الكاتب: تحسين يقين
وصلنا لاهاي، إنه إنجاز لتجريم إسرائيل، ولكن على الأرض، فإن الحل هو الحل، وقف إطلاق نار في سياق حل سياسي دائم، مفتاحه إقامة الدولة الفلسطينية.
وصلت الولايات المتحدة وبريطانيا الى اليمن بضربها عن بعد، لكن الحل هو الحل: وقف العدوان على غزة في سياق إنهاء الاحتلال.
لم يكد يمرّ السابع من أكتوبر تشرين الأول ببضع أيام، حتى بدأ المصطلح يتداول دوليا وإسرائيليا، وهكذا ظل يتردد في إشارة واضحة لنوايا الوصايا ليس على قطاع غزة فقط، بل على فلسطين.
أسبوع وراء أسبوع، وشهر وراء شهر، والحلفاء يكررون عما سيكون في اليوم الثاني، والمقصود به، اليوم التالي لوقف إطلاق النار، وما يراه الاحتلال وحلفاؤه من ضرورة تعبئة فراغ مفترض في مجال الإدارة والحكم في قطاع غزة.
واليوم الثاني، يعني فصلا قادما، فقد اعتبر الغزاة الأيام الدموية التي مرّت كلها يوما واحدا. إنه السؤال الأكثر سخرية في تاريخ الصراع هنا؛ فهل كانت قلوب الغزاة على غزة خلال القتل والتدمير حاضرة حتى تحضر في اليوم الثاني لتوقف ذبح شعبنا في غزة؟
واليوم الثاني يعني اليوم الأول، بل ويعني أياما كثر لعقود من سنوات السطو على فلسطين وشعبها، التي دفعت إثمانا على مدى قرن من الاحتلال والاستلاب. انه تاريخ حديث ومعاصر منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، واحتلال الانجليز لفلسطين، وما حدث بعد ذلك من تنفيذ مخططات الحركة الصهيونية المتحالفة مع الغرب.
فعن أي يوم ثان سنتحدث هنا؟
وهل سنستجيب نحن الفلسطينيون والعرب لهذا السؤال الساذج والملتبس؟ وهل كانت غزة في اليوم الأول وطن بلا شعب؟ ألم يكن أهلها يبدعون العيش في ظل حصار ظالم؟
من يقول للحلفاء والغزاة معا بأن غزة النازفة قادرة على الحكم والإدارة، وهي من كسر هيبة الجيش الذي وصف نفسه بالجيش الذي لا يقهر.
إن تأمل مجال العمل الصحيّ فقط، يدل على أي مستوى من الجاهزية والقدرة والمهارة الفائقة بالعمل في ظل الحرب والقتل والتدمير الذي لم تسلم المستشفيات في ظله من القصف الهمجي.
كان يجدر بالساسة في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية أن تكون قد سعت لوقف إطلاق النار، لا تكرار سؤال اليوم الثاني.
الجواب معروف لمن كان موضوعيا، فأهل البلد هم الأقدر على التعامل مع بلدهم، في الإدارة الحكومية وإعادة البناء، كجزء من الشعب الفلسطيني، بقيادة الممثل الشرعي والوحيد، ونعني به الكل الفلسطيني الذي سينضوي تحت راية منظمة التحرير. إنه بيتنا الداخلي ونحن من يقرر؛ حيث أن الحرب على غزة جعلتنا نتجاوز نزاعاتنا السياسية، وأصبحت وراء ظهورنا.
لقد كانت حالة الحكم والإدارة في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر حالة من التوافق بانتظار إتمام المصالحة، وكان هناك دوما إجماع على تشكيلات الحكومات الفلسطينية، وكلها قريبة من حكومة الوحدة الوطنية، وكلها تعاملت مع غزة كإقليم أصيل في فلسطين.
فعندما نقول السلطة الوطنية الفلسطينية، فإننا نعني بها ذراع منظمة التحرير، وتعني الكل الفلسطيني؛ ففي الحقية كانت دوما سلطة واحدة، أما ما هو غير ذلك فكان شكلانيا.
