الكاتب: مروان اميل طوباسي
ستتوسع رقعة الحرب وجزء من اهدافها الجديدة التغطيه على مجريات محكمة العدل الدولية ومحاولات تمرير مخطط التهجير "الطوعي" من غزه وحتى من الضفة بما فيها القدس الى دول بالمتوسط بفعل مزيد من القتل والتدمير والجرائم في فلسطين .
فبدلاً من الضغط على إسرائيل لإنهاء هجومها الوحشي على غزة وحرب الابادة التي تخوضها هنالك وتخفيف التوترات مع حزب الله في جنوب لبنان ، يختار الرئيس الأمريكي بايدن التصعيد الإقليمي بقصف عدواني بدء أمس على اليمن ، بينما يواصل تقديم الدعم العسكري والسياسي الكامل لإسرائيل . حيث أكد المسؤولون بالبيت الابيض مجددا أن إدارة بايدن لا تفكر في وضع أي شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل ، بل تقديم مزيدا منها على الرغم من بعض التصريحات اللفظية المتعلقة بطلبات أمريكية من اسرائيل بخصوص تفاصيل عدوان الابادة بحق شعبنا الفلسطيني .
لذلك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت رغم خلافاتهم واهدافهم الشخصية السياسية عازمون بشدة على اغتنام هذه اللحظة لتوسيع الحرب إلى جنوب لبنان وتوجيه ضربة قاضية "أسطورية خيالية" لحزب الله كما يعتقدون هُم .
أمريكا في هذه الحرب بالذات لم تعد مجرد شريك بالجرائم ، بل ومتورطة بها ، فإما هي من تأخذها إسرائيل ورائها الى مغامراتها ، أو انها هي من يدفع باسرائيل الى تلك المغامرات من الجرائم ، ولتحديد اي من الأحتمالين هو واقع الحال ، فلذلك نقاش يطول سيأخذنا إلى محددات العلاقة الاستراتيجية بينهم في إطار رؤية الحركة الصهيونية العالمية التي كنت قد تحدثت عنها بمقال سابق . لكن بالنتيجة ، فإن العالم وحتى الشعب الأمريكي اليوم يرى في دولته الرسمية الدولة الوحيدة التي تحمل وزر السياسات الاسرائيلية بل وتدافع عنها وتبررها وهي من تمنع وقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل أمام اي محاولات من الارادة الدولية . ولذلك فأن زيارات بلينكن المتعددة للمنطقة مثلت السياسات المكوكية التي تُذكرنا بجولات كيسنجر السابقة والتي تندرج في إطار خدمة المشروع الكولنيالي في منطقتنا ، من خلال المشروع الجديد القديم المسمى بالشرق الأوسط الجديد أو بالعودة إلى استكمال ما جاء في صفقة القرن وما تبعها من اتفاقيات ابراهام للتطبيع أو المخطط الجديد المسمى حلف القدس - جده الذي يعمل عليه مسوؤلين البيت الأبيض على أساس التطبيع السعودي الإسرائيلي المفترض ، وبما يهدف الى منع شعبنا من حقه بتقرير المصير وحقوقه السياسية الوطنية في دولته ذات السيادة.
ولذلك فأن جولة بلينكن قبل أيام لم تحمل اي أوراق ضغط على السياسات الاسرائيلية ، بل افقدت البعض بالمنطقة ما تبقى من وهم لِتَدخُل أمريكي جاد ، بل واوضحت انها اي الولايات المتحدة هي من وفرَ كل الأعتبارات للسياسة المتوحشة الإسرائيلية ، وهي التي تسعى الآن الى محاولة اللعب في خواص النظام السياسي الإسرائيلي بما يخدم استراتيجياتها ، وما يتطلب ذلك ايضا من محاولة انهاء ثقافة المقاومة بمنطقتنا كما فعلت في أجزاء اخرى من العالم .
