الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

متلازمة تقديم المشكلة بوصفها الحل

نشر بتاريخ: 29/01/2024 ( آخر تحديث: 29/01/2024 الساعة: 21:17 )

الكاتب: عدي ابو كرش

ينهمك الكثيرون في هذه الأيام في البحث عن إجابة لسؤال، ما هو شكل اليوم التالي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويحاول الكثير منهم اجترار الإجابة على هذا السؤال بالدوران في فلك تجارب عربية، ودولية وتصور أنماط حكم وأشكال قيادة، وإجراءات وترتيبات بالقفز على الواقع الجديد الذي خلقته أحداث السابع من أكتوبر، وما تلاها من عدوان لم يتوقف حتى هذه اللحظة.

وبظني أن الدوران في ذلك الفلك يؤسس لمجموعة من القفزات المتعالية على الواقع والمجافية لفهم جذور التفجير التي تراكمت عبر سنوات من انسداد الأفق السياسي، أولاها تقوض فكرة وحلم بناء دولة فلسطينية وفقاً للشرعية الدولية وتراجع الأمل المتعلق بذلك نتيجة لعدم جدية الحكومات الإسرائيلية التي تداول نتنياهو رئاستها بينه وبين نفسه على مدار عقود، رافضاً خلالها الانخراط في أي عملية سياسية تفضي الى ترجمة الشرعية الدولية على أرض الواقع، وما رافق ذلك من تساوق دولي غير محدود ضارباً بعرض الحائط كافة القرارات الدولية، والأممية ذات الشأن.

كما أن هذا الدورات يؤسس لفرضية أن الحرب القائمة هي حرب على قطاع غزة، وفي واقع الأمر فان أي منا لا يستطيع انكار أن أحد فصول هذه الحرب فقط، يقع في قطاع غزة، وإنها لم تتوقف في الضفة الغربية بما فيها القدس منذ سنوات، وان كانت أقل حدة، وأقل وقعاً على مسامع العالم.

وارى بان القفزة الكبيرة على الواقع، هي الاعتقاد بأن الانقسام الفلسطيني لم يترك اثاراً عميقة غيبت نصف الشعب عن نصفه الاخر، وأوجد مصائر مختلفة لكل من المكونين الفلسطينيين، وعطل المشاركة السياسية لمكونات تشكل ثلثي الشعب الفلسطيني بشكل كامل واحتكر الفعل السياسي على نخب محددة، منتجة تفكيك لجمعانية الوجهة الفلسطينية وتصورات المصير والمستقبل المشترك.

لا زال الدائرون في مدار الاجترار يعانون من رهاب البحث في جوهر الموضوعات من حيث دوافعها وأسبابها والاستعاضة عنها بالبحث في عوارضها محاولين تقديم المشكلة بوصفه الحل، ويأتي في هذا الاطار اجترار سيناريو ما بعد الانتفاضة الثانية، وتلفيقه بوصفه حلاً لما بعد أحداث أكتوبر، الى حد اجترار ذات الأسماء، ومحاولة تلفيق حلولاً أمنية واقتصادية- على أهميتها- على احتياجات الاستقلال والدولة، واستبدال مطالب الاصلاح الفلسطينية بمطالب الإصلاح الأمريكية وتقديمها على أنها من ذات المنبع.

انني لا أرى بداً من طرح الأسئلة الصعبة في الأوقات الصعبة بشأن الإصلاح الوطني الذي لا يجب التغافل عنه كمدخل للاستقلال والدولة، واستعادة وحدانية التمثيل، ويتمثل أولاها في اصلاح منظمة التحرير وتعزيز تمثيلها للفواعل الفلسطينية المختلفة، وتشبيب قيادتها، ومراجعة أدوات التمثيل فيها.

فيما يأتي سؤالي الاخر، في ظل فقدان معظم أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية مصادر دخلهم، ولم يثبت على أي موظف حكومي استلامه لراتبه كاملاً منذ سنوات، فيما لا يزال أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعانون من حصار امتد لحوالي عقدين من الزمن، كلل بمذبحة لم يشهد لها التاريخ الحديث لها مثيلاً، يأتي سؤالي أي أحداث أكثر مما هو حاصل اليوم ومنذ ما يقارب الأربعة شهور، يستدعي تشكيل حكومة طوارئ من شأنها إدارة الشأن الفلسطيني استناداً الى المتغيرات الحالية، وتكون قادرة على التعامل مع متغيرات الواقع الاقتصادي والسياسي الفلسطيني؟

علاوة على ذلك، شهدنا على مدار الشهور الأربعة المنصرمة فاعلية كبيرة لعدد من السفراء، ممن استطاعوا التأثير في الرواية العالمية، وساهموا بشكل جدي في إعادة بلورة مكانة القضية الفلسطينية فيما تلا العدوان على قطاع غزة، وكان من بين صفاتهم المشتركة أنهم ينتمون لأجيال محدثِة في التمثيل الفلسطيني، غير أننا شهدنا تواري الغالبية العظمى منهم/ن عن الانظار، وقد يكون مرد ذلك اما لعدم قدرتهم/ن على جذب تلك الأنظار، او لعدم قدرتهم/ن على الصمود أمامها، وفي الحالتين فان السؤال المتعلق بفاعلية التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في العالم- الذي لم نشهد عليه تغيير عضوي على مدار سنوات- يطرح نفسه ضمن قائمة من الأسئلة التي لا يمكن حصرها في هذا المقام.

من جهة أخرى وعلى صعيد المجتمعات المحلية، شهد المجتمع الفلسطيني اقالة لغالبية عظمى من المحافظين، الشيء الذي حظي بتقدير كبير، غير أن انتظار البدائل طال الى حد الطي، فهل لا زالت القيادة الفلسطينية عاجزة عن إيجاد البدائل أم انها خلصت بأن الأصيل، والبديل لا يشكلون أي فارق في هذه المعركة المحتدمة فغضت النظر عن شغور المناصب، أم أن متلازمة التأجيل صارت نمطاً في الفعل السياسي والإداري الفلسطيني؟

وعود على بدء، فانني أعتقد ان سؤال اليوم التالي- للحرب على غزة- في غزة هو ليس السؤال الذي يجب يطرح، بل أن سؤال شكل اليوم التالي للحرب- على غزة- في فلسطين هو الأوجه.