الكاتب: زاهر أبو حمدة
كان يفترض أن تعقد حركة “فتح” مؤتمرها العام الثامن في 17 كانون الأول الماضي في رام الله، وفقاً لما أقره المجلس الثوري للحركة في آب الماضي. لكن ما حصل في 7 تشرين الأول وعدوان الاحتلال على غزة، أدى إلى التأجيل المفتوح. وكانت شرائح الحركة تنتظر هذا المؤتمر لتغيير الوجوه في القيادة وكذلك في المسار التنظيمي والسياسي، إلا أن “طوفان الأقصى” طوّق القرار وحرّك القواعد الشعبية في الوطن والشتات نحو سؤال مركزي: أين نحن؟
لا يعرف جيل الفتحاويين الجديد أمجاد ثورتهم وطوفانهم المستمر منذ 59 عاماً، لأن الناس في العادة يأسرها الراهن بغض النظر عن الماضي أو المستقبل. هكذا تحول الفتحاويون إلى حالة تشبه الانفصام بين التأييد غير المشروط لـ “كتائب القسام” أي للجناح العسكري لخصمهم السياسي، أو الهجوم على ما فعله ويفعله “القسام” بـ”حسابات غير محسوبة ومغامرات مجهولة المصير”. هذا يعرفه أبناء الحركة وشارعها العريض وجماهيرها المنتظمة في التنظيم أو غير المؤطرة فيه. فالطوفان أربك اللجنة المركزية للحركة، حتى اتخذت قرارها بتأمين الغطاء الوطني والسياسي لحركة “حماس” وعدم ادانة السابع من تشرين، ومن ثم محاولة إيجاد مخارج للحالة برمتها. لكن الجمهور الفتحاوي بقي مكانه بين مؤيد ومعارض لـ”القسام”، وأصلاً هكذا انقسمت اللجنة المركزية وهي أعلى قيادة في “فتح”، والأدلة كثيرة.
بالعودة إلى المؤتمر العام، كانت المياه تتحرك بين أبو ظبي و”هداريم” ورام الله، حيث الاتصالات ارتفعت درجتها بين عضو اللجنة المركزية حسين الشيخ والقيادي “المفصول” محمد دحلان، وكذلك الرسائل مع عضو اللجنة المركزية الأسير مروان البرغوثي في سجن “هداريم”. هذا التواصل بدأ باقتراح من جهة عربية وفي تفاصيلها أنه لا بد من وحدة جسم الحركة قبل المؤتمر العام، وإذا لم تنجح الأطراف في المصالحة فيمكن تقريب وجهات النظر. في المقابل، أعلن عضو اللجنة المركزية جبريل الرجوب وهو يتزعم تياراً كبيراً في الحركة، تأييده التام للبرغوثي ليكون على رأس الحركة والسلطة، وبالتالي أصبحت التيارات تتقلص نحو تيارين والرئيس محمود عباس في المنتصف بينهما. فهل المصالحة الفتحاوية الشاملة ممكنة؟
بكل تأكيد يمكن لم شمل “فتح”، وبسهولة. هي قرارات شخصية يتقدم فيها مصير “فتح” والحركة الوطنية على المصالح الذاتية. معروف أن التيارات موجودة في “فتح” منذ تأسيسها، والأهم أنه لم يغلب تيار الآخر إلا إذا كان بانشقاق أو بقرار فصل تنظيمي. ووفقاً للموروث التنظيمي ان من يخرج من رحم الحركة يختفي مع الوقت. لكن في هذا الوقت، من الضروري التئام الأجنحة والتيارات في مشروع جديد يوائم بين القيادة والقاعدة. فجمهور الحركة في تيه سياسي، وفي لحظة ما، يمكن أن تنقلب الأمور وتقلب القاعدة الطاولة على لجنتها المركزية. والأخطر أن المشروع السياسي للحركة لم يعد يلبي طموح الجماهير، فإما أن تكون القيادة مع الشعب وتقوده إلى ما يطمح إليه أو أنها ستتحول إلى عبء وسينادي الفتحاويون بتغييرها قبل غيرهم. ولذلك، لا بد من دعوة شاملة الى التوحد في مجلس قيادي انتقالي في الحركة يضم ممثلين عن “جيش المهمشين” والقادة البارزين في التيارين المتنافسين. ولك أن تتخيل لو أن عباس يقود ذاك التغيير ويكون الأب لأبناء الحركة من دون تهميش أو تمييز. وإذا توحدت “فتح” في جسمها التنظيمي فيمكن بعد ذلك توحيد الشعب الفلسطيني، وكذلك يمكن العمل على إعادة انضمام جميع “المنشقين” منذ عقود. هذا ليس حلماً لا يتحقق أو دعوة متسرعة أو غاضبة، إنما هذا نبض الشارع الفتحاوي وأي قائد في الحركة يمكنه أن يجالس من يريد في الوطن أو الشتات وسيسمع ما يجعله يفكر في الهوة الكبيرة بين “من هم فوق ومن هم تحت”، وللأسف لن يستطع الاجابة عن السؤال: أين نحن؟