فحتى حديثهم الموسمي عن حل الدولتين فهو مجرد ذر للرماد بالعيون ويتسم بالميكافيلية لتبرير وسائلهم التي يقدمون من خلالها كل الدعم لاَلة الحرب الإسرائيلية وتغطية العجز المالي الاقتصادي بل وبتبرير البعد الحضاري العنصري الغربي لهم في استهداف الكل الفلسطيني من خلال الحديث اليوم عن ما يسموه "بردة فعل مبررة" تحت ذريعة الدفاع عن النفس على اثر زلزال ٧ أكتوبر ، في وقت يتجاهلون به جرائم مستمرة منذ اكثر من ٧ عقود بحق شعبنا الفلسطيني .
فقبل البدء بجولته الحالية لمنطقتنا ودول محيطة بالبحر المتوسط والتي كانت قد سُربت معلومات مؤخرا عن ضغوطات تمارس على بعضها من أجل استقبال "لاجئين" من ابناء شعبنا تحت مسمى "الهجرة الطوعية" من غزة ، والذي باتت اوساط سياسية في دولة الأحتلال تتحدث عنه منذ فترة من اجل تنفيذ الرؤية الصهيو دينية في ارض فلسطين التاريخية ، بعد الموقف المصري والأردني الرافض للتهجير إلى أراضيهم .
بالولايات المتحدة تزداد وتتصاعد الانتقادات لسياسات بايدن وادارته بالبيت الأبيض من خلال عدد من موظفين الإدارة واعداد كبيرة من المتدربين حتى اعضاء بالكونغرس إلى جانب المظاهرات اليومية ومظاهر العصيان المدني التي أعلنته قوى تقدمية أمريكية بما فيها عدد من المنظمات اليهودية المناهضة لسياسات إسرائيل وجرائمها بالإضافة إلى تحرك النقابات ومن أهمها اليوم نقابة المعلمين التي تضم ٣ ملايين معلم الأمر الذي يدفع بايدن في اعادة حساباته المتعلقة بالانتخابات الرئاسية القادمة .
وكانت دولة جنوب إفريقيا الصديقة أو الشقيقة للتعبير الأفضل ، قد رفعت قضية أمام محكمة العدل الدولية ابتدات جلساتها اول من امس ، تتهم فيها دولة الأحتلال الأستعماري "إسرائيل" بارتكاب جريمة الأبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني .
والآن هنالك عدد من الدول الصديقة والشقيقة التي أعلنت تاييدها لدعوة دولة جنوب إفريقيا أمام هذه المحكمة التي قدمت بها اول من امس جنوب افريقيا مرافعتها . لكن باعتقادي فأنه من المفترض انضمام على الاقل كافة الدول العربية والإسلامية إضافة إلى الدول الصديقة حول العالم أو على الأقل تقديم مرافعات تنسجم مع الاتهام المقدم . لكن هذا الأمر يتطلب بالتأكيد حراكاً دبلوماسياً وجهداً سياسياً فلسطينياً سريعاً حول العالم لإنجاز ما يمكن من ذلك في مواجهة الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به وزارة خارجية دولة الأحتلال الإسرائيلي التي أصدرت تعليمات لسفاراتها مرفقة مع خطة عمل بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في الدول المضيفة لهم لإصدار بيانات ضد قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة وبالضغط من اجل عدم إصدار قرار عن المحكمة يطلب وقف الحرب العدوانية.
حيث أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو أن ترفض المحكمة الدعوة اساسا كما وطلب إصدار أمر قضائي ، وتمتنع عن تحديد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة وتعترف بأن جيش الأحتلال الإسرائيلي يعمل وفقاً للقانون الدولي.
وعلى عكس القضايا السابقة في المحاكم الدولية وبعد رفضها الفوري للاتهام ، قررت اسرائيل المثول أمام المحكمة الدولية لأنها من الدول الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية ، مع توجيه اتهامات مسبقة لهذه المحكمة كما جرت العادة من اتهام معارضي سياسات الاحتلال بمعاداة السامية وأنها ضحية الهولوكوست وغيرها من الادعاءات التي اصبحت اليوم غير مقبولة من الرأي العام .
