الكاتب:
د. عدوان نمر عدوان
الغباء الجماعي الذي يعيش فيه العالم حتى يصل إلى المغالطة المنطقية المتمثل في عدم قدرته على انتقاد جرائم إسرائيل خوفا من الإمبراطور الأمريكي ذكرني بقصة ثياب الإمبراطور السحرية، القصة الشعبية التي زحفت من الهند إلى إسبانيا وإلى الدنمارك، وتحكي حكاية محتالين ادعيا أنهما خياطان، وأخبرا الإمبراطور بقدرتهما على نسج بذلة رائعة فريدة من نوعها لا يستطيع أن يراها الحمقى والأغبياء عديمي الكفاءة.
صدقهما الإمبراطور، وطلب منهما نسجها، فنصبا الأنوال، وغزلا الأغزال، وأغدق الإمبراطور عليهما النعم والإموال، وحين ذهب رجال القصر ومسؤولو الدولة، والإمبراطور نفسه لرؤية النساجين أثناء العمل رأوا الأنوال فارغة بينما تظاهر النساجان بالعمل، فأبى رجال الحاشية الإفصاح عما رأوه خشية أن يعدّهم الآخرون حمقى أو أغبياء.
أعلن النساجان عن انتهائهما من خياطة الملابس، وتظاهرا بإلباسها للإمبراطور الذي خرج مزهوا بها في موكب أمام الشعب بأكمله، رأى الشعب الإمبراطور عاريًا تمامًا أمامهم غير أن واحدا منهم لم يجرؤ على قول الحقيقة خوفًا من أن يبدو أحمق عديم الكفاءة، إلا من طفل أخبر الإمبراطور أنه عار لا يرتدي شيئًا،
فاكتشف الناس الخدعة التي انطلت عليهم، بينما واصل الإمبراطور مسيرته بزهو وخيلاء أكثر.
أمريكا أو الإمبراطور العظيم تزين له الإيباك جماليات إسرائيل وشعرية أفعالها، وأنها واحة الديمقراطية، وثوب الأخلاق الخلاب في محيط من العراة المرقعي الثياب غير الأخلاقيين مما عيّشها في زهو بإسرائيل في كل مسيرة ومحفل واحتفال يشبه زهو طاووس بريشه.
أما المنافقون الأوربيون، وغير الأوربيين فيعيشون الدور، ويصفون ثوب الأخلاق الإسرائيلي، ويكتبون به نشيد الإنشاد، والمدائح النبوية والأميرية، ولا يجرؤ أحد منهم القول إن إسرائيل عارية من الأخلاق، ولا تمتلك غراما من الحسنات لتسد عريها خوفا من أن يتهم باللاسامية، وعداء الإزدهار، ومناصرة الإرهاب.
وإلى أن يأتي الطفل المعجزة الذي يقول إن إسرائيل عارية الخلق والأخلاق ومجرمة حرب سيظل الناس يمجدونها ويمجدون ثيابها السحرية، ويكتبون تاريخها العتيد.
هل جاء الطفل الذي لا ينطق عن مصلحة ليقول إن الإمبراطور عار تماما من الثياب؟
ربما تكون جنوب أفريقيا التي رفعت قضية في محكمة الجنايات على إسرائيل بارتكاب جرائم حرب هي الطفل الجريء البريء، وإذا ثبتت القضية فسيكتشف العالم أنهم خدعوا بالثياب المسحورة، وأن إسرائيل دولة بلا أخلاق، ودولة إبادات عرقية وثقافية بل إنها دولة تقتل كل ما يمت للإنسانية بصلة من مدرسة أو جامعة أو إنسان أو مشفى.
أمريكا أو الإمبراطور المسحور سيبقى الوحيد الذي يسير مزهوا بالموكب الإمبراطوري ذي الثياب المسحورة، ولن يصدق عريه ولا عري دولة إسرائيل إلى أن تبلى عكازته، ويسقط عرشه.