الأربعاء: 02/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

انياب الاستيطان تستهدف الاديرة التاريخية في محافظة سلفيت

نشر بتاريخ: 24/01/2024 ( آخر تحديث: 24/01/2024 الساعة: 09:09 )

الكاتب: عبد الله كميل

تُظهر إحصاءات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وجود حوالي 22 ألف موقع أثري في الأراضي الفلسطينية التي تعتبر مهدًا للديانات ومركزًا للحضارات، يُظهر العدد أيضًا الثراء التاريخي والثقافي والتراثي الهائل لهذه الأرض، وبحسب إحصائيات استندت لمسوحات بريطانية وإسرائيلية وفلسطينية منفصلة، بلغ عدد المواقع والمعالم الأثرية المنتشرة في الضفة الغربية أكثر من 7000 موقع ومعلم أثري تتوزع غالبيتها في مناطق ما يسمى "ج"، وهذا يجعلها مهددة بشكل كبير نظرًا لدعم الحكومة الإسرائيلية لرؤية الاستيطان التوسعية.

تبرز محافظة سلفيت كواحدة من أهم المناطق الغنية بالمواقع الاثرية في فلسطين، حيث يوجد بها حوالي 140 موقعًا أثريًا، تمتلك قيمة تاريخية ومعمارية كبيرة، وترتبط بحضارات مختلفة، ومعظم هذه المواقع تقع في المنطقة "ج"، وهو ما يمنع الفلسطينيين من إجراء عمليات ترميم وتحويل هذه المواقع إلى وجهات سياحية،هذا يعرضها لخطر الاندثار والتدمير والسرقة والتزويرمن قبل الاستيطان، خاصةً مع إعلانها مناطق عسكرية مغلقة أو أراضي دولة أو مناطق تدريب عسكري أو محميات طبيعية.

تحت سيطرة الاحتلال، تمنع القيود والتصنيفات العسكرية الفلسطينيين من الحفاظ على هذا التراث وتطويره ليصبح موروثًا سياحيًا يمكن الاستفادة منه، تقع بعض هذه المواقع خلف جدار الفصل العنصري أو تحت التهديد بالاندثار والتجريف بسبب مخططات الاستيطان والطرق المستخدمة لصالح المستوطنات، على سبيل المثال، مغارة النطافة التاريخية شمال بلدة الزاوية والتي كانت بمساحة حوالي 100 م مربع والتي دمرت تحت توسعات طرق المستوطنات اما خربة دير سمعان ودير قلعة تعتبر ضحايا لتوسع مخططات المستوطنات التي اخذت تحيط بهذه المواقع من اكثر من جانب، وعزل جزء كبير خلف الجدار مثل خربة كسفة غربدير بلوط، وخربة الشجرة في مدينة سلفيت،ويرى الخبراء أن هذا التهديد يجب أن يكون محل اهتمام دولي حيث يتعارض مع القانون الدولي الذي يحمي حقوق الشعوب في الحفاظ على تراثها وتاريخها.

أهمية موقع الاديرة التارخية في محافظة سلفيت

تكمن أهمية الأديرة التاريخية في موقعها الاستراتيجي على طول الطريق الروماني الذي كان يربط السهل الساحلي في فلسطين بالجبال الوسطى. ينطلق هذا الطريق من منطقة رأس العين على الساحل الفلسطيني، ويمتد عبر وادي دير بلوط، مروراً بدير دقلة ودير المير، ويتفرع باتجاه دير قلعة ودير سمعان، حيث يتفرع إلى اتجاهين، أحدهما يتجه نحو قرية عابود، والآخر نحو كفر الديك في سلفيت وصولاً إلى نابلس.

توزعت الأديرة على طول هذا الطريق، وارتفعت على رؤوس الجبال، مما منحها أبعاداً استراتيجية لأغراض المراقبة والسيطرة العسكرية. كانت هذه المواقع تشكل نقاطاً حيوية على هذا الطريق الحيوي، وكانت تستخدم لأغراض الرصد والسيطرة، مما يعكس أهمية استراتيجية تلك المناطق في العصور القديمة.

تزخر هذه الأديرة بتاريخ طويل وتعكس تأثير الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض. بفضل إطلالتها المميزة، كانت الأديرة تقدم للمراقبين والسكان إطلالة استثنائية، مما جعلها مواقع جذب سياحي وثقافي.