وفي الولايات المتحدة قال المتحدث بأسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي يوم الأربعاء: "نرى أن هذا العرض أمام المحكمة الدولية لا أساس له من الصحة، ويؤدي إلى نتائج عكسية ولا أساس له في الواقع على الإطلاق".
لقد جعل الأستعمار الغربي ببعده الأمبريالي من إسرائيل دولة لا تُحاسب وكيان فوق القانون الدولي منذ ٧٦ عاما وقد اعتادت هي على ذلك المسار . لكن الاتهام اليوم بحقها بارتكاب جريمة الابادة الجماعية وبغض النظر عن الحكم القضائي المنتظر ، سيكون له تداعيات على مجمل العلاقات الدولية مع هذه الدولة التي ستُثبت مرة اخرى انها دولة مارقة حين ترفض تنفيذ مقررات المحكمة الدولية بدعم أمريكي . لكن سيكون لحكم المحكمة الدولية بل ولانعقادها بالأساس آثار محتملة كبيرة ليس فقط في العالم القانوني ، بل بتداعيات عملية ثنائية ومتعددة الأطراف واقتصادية وأمنية ، وسيكون لانعقاد المحكمة اثر كبير سيمتد لعقود والى فتح افاق ممكنة امام محاكمة مجرمي الحرب الافراد في محكمة الجنايات الدولية ، والى تغير واقع شعبنا الفلسطيني تراكمياً نحو حقه في تقرير المصير .
حيث وفق هذا الدور التاريخي الاخلاقي والقانوني والسياسي الذي قامت به جنوب افريقيا في وقت تغيب به دول اخرى هذا الدور ، فلن يكون لأحد الحق بعد اليوم بادعاء عدم المعرفة بحجم الجرائم المرتكبة وما تسببه سياسات إسرائيل العنصرية ليس بحق شعبنا فقط وإنما بحق مبادئ السلم والأمن الدوليين وحالة استقرار الشعوب ، الأمر الذي سيسارع في وصول شعبنا نحو حريته واستقلاله .
ومن جهة أخرى فإن ما سيساهم في ذلك بعد مئة يوم ، هو أن قوات الأحتلال إلاسرائيلي لا تبدو قد حققت اهدافها المعلنة وفق عدوانها على قطاع غزة بوضوح عدم قدرتها بالسيادة الكاملة على الوضع والأرض سوى بالحاق حجم الخسائر المؤلمة بصفوف شعبنا . حيث تبدو فصائل المقاومة الفلسطينية بما فيها من كتائب القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى وأبو علي مصطفى وغيرها شجاعة ومقاومة قوية وفعالة ، مما يتسبب في خسائر متزايدة للجانب الإسرائيلي بشكل يومي ليس في حساب الأرواح فقط وإنما من الجوانب الاقتصادية والمالية والعزلة الدولية المتزايدة عليها ، إضافة إلى حجم الصراع المتنامي داخل نظامهم السياسي وبروز قطاعات واسعة اصبحت تسأل عن جدوى الحرب بمقارنة مع التكلفة والنتائج بعد بدايات غرقهم في وحل رمال غزة . ونظراً للأداء الناجح للمقاومة وفق امكانياتها على أرض المعركة، فإن حرب اليوم يمكن ان تشكل نقطة تحول في تاريخ القضية الفلسطينية، سيكون لها تداعيات في المستقبل القريب بالتوازي مع ما يجري في لاهاي من محاولة جادة لتطبيق العدالة الدولية في حقوق الشعوب ، بما يساهم بحرية أسراَنا الأبطال أمثال مروان وسعدات وعبدالله البرغوثي ورفاقهم المؤمل منهم دوراً في دفع الحراك الوطني الوحدوي أماماً ، وبأنهاء الأحتلال والأبرتهايد ووصول شعبنا إلى الحرية والأستقلال الوطني .