الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شهادة أسير من داخل المسالخ الاسرائيلية!!

نشر بتاريخ: 09/01/2024 ( آخر تحديث: 09/01/2024 الساعة: 23:50 )

الكاتب: وليد الهودلي

وصلتني رسالة (لا يريد المحامي ذكر اسمه كي لا يتضرر صاحبها) من خلف جدران المسالخ الاسرائيلية، هذا الذي كان يسمّى سجونا اسرائيلية أو زنازين أو باستيلات أو معتقلات، اليوم أصبح المسمّى الذي أخذه بكل جدارة واستحقاق هو المسلخ الاسرائيلي، وقد تجاوز بذلك سجن أبو غريب وسجن جوانتمالا الامريكية سيئة الصيت والسمعة، السجون صارت مسلخا سريّا للغاية تمارس فيها كلّ أشكال الوحشية والسادية ويتفنّنون في كل أشكال الإهانة والتعذيب، لنقرأ الرسالة كما وردت:

الاهل الأعزاء انا مشتاق لكم جدا ومحتاج لدعائكم كثيرا

لقد تم اعتقالي كما تعلمون قبل خمسين يوما، حينها تم تقييدي من الرجلين واليدين وتعصيب العينين، وتم ضربي ضربا مبرحا في اليوم الأول، عدا عن الشتم والاهانات بكلمات لم أسمع بها في حياتي من قبل، عدا عن الإهانة والتحقير بطرق تشعرك أنهم لا يرونك تعدل حشرة أو بعوضة، كنت أشعر بأن حقد العالم كلّه قد تجسّد فيهم وارادوا أن يذيقونا شرّه دفعة واحدة وبلا حدود، وفي اليوم السادس والسادس عشر تم أخذي للمخابرات وأيضا تم ضربي وإهانتي بشكل كبير، تفنّنوا فينا بتجليات سادية يصعب وصفها، ولست أنا وحدي وإنما كل الاسرى. كانت أيام لا أتمنّاها لا لصديق ولا لعدوّ، لم أتخيّل أبدا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شرّ مطلق رغم أنّي عانيت من شرّهم خمس عشر سنة في سجونهم، أخضعت فيها للتحقيق مرات عديدة وقمعت كثيرا وتعرضت للتنكيل أكثر من مرّة لكن مثل هذه المرّة لا أعتبر ما مرّ عليّ سابقا عشر ما رأيته في هذه الخمسين يوما .

أمّا الظروف التي أعيش بها الان فانا اتواجد في غرفة بها عشر شباب ينام قسم منا على الأرض، أمّا عن اللباس: فمنذ اليوم الأول لم ألبس الا ملابس الإدارة القميص والبنطال رغم دخول فصل الشتاء وشدّة البرد، نوافذ مفتوحة والنصف العلوي من الباب مفتوح، لقد نصلت أجسادنا من البرد وأغلبنا أصبح يعاني من آلام في الصدر والمعدة ومن كان مريضا تفاقم مرضه ولا علاج أبدا. لم أحلق ذقني أو شعري وان اردتم أن تتخيلوا منظري فانظروا في صورة الانسان في العصر الحجري، أما الاكل فهو قليل جدا ولنا خمسين يوما نعاني من جوع على مدار الأربع وعشرين ساعة، تحسّن قليلا قبل أيام ليصبح مخصص الفرد يوميا أربع شرائح خبز وصحن رز صغير وبيضة وملعقة لبنة، انا منذ اثنين وثلاثين يوما صائم ومعي مجموعة كذلك نصوم كي نوفّر للشباب الصغار ما يقيم أودهم .

بالنسبة للخروج للساحة نخرج اليها عشر دقائق إلى ربع ساعة وهي لا تكفي للحمام حيث أنه خارج الغرف في الفورة وهي ست حمامات لمائة وعشرين معتقلا ، تم منعنا من الصلاة. نتعرّض للتفتيشات والاقتحامات بصورة متكررة وفيها ما فيها من توجيه الاهانات والضرب لأتفه الأسباب أو دون أن يكون سبب لذلك أبدا لأن المعتقلين حريصين جدا على ضبط النفس وعدم إعطائهم أيّ مبرر. وحقيقة اوضاعنا صعبة للغاية والأسرى كلهم صابرون ينتظرون الحرية في الصفقات القادمة.

