الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجزيرة كحل .. تدهور عام في كل شيء

نشر بتاريخ: 25/01/2024 ( آخر تحديث: 25/01/2024 الساعة: 10:01 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

نقل الفلسطينيين الى جزيرة اصطناعية في البحر المتوسط و السيطرةعليهم، هي فكرة لم تعد مغرية لفيلم سنيمائي او رواية او حتى منتزعة من اساطير اغريقية او غيرها.

قذف الفلسطينيين في مناطق نائية او معزولة كانهم اشرار او جذامى او مدانين فكرة تخرج عن كونها فكرة عقاب الى نفي للحوار او التعايش او الاعتراف او حتى الاقتراب.

إبعاد الفلسطينيين هي الفكرة الاسهل التي مارسها الاسرائيلي بحق الفلسطينيين لمدة طويلة من الزمن و ما يزال.

الابعاد كعقوبة تشبه النفي او نفي يشبه الموت، و كأن الاسرائيلي اليهودي ـللاسف الشديدـ يعيد اليهم تاريخه مقلوباً و مريراً و مالحاً و كالحاً او كل ذلك، في ترجمة فريدة لما قاله الشاعر الراحل مظفر النواب ان الفلسطينيين تحولوا الى يهود التاريخ.

ان فكرة الابعاد او العزل او الانعزال في زنزانة او في قطاع او في قرى مسورة بالمكعبات او السواتر او البوابات او في سجون مغلقة او مفتوحة او في جزر طبيعية او صناعية او النفي بعيدا عن البيت و الوطن ، كل ذلك تم تجريبه و معايشته و لم يؤد الا الى زيادة الحنين و تراكم الغضب و انفجار البراكين .

الابعاد و النفي و الفقد و الثكل ليست حلولا ابدا ، فكل ذلك سيزيد من روعة البيت و القه و دفئه و ضرورة العودة اليه و اصلاحه مهما كان مدمرا ، فغياب البيت ادعى لحضوره ، و البعد عنه يجعله جنة مفقودة لا بد من العودة اليه ، الابعاد حتى لو كان في جزيرة جناء حكم بالموت على الانسان ، لان فيه خيانة التخلي عن الذات و الهوية ، و بناء ذات اخرى و هوية اخرى في مكان لا يشبههما ولا يتألف معهما ، المكان الاخر مهما كان لا يمكن له ان يخلق في الوجدان ذاتا اخرى ، و اختراع جزيرة للحل او العقاب او التخلص من الصراع و تبعاته ، و بعيدا عن كونه استهتارا و احتقارا و استصغارا لكل شيء الا ان هذا الحل القائم على الغطرسة و القوة و الوقاحة فهو يعكس ايضا عدم الرغبة في الحوار او الاعتراف بالواقع .

انه حل اشبه بالاحلام الصبيانية او احلام اليقظة التي تعتقد ان الجن قادرون على حل كل الاشياء ، هو حل يخلو من الديبلوماسية او حتى احترام المشاعر الانسانية او قراءة الوقائع التاريخية و المتغيرات السياسية و التوازنات الجيوسياسية ، و هو حل يعتقد ان الشعب الفلسطيني ليس له علاقة روحية بأرضه اولا ، و انه شعب عملي يبحث عن مصالحه ثانيا ، و انه شعب يخاف من التحديات ثالثا ، و انه يهرب في حالة الخوف او الاغراء او كليهما ، بمعنى اخر ان هذا الحل هو حل يحول الشعب الفلسطيني او يفترض انه مجرد جماعات لا وشائج بين مكوناته او بينه و بين ترابه و تاريخه و مستقبله ، الجزيرة تبدو هنا و كأنها بديل ارضي و مصالح انية و ملاجئ ايواء لخائفيين او جذامى او مطرودين .

هذا حل مضحك ، اسرائيل هي وحدها الخاسرة فيه ، لانها و بعد 75 سنة تصطدم بالواقع الذي حاولت فيه طيلة الوقت ان لا تراه او لا تتعامل معه كما يجب او كما ينبغي .

لا يمكن اغماض العين عن شعب كامل ، و التعامل معه كأنه غير مرئي او انه مجموعة افراد او ظلال او جماعات مفككة بلا حقوق و بلا رواية و بلا تاريخ وبلا جذور و بلا مستقبل .

الجزيرة هنا حل يلخص هذا الجنون و هذا الانفصام عن الواقع ، و يكرس الرؤية الاحتلالية القديمة الجديدة التي اثبتت انها لم تنجح حتى الان الا في المزيد من تعميق الصراع .

الابعاد الى جزيرة في عرض البحر لا يضع نهاية للصراع ابدا ، و بعيدا عن فنتازيا الحل الذي يبدو و كأنه درامي و ليس سياسي ، الا ان فكرة الحل القائم على الحياة في جزيرة العقاب هذه او مستنوطنة العقاب و هي احدى عناوين قصص كافكا الغرائبية ، انما يعني التحضير لجولة اشد و انكى .

غني عن القول ان حل الجزيرة هو تعبير حقيقي عن الافلاس السياسي و الفكري و غياب اللاعبيين الدوليين المؤثرين اصحاب الرؤى و الافاق ، و ضعف الاقليم و غيابه و انحدار في كل شيء ، ان الحديث عن حل يقوم على جزيرة في مؤتمر عالمي من هذا النوع انما هو تعبير فعلي عن تدهور حقيقي في كل شيء .