خارطة تظهر دير سمعان والأديرة المحيطة بها 1943

الاديرة في محافظة سلفيت:

ان تعدد المواقع الاثرية والتاريخية في اراضي محافظة سلفيت هي انعكاس للتراث والهوية الثقافية والحضارة ، ومن هذه المواقع الاثرية الغنية بالتفاصيل والقيمة التاريخية والمعمارية ، الاديرة التاريخية التي تحيط ببلدة ديربلوط والتي تتعرض لمحاولات التهويد والنهب والتزوير من قبل المستوطنين وحكومتهم اليمينية المتطرفة واهم هذه الاديرة:

إعادة تصور لدير سمعان

المصدر: عوني شوامرة، مختص في علم الآثار.

دير قلعة

دير المير

دير دقلة

دير سمعان: تقع على بعد 2 كم شرقًا من بلدة دير بلوط وغربًا من كفر الديك، مرتفعة بحوالي 360 مترًا عن سطح البحر، تمتد على مساحة 6 دونمات و75 مترًا. يعود توثيق وتسجيل هذا الموقع إلى المسح البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر، وحسب خبراء الاثار يعود الموقع الى الفترة الرومانية المتأخرة ثم البيزنطية ثم الفترة الإسلامية التي تمثلت في العهديدين الاموي والعباسي وفي الفترة اللاحقة استُخدم المكان كعزبة لأغراض الزارعة والرعي من قبل بعض العائلات الفلسطينية.

تتميز القلعة بشكل مستطيل يقدر أبعاده بحوالي (39 × 36.5) مترًا، وتطل على سهل دير بلوط، تحتوي على فناء مركزي، رصفت أرضيته بالفسيفساء، محاط بالعديد من الغرف وعناصر منحوتة في الصخور بشكل دقيق، مثل الأقواس والبرك. يعكس وجود بقايا أعمدة حجرية ونظام مياه معقد وبرك مياه وساعة شمسية تقنيات بناء متقدمة. كما كانت مجهزة بتحصينات وأبراج دفاعية لحماية الطريق الروماني الاستراتيجي.

دير قلعه: تقع على بُعد 2 كم شرق بلدة دير بلوط، ارتفاعها يصل إلى 368 مترًا عن سطح البحر، تمتد على مساحة تقدر بـ 17 دونمًا و 915 مترًا. يرجع تاريخ هذه القلعة حسب خبراء الاثار إلى القرنين السادس والسابع الميلاديين، ويُعتقد أنها شُيدت في عهد الإمبراطور "جوستنيان".

تحتوي القلعة على خزان مياه رئيسي يُعدُّ واحدًا من أكبر الخزانات في الفترة البيزنطية. يتميز هذا الخزان بعمق 15 مترًا ويتسع لخمسة آلاف متر مكعب من المياه. تحيط بالقلعة سور داخلي وآخر خارجي، وتتضمن طاقات في أعلى جدران الدير. يُلاحظ وجود أقواس وبرك منحوتة في الصخور داخل الساحة الداخلية، وسلسلة من الغرف والأرضيات الملونة والفسيفسائية. تتخلل القلعة قنوات مائية وصهاريج، وتضم معاصر لصنع العنب ومدافن. بُنيت القلعة بحجارة مُشذَّبة بعناية، تحمل عبق العصور القديمة.

دير المير: تقع على قمة التلة الشرقية الجنوبية لمدينة دير بلوط، على بعد حوالي 1 كم، مرتفعة نحو 340 مترًا عن سطح البحر. تقدم هذه القلعة إطلالة خلابة على سهل دير بلوط ووادي المنطقة، وتعد موقعًا أثريًا يعود تاريخه إلى الفترة الرومانية، مع وجود آثار إسلامية تظهر بوضوح. يميز الموقع وجود مبنى أثري إسلامي، يتألف من أربعة أقبية متقاطعة، يتمحور على ركائز تزيد عرضها عن متر واحد. تحيط بهذا المبنى آثار مقبرة إسلامية وكروم زيتون وآبار منحوتة في الصخر.