لذلك، فمن الضروريّ الانتباه الى إشكالية مصطلح اليوم الثاني، والذي لا يعني في العمق إلا تجزئة شعبنا وإثارة الفتن؛ فليس هناك حكم مكان لمكان لأن المكان واحد، وليس هناك حكم فئة لأخرى لأن الشعب واحد، فإداراتنا التربوية والصحية والثقافية والمالية واحدة.
لقد تحققت المصالحة فعلا؛ فلو تأملنا تشكيلات الحكومة الفلسطينية، فسنجد إنها دوما كانت تحظى بتوافق فصائل العمل الوطني والإسلامي، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي. وما زيارات المؤسسات والوزارات والوزراء لقطاع غزة الحبيب الا تتويجا لتلك التفاهمات، حتى ولو لم تحل كل القضايا الخلافية.
لذلك من السهل على السلطة الوطنية ممارسة دورها كما كانت تفعل دوما دون ضجيج، فالعمل الحكومي أمر عادي وباستطاعة كوادر قطاع غزة القيام بدورها مدعومة بزملائها في الضفة الغربية. وليس هناك ممانعة من جانب أي فصيل سياسي أصلا.
وهكذا، فإن سؤال اليوم الثاني سؤال لذر الرماد في العيون، والمتوقع من قيادات شعبنا الإجابة كما ينبغي لشعب واحد، بحكومة واحدة.
أما عربيا، فإن الدول العربية تدرك حالة الحكم الفلسطيني وما اعتراه من تنازع، لكنها تدرك جيدا أن الشعب الفلسطيني فعلا موحد، فليس هناك شعبان ولا سلطتان.
دوليا، وأمريكيا، ثمة حديث عن حل الدولتين، شرط قبول إسرائيل به، وخلاله سيصار الى إعمار غزة، وكذلك سيكون ذلك مدخلا للتطبيع.
ومهما يكن، ففي اليوم الثاني، سيعود موظفو القطاع العام، إلى أماكن عملهم لخدمة شعبهم، مندرجين في منظومة الوزارات والمؤسسات الحكومية، في حين سيتم التعامل مع البنية الحكومية التي أضيفت لتسيير أعمال الحكومة بعد حالة النزاع السياسي.
دوليا، ما زالت السلطة الوطنية هي الجزء الشرعي، وهي أصلا موجودة في الضفة وغزة، وهي قادرة فعلا على العمل، من خلال موظفين وموظفات ذوي خبرة، في ظل وجود صناع قرار فاعلين وجادين وموحدين.
يمكن مثلا إفراد هيئة فلسطينية مدعومة عربيا ودوليا لإغاثة قطاع غزة وإعماره، تكون فيه شراكة مع المؤسسة الأممية ممثلة بوكالة الغوث الأونروا.
في اليوم الثاني، نحن بحاجة لوقف الاحتلال والتدخل في شؤوننا الداخلية، وتسهيل تواصل غزة مع العالم لتأمين حاجاته، لا لتعقيد الحال وإعاقة الممرات الضرورية للحياة والإعمار.
ماذا بقي؟
بقي:
التركيز فلسطينيا على ما ذكرنا من وجودنا شعبا واحدا بقيادة واحدة، فما نحن مختلفون فيه، يحل داخل البيت الفلسطيني.
إن فعلنا ذلك، سنكسب تضامن الدول العربية معنا أمام العالم، كوننا عضو في جامعة الدول العربية، ودولة لها صفة في المؤسسة الأممية.
وقتها لن يكون أمام إسرائيل الا التعامل مع الأمر الواقع الفلسطيني، الذي مع تضميد الجراح، سيصار الى انتخابات تقوي نظامنا السياسي.
إن الاعتماد على الوعي الفلسطيني، والوفاء لدماء الشهداء، هو من سينجبنا أي حالة واهنة، وهو من يضمن الوحدة الوطنية القائمة، والتي ستدفع الرئيس في مرحلة ما الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تراعي التطورات والمستجدات، بحيث تكون حكومة قادرة على التعامل مع الواقع الذي يصعب إنكاره، حيث سيصار فعليا الى حالة تفاوض سياسي تحسم الكثير من الإشكاليات على طريق الدولة المستقلة.