الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

" في مواجهة تحديات المرحلة وخصوصياتها."

نشر بتاريخ: 30/12/2023 ( آخر تحديث: 30/12/2023 الساعة: 13:24 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي

بعد ما يقارب الثلاث أشهر من التباهي والثقة بقدرة الأحتلال على تحقيق النصر وسحق المقاومة ، بدأت نبرة التشاؤم والخلاف تسيطر على الخطاب السياسي الإسرائيلي ، تبعاً للفشل في الحسم وللإخفاق في تحقيق أي هدف استراتيجي من العدوان الجاري على شعبنا الفلسطيني وبشكل خاص في قطاع غزة ، سوى من حجم الفظائع غير المسبوقة بالتاريخ المعاصر.

وبنظرة شمولية ضرورية لما يجري ، فانني أرى أن ما كان يُراد من "تحقيق انتصار" مما يجري بالإضافة إلى الهدف السياسي الأساس بما يخدم الرؤية الصهيونية الاستعمارية التي تحاول تنفيذها حكومة نتنياهو بشكل متسارع والتي ايضا قد مهدت لها كافة حكوماتهم المتعاقبة ، هو جزء من جهود التطهير الأمريكية الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط بمعاني أهميتها المختلفة وتحديدا السياسية والاقتصادية منها . وهي ايضا تتعلق بخدمة الهدف الذي اشرت له من خلال التخلص من التيارات والقوى التي ترفض وتقف في وجه العالم الغربي في تنفيذ مخططاته في منطقتنا ، والتي يمكن وصفها بمصطلح "عملية كونترا -٢" ، لاحقا لعملية مخطط "كونترا" الأولى التي تشابه ما نفذته الولايات المتحدة بتعاون إسرائيل في امريكيا اللاتينية ضد قوى التقدم واليسار المقاوم لسياسات ولمحاولات بسط هيمنة الولايات المتحدة على القارة اللاتينية قبل عقود من الزمن .

لقد تم الحديث سابقا وخلال العشرين عاماً الماضية عن تصريحات تمثل رؤيتهم بالوصول لذلك وفي رسم خرائط جديدة لمنطقتنا من هذا العالم بما في ذلك من مشاريع نقل السكان، وتغيير الديموغرافيا بما يحقق حدود جيوسياسية جديدة ، بل وتم الحديث ايضا عن خلق دول جديدة والغاء قائمة .
لذلك فإن المشاركة الأميركية العميقة والمباشرة اليوم امتدادا لما سبق لها بالمنطقة هي دلالة على أن عدوان الإبادة الجاري الاَن ليس حدثاً معزولاً عن ما يجري أو ما يخطط له باجزاء اخرى من العالم والمنطقة لإنجاز ما تضمنته رؤيتهم بالولايات المتحدة وناتو الغرب من نظرية "الفوضى المنظمة" وصولا إلى مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" مرورا بمخطط ما سمي "بالربيع العربي" و "اتفاقيات ابراهام" ، ذلك المفهوم الذي يفترض ان يُسقط محاولات تحدي الهيمنة والتفوق الغربي بما فيه من دور لأسرائيل . وهو ما يحقق ايضا شكل متجدد من منافسة وتحدي القوى الصاعدة وتحديدا الصين وروسيا لمسار تغيير النظام الدولي القائم نحو نظام اكثر عدالة وأقل هيمنةً ، ويلخص الأفكار المتجددة لتراث الغرب الأستعماري في تحقيق مصالحهم .

لعقود من الزمن نظرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة والدولة العميقة فيها إلى الشرق الأوسط باعتباره بؤرة للصراع وعدم الأستقرار ، وهو مكان من وجهة نظرهم يحتاج إلى وجود أمريكي للحفاظ إلى حد كبير على تحقيق مصالح تدفق النفط والغاز والهيمنة الاقتصادية وتفوق دولة الاحتلال بما يحقق استمرار الهدف من وجودها الأستعماري والوظيفي السياسي والأمني . ولذلك فقد عملوا على ادارة الصراع دون حله كما اجهضوا تحقيق اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وفق حدود ٤ حزيران ١٩٦٧ سنداً للخيار الأممي لمبدأ حل الدولتين الذي باتوا يتحدثون عنه الآن دون تفاصيل أو حدود ليكون بذلك سراباً جديدا يضاف الى سياساتهم الكلاسيكية المعتادة خاصة بعد ان قارب هذا الحل من مفهوم اليوتوبيا غير القابل للتحقق بحكم الوقائع على الارض . هذا الموقف يستمر بغض النظر عما يجري من معارضة واسعة ومتزايدة في اوساط الرأي العام بالولايات المتحدة لسياسات ادارتهم التي تهدف لمنع تتفيذ حق تقرير المصير لشعبنا على ارضه واقتصار ذلك على ما سُمي بالشعب اليهودي .

وفي اطار هذا المفهوم الأوسع ، فقد وجدت إسرائيل نفسها امام فرصة تسريع تنفيذ ذلك كما وأجندة حكومة التحالف الصهيوني القومي الديني من ما يسمى بمخطط "الحسم المبكر" القائم على رؤية يشوع بن نون التوراتية ، كما وصرف نظر الرأي العام عن الانقسام الداخلي فيها الذي ابتدا مع بدايات العام الحالي وفق الانقلاب القضائي الذي اعتبره جزء كبير منهم تهديدا "للديمقراطية" اليهودية والذي آثار ايضا تحفظات بعض القوى الدولية الحليفة لهم .
ان التعديل الإقليمي المفترض تنفيذه من وجهة نظرهم بنتائج عدوان الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لغزة وما يجري بالضفة بما فيها القدس وصولاً للترحيل القسري أو الطوعي لا فرق الذي يواجهه شعبنا بصموده ، ويرتبط من جهة اخرى بالرؤية العامة بشكل وثيق بالمشاريع الأمريكية الضخمة مثل "ممر الهند والشرق الأوسط" وهي مبادرة طريق بايدن لتعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي عبر ميناء حيفا إلى أوروب…