دير دقلة: تقع جنوب دير بلوط بمسافة تزيد عن 5 كم، تتربع قلعة "دير دقلة" الأثرية المطلة على الساحل الفلسطيني ومطار اللد. يزخر تاريخ هذه القلعة بالعديد من الفصول، حيث كانت حصنًا وقلعة ونقطة رصد استراتيجية ومركزًا للإمداد. يُعتبر اسم "دير دقلة" تحريفًا للكلمة الآرامية "ديقلي" بمعنى "النظر والمراقبة". تمتاز القلعة بآثار كنيسة وهياكل متهدمة، إلى جانب أقبية وجدران وبركة وصهاريج منحوتة في الصخر، تحتل الأرضيات مكانة خاصة بفضل فسيفسائهاا المرصوفة، ويظهر إلى الغرب منها معصرة زيتون تتمتع بأرضية مزخرفة بالفسيفساء، وأحواض ومدافن.

تشابه الاديرة

تتميز الأديرة الفلسطينية، بما فيها دير قلعة ودير سمعان ودير المير ودير دقلة، بضخامة الحجارة المستخدمة في بنيتها، وهي خاصية تحمل العديد من الدلالات،حيث تظهر ضخامة الحجارة كإشارة إلى طبيعة الصخور في الموقع الذي تم نحتها من أجل بناء المعابد، يعكس هذا النحت المعماري نمطًا يكثر في المواقع الأثرية في فلسطين، يُظهر النحت بالصخور نفسها، مما يشير إلى استخدامها لبناء المعابد. يعتبر هذا الأسلوب المعماري مناسبًا لتحمل الزلازل ومقاومة العوامل الجوية والزمن.

تشترك هذه الأديرة في مساحتها الكبيرة، حيث تم بناء أكثر من هيكل عليها، ويظهر ذلك بوضوح من خلال التنقيبات الأثرية، كما تشير المواقع الأربعة إلى أنه تم بناء معبد ضخم في كل منها، وظل استخدامه مستمرًا في العصور التالية، تمت إضافة عناصر جديدة تدريجيًا لتعويض الأجزاء المتضررة فوق القاعدة الصخرية الأساسية، في العصر الإسلامي، تم إعادة استخدام هذه الأديرة، خاصة في الفترة المملوكية، حيث تحولت إلى مباني زراعية وعزب لتربية الماشية والمزارعين، وتظهر مقابر إسلامية وكروم زيتون وآبار منحوتة في الصخور.

يظهر نصف الدائرة المخصصة للمذبح بشكل واضح، بالإضافة إلى الأرضية المغطاة بالفسيفساء، وهما خصائص أساسية في الكنائس، يتسع محيط العمران حول الكنيسة ليشمل المشاغل والمعاصر والحمامات وغيرها من المباني الرديفة، البرك كانت تستخدم في تصنيع الحجارة للبناء، وكانت لديها إدارة مخصصة لتشكيلها على شكل برك لتجميع مياه الأمطار وتخزينها للاستخدام خلال فصل الصيف. يعكس كل هذا التعقيد المعماري والاستخدام المتنوع للمواقع قيمتها الثقافية والتاريخية في إثراء تاريخ المنطقة.

مخططات استيطانية وقرارات مصادرة

يُظهر التوسع السريع للمستوطنات وإنشاء بؤر الاستيطان في محافظة سلفيت الجهود الجادة التي يبذلها المستوطنون بدعم من الحكومة الإسرائيلية لتحقيق هدف ديمغرافي جديد، يتمثل الهدف في السيطرة على مساحات أكبر من الأرض لضمان استمرارية التوسع المستقبلي للمستوطنات وربطها ببنية تحتية مستقلة، تشمل شبكات الطرق والكهرباء ونظم الصرف الصحي والمياه، وبنية تحتية تخدم الأغراض السكنية والصناعية والتعليمية والاثرية والزراعية .

تعددت قرارات الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الاديرة فكان هناك قرار في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2020 للاستيلاء على دير قلعه وديرسمعان ، وتم اصدار قرار جديد في أكتوبر 2023 وهو اخطار بوضع اليد على منطقة دير قلعه ، وفي 4-6-2023 نصب مستوطنون خياما في منطقة دير دقلة تمهيدا لانشاء بؤرة استيطانية، وتوسعت مستوطنة "ليشيم" لتصبح ديرسمعان داخل المستوطنة وجزء من مخططها وتحيطها من الشرق والغرب والشمال وقد تم البدء بالعمل في انشاء تلك المستوطنه عام 2010، وزحفت مستوطنة بدوئيل والتي أقيمت في عام 1983على دير قلعة لتصبح بمحاذتها تماما ، وتم إقامة حاجز عسكري على مدخل ديربلوط وبمحاذاه دير المير.

