الإثنين: 06/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

اليوم التالي للحرب.. الأيتام مثلا

نشر بتاريخ: 02/02/2024 ( آخر تحديث: 02/02/2024 الساعة: 11:52 )

الكاتب: عواد الجعفري

ينشغل الجميع تقريبا باليوم التالي للحرب العدوانية على قطاع غزة الفقير والمحاصر.

القريب والبعيد يفكر في هذا اليوم من منطلق مصالحه وليس بالضرورة من منطلق مصلحة الشعب الفلسطيني المكلوم في غزة، فترى أن إسرائيل وحلفاءها يضعون السيناريوهات بشأن شكل حكم غزة بعد الحرب.

وبعض الفلسطينيين والعرب ربما فكر في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.

ولكن ماذا عن الإنسان؟ ماذا عن إعادة إعمار الإنسان الذي واجه ما لم يواجهه بشر في عهد الأولين ولا الآخرين: حصار شديد القسوة منذ 18 عاما، و6 حروب، لا تزال أحدثها مستمرة ولا يعرف أحد متى ستنتهي.

ولعل أبرز من سيحمل ندوب هذه الحرب في قلبه وربما على جسده أبد الدهر هم الأيتام، الذين سيواصلون رحلة الحياة بلا أمان الأب أو حنان الأم أو من دونهما جميعا.

لماذا لا نفكر بطريقة ما بمساعدة هؤلاء؟ ألا يستحقون دعما، كما يستحق الحجر الموعود بإعادة الإعمار.

نقول ذلك لأن عدد الأيتام في هذه الحرب فاق كل الذين تيتموا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في حروبها المتكررة على غزة.

لا توجد أرقام رسمية تقدر أعداد الأيتام في غزة على نحو إجمالي، لكن هناك تقديرات منها ما يفيد بوجود 33 ألف يتيم في غزة قبل الحرب بحسب منظمة "هيومان أبيل" الخيرية، أما خلال العدوان المستمر على القطاع فقد أكثر من 25 ألف طفل فلسطيني أحد الوالدين أو كليهما، بحسب ما ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، نهاية يناير الماضي. الحرب لم تضع أوزارها بعد، والرقم مرشح للارتفاع للأسف (وربما للانخفاض مع استمرار الإبادة الإسرائيلية التي تستهدف السكان جميعهم بمن فيهم الأطفال).

وذكرت منظمة قرى الأطفال SOS التي تدعم حاليا أكثر من 5 آلاف طفل وشاب وعائلة في قرية الأطفال برفح، أنه يصعب حصر أعداد الأيتام بسبب الحرب وتعذر تتبع عائلات الأطفال وجمع أرقام عنها، فضلا عن صعوبة تحرك طواقم المؤسسات الإنسانية، بمن فيها طاقم قرى الأطفال.

بالطبع، هناك منظمات تعمل في رعاية هؤلاء، لكن هذه الحرب أقسى من كل الحروب السابقة، والطاقة الاستيعابية لهذه المنظمات لا تتحمل بلا ريب الأعداد الكبيرة من الأيتام المذكورة آنفا، علما بأن هناك 4 دور رعاية فقط كانت تعمل في غزة قبل الحرب، وفق تقارير إعلامية، والأمر يفوق أيضا قدرات أقاربهم مع حجم الدمار الواسع وأعداد الشهداء المتزايدة.

الأفكار الأولية هي أن تكون عملية دعم الأيتام في غزة منظمة، وليست مجرد هبة عاطفية سرعان ما تتلاشى، كأن يجري إعداد صندوق لدعم هؤلاء لكن ليس على طريقة صناديق تبرعات ذهبت بها إلى غير مستحقيها، فضلا عن وضع خطط لكيفية تدريس هؤلاء اليتامى وتأمين المأوى والملبس والمأكل لهم.

وربما يكون من المفيد أن يكون لدار الرعاية دخل يعمل على تمويل نفقاتها، فهذا يضمن الاستدامة.

ولعل من المفيد للمؤسسات الخيرية والشخصيات المشهود لها بالكفاءة والأمانة أن تتعاون لتشكيل هيئة تنسيق عمل فيما بينها لهذا الغرض.

إن وجود خطة أو ورقة عمل سيسهل العمل بمجرد انتهاء الحرب، ذلك أن ألما آخر سيبدأ بالظهور مع صمت المدافع وتوقف ضجيج القلاع الطائرة وأزيز الرصاص، فهذا كله يحجب كثيرا مما خسره وضحّى به أهل أغزة.

ربما يأتي أحد ويصرّح ما الفائدة من هذا الكلام والحرب لا تزال مشتعلة؟ الرد ببساطة هو أن الشجرة تبدأ ببذرة ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فعلى المنظمات الخيرية أن تبدأ بالتفكير لوضع خطط وتصورات لمساعدة هؤلاء.

انظر إلى الإسرائيليين ومراكز أبحاثهم، فلقد أشبعوا موضوع اليوم التالي للحرب على غزة بحثا (طبعا من وجهة نظرهم هم وما يهمهم)، ولم تنفجر في وجههم أحاديث بأن "هذا حديث سابق لأوانه".

نقول إن دعم الأيتام مهم، لأنه يأتي ضمن دعم صمود أبناء شعبنا في غزة، ولأن غالبيتهم من الأطفال واليافعين.

إذا أراد الفلسطينيون، قبل العرب أن يثبت أهل غزة في أرضهم، فهذا يحتاج إلى نقدم لهم سبل الصمود، وما دون ذلك كلام فارغ.

يراهن البعض على "الآخر" هو الذي سيساعد أيتام غزة. مَن هو الآخر لا حد يعرف، فقد يكون دولة عربية تارة وقد يكون دولة غربية تارة أخرى وهكذا.

هذه المراهنة في غير محلها، فالدول ليست جمعيات خيرية ولها أولويات لا تتفق بالضرورة مع احتياجات الفلسطينيين، ولذلك فإن مبدأ الاعتماد على الذات بالغ الأهمية.

يحسب البعض أن وقف إطلاق النار وغياب مشاهد الدمار عن الشاشات والتفات وسائل الإعلام إلى أخبار أخرى على كوكبنا يعني نهاية الحرب. لا يا سادة. إن تداعيات هذه الحرب ستستمر سنوات طويلة إن لم تكن عقودا، وسترافق الأيتام أكثر من غيرهم.