لا بدّ من الملاحظة أن هذه الرسالة موجّهة من المعتقل إلى أهله وفي هذه الحالة يجري التخفيف كي يقلّل من القلق والتوتّر الذي يعاني منه أهل الأسير.

أولا: ما الهدف من هذا التنكيل؟

للعلم الشاهد مجموع حبساته خمس عشر سنة، لم ير فيها مثل هذا التعذيب ، مرّ بتحقيق عسكري وفي فترات متعدّدة، خاض تجربة التحقيق ومرّ عليه عشرات المحقّقين الذين عذّبوه كثيرا من صنوف التعذيب النفسي والجسدي، لكنه لم يمرّ بمثل ما مرّ به هذه الأيام كما ذكر في شهادته، كان الهدف سابقا للحصول على الاعتراف بينما اليوم الهدف هو اشباع شهوة الانتقام لديهم، التعذيب من أجل التعذيب، أصبح التعذيب بحدّ ذاته هدفا ولم يعد وسيلة لتحقيق مآرب معيّنة.

ثانيا: من المسئول ومن صانع القرار لهذه الساديّة؟

هل هي انفلات من قبل ضباط معينين أم تصرفات فردية أو ردّة فعل أو حميّة أخذتهم فيها العزّة بالاثم؟ ليس كلّ هذا وإنما هو بكل تأكيد قرار أتخذه ما يسمّى وزير الامن الداخلي بن غفير بتفويض كامل من اعلى مستويات اتخاذ القرار عندهم، وقد صرّح سابقا بنيّته تطبيق حكم الإعدام وبأن الاسرى يعيشون في فنادق خمس نجوم وما إلى ذلك كاشفا نيّته في سحق المعتقلات والمعتقلين، جاءته أحداث السابع من أكتوبر ليعلّق على شمّاعتها ما كان ينويه من قبل وليخرج أنيابه ويعمل ما يشاء في السجون. ويضاف إلى هذا خطاب الكراهية والعنصرية التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية وإعلامها وقوّة التحريض العالية على ممارسة القتل والاجرام وفرق القمع التي تدير السجون جاهزة لتحويل هذا الخطاب العنصري إلى تطبيقات عملية تمارسها في السجون وتحوّلها إلى هولوكوست كما يمارس الجيش القتل والتدمير في هولوكوست غزّة.

ثالثا: هذه القرارات التي بموجبها تحوّلت السجون إلى جحيم أو هولوكوست تكشف بكلّ وضوح الطبيعة العنصرية المقيتة التي تتمتع بها هذه الحكومة الإسرائيلية بكلّ جدارة، وهي تأتي بذلك ترجمة عملية للمقولات التي تؤكد أنهم ينظرون لأنفسهم بأنهم صنف من البشر أعلى جينيّا وأن الفلسطيني يبدو لهم بأنه مجرّد حشرة او أفعي سامّة وبالتالي يشرعنون التعذيب، ولو نظروا للفلسطينيين على أنهم بشر لما أجازوا لأنفسهم مثل هذا الصنيع.

رابعا: ما هو المطلوب منا؟

لا يمكن أن نبقى على ذات الوتيرة في التعامل مع قضيّة الاسرى كما كنّا قبل السابع من أكتوبر، هم غيّروا قواعد اللعبة مائة بالمائة وبالتالي علينا ان نفكّر خارج الصندوق الذي عفى عليه الزمن وأن نبتكر طرق ووسائل لا أدّعي في هذا المقال أنّي أمتلكها ولكن لا بدّ من القوى الفاعلة والمهتمّة بشان الاسرى فلسطينيّا أن تخرج عن النمط القديم وذلك على صعيدين: الاوّل مقاومة الاعتقال وان لا يبقى الفلسطينيّ لقمة سائغة بين يدي المحتلّ ، والثاني العمل على تحرير أسرانا ومتابعة مأساتهم بإبداعات جديدة في معركة الوعي أولا (محليّا وعالميّا) ومعركة استرجاع حقوقهم القانونية ثانيا وكذلك متابعة ملفّات شهداء الحركة الاسيرة بصورة جديّة وفاعلة في المحاكم الدوليّة .