بازل، فسمع الخدم صوت دوريان يصرخ، فصعدوا إليه فوجدوه جثة متهالكة قبيحة كأقبح ما يكون، وبجانبه صورة جميلة كأجمل ما يكون.

هذه رواية الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد وهي تنطبق على هذا العالم، فأمريكا هي بازل الشاب النبيل والتي حملت مبادئ الحرية مع الآباء المؤسسين، والصهاينة والنخب الاستعمارية هم هنري المفسد بأفكارهم الشيطانية وإمبريالتهم العتيدة، والمؤسسات الدولية هي اللوحة التي تمثل صورة أمريكا في العالم.

يغري الصهاينة والنخب الاستعمارية أمريكا بالرذائل التي تظهر تلقائيا على صورتها في المؤسسات الدولية التي أنشئت في الأصل لحماية الشعوب، وكبح الوحش المادي الشره، ومع كل ذنب ترتكبه أمريكا يظهر ذلك على المؤسسات الدولية التي ترعاها وتقيم شرعية عدوانها عن طريقها، ويوما بيوم تظهر بشاعة أمريكا على المؤسسات الدولية التي لم تستطع مؤخرا أن توقف الحرب على غزة، وتخرج أهلها من جحيم العدوان.

هنري في هذه الرواية "دوريان غراي" والصهيونية متماثلان في تلويث العالم، وتبرير الذنوب والجرائم، فهما يمتلكان الدعاية والإعلام والتأثير.

ودوريان وأمريكا متماثلان في عمل الرذائل وتبريرها وإلصاقها بالآخرين.

واللوحة والمؤسسات الدولية متماثلتان في تحمل بشاعة الشر الملقاة عليهما، فهما يغرقان بعار العجز وعار التحالفات مع مرتكب القبح والرذيلة.

أمريكا لا تنفك عن مزاولة ذنوبها في العالم، وتبرير هذه الذنوب، وإخفاء صورتها في لوحات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المسيطرة عليها مالا وجاها والتي أضحت تمثل الظلم الأممي أكثر من تمثيلها لبقايا عدل، وربما اقترب اليوم الذي ستطعن أمريكا هذه المؤسسات الدولية؛ لأن صورة قبحها، وأعمالها ظاهرة بادية عليها، ويصعب إخفاؤها، وفي اليوم الذي تطعن فيه هذه المؤسسات وتفككها ستكون قد طعنت آخر مبررات وجودها قوة دولية مسيطرة على العالم، وستقفز كل ذنوبها أمامها، وعلى وجهها كأقبح ما أنتجته البشرية من شرور.