الكاتب: د.نبيل عمرو
هي الأقوى عسكرياً
والأهم تكنولوجياً
والأوسع تحالفياً
وعن تفوقها الاقتصادي... حدث ولا حرج.
مع ذلك كله، يبدو مستغرباً أن يُطرح سؤال.. هل هي دولة معاقة؟
في عددها الأخير قالت الصحيفة الأولى في إسرائيل يديعوت أحرونوت، إن إثني عشر ألف عسكري من مختلف الرتب، سجلوا كمعاقين دائمين، ذلك على مستوى الإعاقة الجسدية للذين شاركوا في الحرب الراهنة على غزة، مع امتداداتها في الضفة والجبهة الشمالية.
أمّا إذا وسعنا الدائرة خارج النطاق العسكري، فإن الإعاقة على مستويات أخرى تبدو أضعافاً مضاعفة، ولا مغالاة حين يقال، إنها أصابت الدولة والمجتمع، وقد لا تستخدم كلمة إعاقة في هذا المجال، لذا دعونا نستعيض عنها "بالأضرار النفسية والمعنوية" التي هي الأعمق والأقوى تأثيراً على حياة إسرائيل من كل جوانبها.
كانت البداية صباح السابع من أكتوبر 2023، حين ضرب زلزال طوفان الأقصى نفسية المجتمع كله إذ انتقل القوم من حالة احتفالات بأحد أهم أيام اليهود، إلى حالة رعب وذهول مما حدث، ما وضع الجميع في حالة مفاجئة بفقدان الثقة بالأيقونة الأولى للدولة وهي الجيش، لتتزعزع الثقة به وليتبخر الشعور بالأمان تحت حمايته.
كانت الصدمة عميقة وقوية، استدعت علاجاً فورياً دفع بصنّاع القرار إلى خوض مغامرة كبرى بفتح حرب شاملة على غزة، تطورت بدخول بري متسرع، راهن السياسيون والعسكر على أنهم سينهون المهمة في أيّام أو أسابيع، ليعودوا من غزة ومعهم قادة حماس والجهاد كأسرى، تاركين القطاع وراءهم جثة هامدة، وفوق ذلك يحررون المحتجزين الذين بلغ عديدهم وتنوعهم ما فاق عديد أسرى كل الحروب السابقة.
بعد صدمة السابع من أكتوبر التي شبهت بالزلزال، جاءت سلسلة صدمات زادت وعمقت الخلل النفسي على مستوى الجيش وباقي مكونات المجتمع، ذلك بفعل التعثر غير المتوقع للحملة العسكرية في إطارها البري، وبفعل تواصل هبوط الصواريخ على المدن والقرى التي إن لم تقتل وتدمر، فتصيب من يسمع بها بالهلع، ذلك مترافقاً مع وصول جثث القتلى من الضباط والجنود، وقوافل الجرحى التي تجاوز عديدها الالاف وفق المصادر الإسرائيلية ذاتها.
ويمكن أن يقال إن القتلى والجرحى مهما بلغ عديدهم فيمكن تجاوز الأمر بالقول، هذه هي الحرب، ولا حرب بلا قتلى وجرحى.
إلا أن ما هو أعمق وأخطر، استبداد حالة الانهيارات المعنوية، التي لا يوجد علاج لها فمن هم داخل إسرائيل يخشون على أمنهم وحياتهم ومصالحهم ومن هم خارجها لم يعودوا يروا فيها المكان الآمن الذي يلوذون به حين تقع مصيبة في وطنهم الأصلي، لذا وبدل أن تستقبل الدولة العبرية أفواج اليهود القادمين إليها من جميع أنحاء العالم، وجدت نفسها تواجه ما تخشاه دائماً وهو تصاعد الهجرة المعاكسة، وحتى لو وجدت الدولة العبرية علاجاً لهذه الظاهرة فمن أين تأتي بالعلاج الناجع لتدهور الوضع الاقتصادي حيث لا زراعة ولا صناعة ولا سياحة ولا بناء، ونظراً لتعمق العداء والكراهية للفلسطينيين فقد تم الاستغناء عن العمال الذين بلغ عديدهم مئات الالاف من الضفة والقطاع، ليجري البحث عن بدلاء لهم من جميع أنحاء العالم، ما يؤدي إلى خسارات اقتصادية محققة في كل المجالات.
وحتى لو وجد حل لهذه المعضلة فمن أين يأتون بحل للحالة المزرية التي وصلت إليها الطبقة السياسية على مستوى صناع القرارات والمؤثرين فيها.
في آخر اجتماع عقد تحت عنوان "الاتفاق على سياسة موحدة لليوم التالي الذي سيلي الحرب على غزة" جرت مشاجرة حادة بين المجتمعين، وهم وزراء وجنرالات وقادة أحزاب، اضطرت بنيامين نتنياهو الى انهاء الاجتماع بعد أن بلغ الانفعال الجنوني مداه، ما جعله يقول "بهذا الوضع لا نستطيع قيادة الحرب".
بوسعنا القول على نفسه جنا نتنياهو وجنا على إسرائيل، ففي اجتماع القرار وجد من يطالبه بإبادة الفلسطينيين ويعيد الاستيطان في غزة ويهجر من تبقى من الفلسطينيين الى أي مكان ويفتح حربا شاملة على الجبهة الشمالية، وقد جرى تهديده.. إن لم تفعل ذلك كله فلن تبقى رئيساً للوزراء، ولأن الذين هددوه من حلفائه، فلم يجد بداً من انهاء الاجتماع، فتهديده بأن يغادر موقعه أخطر بالنسبة له من أي تهديد وجودي للدولة.
هذا هو حال إسرائيل الآن، وما يجعلها دولة معاقة بالفعل، أن قوتها المتفوقة أضحت عبئا عليها بفعل سوء استخدامها، ذلك أن صناع القرار في إسرائيل لا يرون الأمور إلا من منظار البندقية وفوهات المدافع، وقذائف الطائرات، التي مهما وصفت بالذكية تظل غبية، إضافة إلى أن صناع القرارات في إسرائيل يشعرون بالتشجيع مهما بلغت الخسائر لأن في واشنطن من يغطي كل شيء