الكاتب:
سامي مشعشع
فى معرض رده على سؤال "هل هناك شيء كان بإمكان الاونروا القيام به بشكل مختلف (فى غزة)؟
اجاب المفوض العام فيليب لازاريني : "لا أعرف. هل ندفع ثمن رفع صوتنا في لفت الانتباه إلى محنة الناس في غزة، وإلى هذه الكارثة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا؟ ربما يكون هذا قد ساهم في توجيه الانتقادات أو تسريعها أو تضخيمها".
انضممت للاونروا عام ١٩٩١، وعملت مع فيليب لازاريني قرابة سنوات ثلاث كناطق رسمي للوكالة ومشرفا على مكاتب اعلامها ودائرة الاتصال والتواصل فيها، وادرك تماما الضغط الذي يرزح تحته المفوض من سلطات الكيان المختلفة والضغط "الناعم/القاسي والهادئ/الصارخ) من قبل الدول المانحة للاونروا وخصوصا امريكا وغيرها من "اصدقاء" الاونروا [والمثل يقول احذر عذوك مرة واحذر اصدقائك الف مرة].
وكجزء من هذه الضغوط المدروسة جاءت تصريحات نتنياهو بضرورة القضاء على الاونروا "كاملة" وليس فقط فى غزة، وتبعها بالأمس تصريح جلعاد أردان مندوب الكيان لدى الأمم المتحدة بأنه "يجب القضاء على الاونروا الان والى الابد". وتبعتها التوصية من كبار الضباط لرئيس هيئة اركان جيش الاحتلال بضرورة تخفيف حدة الهجوم على الاونروا لان لا بديل واقعي لها حاليا (بمعنى لنقضي عليها لاحقا "بعد الحرب" ولحين ان نجد لها بدائل اما اممية او إقليمية او محلية او "كوكتيل" من هذه المؤسسات).
وتتواصل الضغوط عبر تصريحات ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بضرورة ادخال تغييرات جوهرية فى عمل واداء الاونروا وهو موقف رددته كالخراف والببغاوات عديد الدول الاخرى ولسان حالهم يقول "سنرجع التمويل الزهيد لكم لكي نضمن توفيركم للخدمات للاجئين ولكى نبقيهم على خط الفقر وأقل بقليل بينما نستمر بضخ مليارات الدولارات لتأمين القنابل والذخائر الملقاة على غزة ولكي نبقى على خط الدعم البري من دولا بالخليج للكيان"!
رجوعاً لإجابة المفوض على السؤال أعلاه اقول ان الهجمة الجديدة على الوكالة هى ليست الاولى ولكنها الاشد ونعم جاءت بسبب تواجد الوكالة وخدماتها (على شحها) وبسبب تقاريرها الأممية حول ما يحدث بالقطاع. واذا كانت هكذا نيتهم وتصريحاتهم وأفعالهم ضد الاونروا يبقى العمل الديبلوماسي ووراء الكواليس لدفع هذا الهجوم المسعور غير ذي نفع.
قتل ١٥٢ عامل أمم متحدة يعملون لدى الاونروا وجاء "الزعل" من الامين العام ومسؤولي الأمم المتحدة ومن كبار متبرعي الاونروا "مهذبا" و "عاتبا " و "مستهجنا" بينما سببت تهم ضبابية وغير مثبتة ضد ١٢ موظف للوكالة "رعبا وهلعا" وتسببت بطرد سريع لهولاء الموظفين وتحقيقات وبيانات استنكار وكأن السماء أطبقت على ألأرض. وتم قصف ١٤٧ منشأة تابعة للوكالة تأوي مئات الألاف من النازحين واستشهد داخلها العشرات وكل ما فعلته مؤسسات العالم الدولية هو "الحوقلة" و ضرب اليد على اليد كتعبير عن قلة الحيلة وترسخ ازدواجية المعايير وان دم طرف اكثر احمرارا من طرف اخر.
انها حرب مفتوحة ومسعورة على اللاجئين وعلى الاونروا.
انهم يقولون نهارا جهارا بانهم يريدوا القضاء على الاونروا ومن تمثل وماذا تمثل.
وعارنا ان من يتحدث باسم اللاجئين من بين صفوفنا كلاجئين لا يستطيع الا الندب والاستنكار والحوقلة! اذن على الوكالة وعلى المفوض ان تخلع القفاز الحريري وترفع عاليا صوتها الاعلامي والدبلوماسي والعملياتي والحقوقي لأعلى المستويات مطالبة بالتحقيق (وبصراحة لا حاجة له) ومعاقبة الكيان على القصف والقتل المدروس وعن سابق إصرار وترصد لمنشاتها والفرض عليها دفع تعويضات مالية كاملة. وثانيا الاونروا عليها الإصرار على محاسبة الكيان على ابادة ١٥٢ موظف اممي فلسطيني وعائلاتهم (ووالله لو كانوا غير فلسطينيين لقامت الدنيا ولم تقعد). وثالثا "ازعاج وارهاق العالم" بأسره ليل نهار بان اهل غرة يموتون جوعا ولغياب العلاج وان الوكالة بقدراتها اللوجستية والبشرية والخبراتية تستطيع انقاذهم وان على المساعدات ان تدخل فورا وبدون اعاقات.
هناك دور ومكانة ورمزية كبيرة لمنصب وشخص المفوض العام اذ يقف على رأس اكبر موسسة أممية وبسجل قوي فى تقديم الخدمات الطارئة والمنقذة للحياة امتدت لعقود.
عزيزي المفوض العام:
انهم يقتلوهم بالجملة وانهم يدمرون البشر والحيوان والحجر . ولم يتبقى من غرة الا الاطلال واناس شجعان، اصحاب عزة وكرامة وجباه مرفوعة ويعرفون كيف يجابهون ويدافعون عن حقهم بالحياة والحرية ولكن عندما يتعلق الأمر بالأمم المتحدة يتطلعون ليس للامين العام ولا لمنسق الشؤون الانسانية ولا لمنسقة اعادة البناء والمساعدات الانسانية المعينة قبل اسابيع ولا الى اليونيسيف ولا الصليب الأحمر .. انهم ينتظرون دورا كاسحا شاملا من المؤسسة التى رافقتهم على مدى سبعة عقود.
انهم ينظرون اليك كصوتا امميا يقف على راس وكالة تمثل نكبتهم الاولى وشاهدة على النكبة الثانية التى تتجلى أمام اعيننا بكل دقيقة وانك تقف على رأس موسسة تمثل حق العودة.
إنهم ينتظرون منك ان تقول للكيان: كفى وان تؤكد بان الوكالة "بعد الحرب" باقية.
لقد صوتت ١٥٧ دولة لتجديد وكالة الاونروا بديسمبر ٢٠٢٢ وحتى منتصف ٢٠٢٦ ودولة الكيان صوتت ضد.
قل لهم وللجميع بان الوكالة باقية فى كافة مناطق عملياتها وحتى يتم اعادة بناء غزة من جديد، وحتى تحل قضية اللاجئين حلا عادلا شاملا وحتى تحقيق حق العودة.
قل لهم انك باق على رأس عملك وانك سترد الصاع صاعين.
لا شيء تخسره.
لا شيء نخسره.