قرارات الاحتلال الإسرائيلي للاستيلاء على الأديرة، مثل دير قلعة ودير سمعان، تعكس استراتيجية متعمدة لتغيير التوازن الديمغرافي والجغرافي في المنطقة،يتم التركيز على إقامة بؤر الاستيطان وتكاملها في شبكة الاستيطان القائمة، مما يعني زيادة الضغط على المواقع الأثرية لضمان السيطرة عليها باحكام ، وتضمينها في مخططات المستوطنات، مما يجعلها تقوم بدور مهم في الربط بين تاريخ المنطقة وتاريخ المستوطنات. هذا النهج يعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويعيق وصول الفلسطينيين لرعاية أراضيهم ومواقعهم التاريخية.

التوسع الاستيطاني حول دير سمعان

خارطة لموقع دير قلعة

خطورة هذه السياسات تظهر في نهب الممتلكات والمحاولة المستمرة للاستيلاء على الأراضي المحيطة، مما يؤدي إلى انقطاع المزارعين عن أراضيهم وزيتونهم. يصعب وصول الفلسطينيين للأديرة بسبب هجمات المستوطنين، مما يؤثر على حركة السكان وحرية التنقل في هذه المناطق ويضعف الاقتصاد المحلي.

نهبٌ وتدمير وتزوير

منذ احتلال عام 1967، بدأت عمليات النهب والسرقة والتدمير للأديرة المحيطة بديربلوط. تم نقل قطع من الفسيفساء إلى متاحف إسرائيلية خلال عمليات التنقيب التي قام بها خبراء آثار إسرائيليين، حسب تقارير وتحقيقات صحفية فلسطينية سابقة. وتمت السرقة أيضًا للآثار والحجارة القديمة من تلك الأديرة ونقلها إلى داخل المستوطنات المجاورة، حيث تم استخدامها في بناء المنازل والمرافق العامة، بهدف محاولة إثبات وجود جذور تاريخية لتلك المستوطنات.

يتعمد الاحتلال، من خلال المرشدين السياحيين التابعين له، إرسال رسائل للوفود السياحية التي تزور المنطقة، يتم فيها الترويج للرواية الإسرائيلية. ويعزز ذلك من خلال توزيع كتيبات تحتوي على معلومات غير صحيحة تاريخية ودينية، إلى جانب تثبيت العديد من اللافتات التعريفية باللغة العبرية، تحتوي على مسميات يهودية.

الاديرة التاريخية والاتفاقيات الدولية :

ان اجراءات الاحتلال الاسرائيلي من تجريف وتخريب ومصادرة أو حتى تنقيبات أثرية في مواقع الاديرة الاربعة أو أي موقع أثري آخر يُعتبر خرقًا فاضحًا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتراث والممتلكات الثقافية الفلسطينية. تم الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل في اليونسكو في عام 2011، ومنحت فلسطين صفة مراقب غير عضو من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012. وقد انضمت فلسطين إلى عدد كبير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتراث الثقافي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 واتفاقية لاهاي 1954 والتي ركزت على ضرورة الحفاظ على الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، وإعلان اليونسكو العالمي لسنة 2001 حول حماية التنوع الثقافي ، كذلك اتفاقية اليونسكو في عام 1972م التي تعتبر من أهم التوصيات الدولية واشملها في مجال حفظ التراث الثقافي وحمايته.

ندعو المجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو ولجنة التراث العالمي والمنظمات الدولية إلى إدانة هذه الاعتداءات والضغط لوقفها وحماية الشعب الفلسطيني وتراثه من السياسات الإسرائيلية. يجب على إسرائيل الالتزام بالتزاماتها كقوة محتلة وفقًا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية. يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة لاتخاذ تدابير فورية لوقف التعدي على مواقع الأديرة في محافظة سلفيت ووقف تدميرها ونهبها وسرقة التراث الفلسطيني باعتباره جزءًا من التراث الإنساني يجب حمايته.

على الرغم من كل وسائل التضييق، يظل أبناء الشعب الفلسطيني متمسكين بأرضهم، ممثلين وحملة لتاريخهم وهويتهم. يستمر الفلسطينيون في التمسك بأرضهم رغم كل الظروف، لأنها جزء من ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. الاحتلال يسعى إلى تغيير الواقع من خلال مصادرة المواقع والمعالم الآثرية الفلسطينية، ولكن التاريخ لا يمكن تغييره أو محوه.