الكاتب: برهان السعدي
أتساءل، وكل متابع للمشهد في غزة، وتصريحات قيادة الاحتلال يحق له أن يتساءل. بعيدا عن عواطف الفلسطيني التي يحكمها مسار واحد، مادام الشخص منتميا لفلسطينيته وعروبته وإنسانيته، فمن الطبيعي أن يقف وجدانيا مناهضا للعدوان والمجازر بحق المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن.
وزير الأمن الإسرائيلي، غالانت، والذي تطلَق عليه ترجمة خاطئة "وزير الدفاع"، حيث لا وجود لوزارة دفاع في إسرائيل منذ بداية قيامها على أنقاض مدننا وقرانا الفلسطينية عام 1948م، إنما منهجية تفكيرهم ومحددات سلوكهم هو "بعبع الأمن"، ففي قاموسهم إطلاق تحية وبشكل عفوي نحو الآخر يحكمها بعد أمني، فالأمن لدى دولة الاحتلال بمجمل مركباتها هو وِسْواس ينطلق من عقدة كاذبة اسمها مسادة، نسبة إلى قلعة توجد جنوب البحر الميت حسب مزاعم الرواية الصهيونية التي لا تستند إلى حقيقة تاريخية، وهذا ليس بيت القصيد، إنما تصريحات وزير جيشهم في مؤتمر صحفي يؤكد أنهم حققوا إنجازات كبيرة في حربهم على غزة، وبقي وسط مدينة خانيونس، التي ممكن أن يحققوا اجتياحه خلال أسبوع، وأن معظم كتائب القسام قد أبيدت، وأن السنوار مختبئ وغير متصل مع أفراده، وأنه لا يدير المعركة في غزة. ونحن كمتابعين لا نملك تصديق أو تكذيب هذه التصريحات، لكننا نملك أن نقدر الموقف من خلال الإعلام العبري صحافة وقنوات تلفزة وتصريحات رئيس الحكومة نتنياهو وقادة وجنود إسرائيليين عادوا من ساحة القتال في غزة.
فتصريحات الوزير غالانت قبل أسابيع من الآن أكد أنه تم تطهير شمال غزة من مقاتلي حماس، وأنهم سينتقلون إلى وسط قطاع غزة، وأنهم على وشك الإجهاز على قدرات حماس القتالية. في حين يؤكد نتنياهو أن الانتصار المطلق على حماس وتفكيك قدراتها العسكرية بحاجة إلى عدة أشهر، وتفيد تصريحات غالانت أن هذا الأمر بحاجة إلى عام أو عامين. وبعد دخول الشهر الخامس من الحرب على غزة، نجد المعارك الضارية وبوتيرة متزايدة في شمال غزة، وتأكيد الوزير الإسرائيلي أن جيشهم سيقاتل على جبهة شمال غزة وخانيونس وجنوب غزة. بمعنى أن شيئا لم يتغير على حلبة القتال، سوى في أشكال إدارة المعارك. فإذا كان سلاح الجو الإسرائيلي بأحدث القاذفات الأمريكية المتطورة، وأحدث الصواريخ الفتاكة، وأحدث الدبابات في العالم لم يحسم نتيجة القتال مع مجموعات من المسلحين في مساحة جغرافية محددة وتشهد أكبر كثافة سكانية في العالم، فمن البديهي أن يبرز السؤال: ما السبب؟؟ هل هو قوة تقنية متطورة يمتلكها مسلحون في غزة تواجه آلة حرب إسرائيلية فتاكة ومدمرة؟؟!! وهل عدم وجود قيادة متواصلة مع مسلحيها في غزة يمكن أن يحقق نتائج كهذه؟؟!!
وإذا كان هؤلاء مجرد أفراد هائمين بأسلحتهم، يبحثون عن مخبأ ليحتموا به من نيران أسلحة الحرب الإسرائيلية، فلماذا الخوف من إيصال مساعدات إنسانية للنازحين الذي أُجبروا على ترك منازلهم وأحيائهم ويعيشون القلق المتواصل من جراء ملاحقة الطيران والدبابات والرشاشات والمدافع الإسرائيلية لهم في خيام لا تقيهم مطر الشتاء والبرد القارص ولا يملكون رغيف خبز أو شربة ماء ويواجهون صعوبة في قضاء حاجة لهم أو لنسائهم؟!
وكما يقول الوزير غالانت فإن مقاتلي حماس يتواجدون في أنفاق تصل 40 مترا على حد قوله في المؤتمر الصحفي، فلماذا لا يختصر الجيش الإسرائيلي المسافة الزمنية وتوفير خسائره المتزايدة ويصل إلى الهدف مباشرة الذي حدده في مركز خانيونس، الذي يؤكد أن قيادة حماس والأسرى الإسرائيليين متواجدون فيه.
وأمام التناقضات في تصريحات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وتناقضها أيضا مع ما يجري في ساحات القتال في معظم مناطق قطاع غزة، حيث يقولون إنهم استولوا على قطاع معين، وتم تصفية المسلحين أو المقاومين فيه من حماس، وبعدها مباشرة نجد اشتباكات وتفجيرات وخسائر، فهل هي الدون كيشوتية وحرب طواحين الهواء، أم معارك حقيقية؟؟!!
والسؤال الآن، وحسب قراءة خارطة التفكير لدى طرفي القتال غير المتناظرين في غزة، ماذا لو شاهدنا ظهورا إعلاميا لأحد قيادات حماس أو الناطق باسمها في شمال غزة، أو إذا شاهدنا السنوار أو أحدا من البارزين من قيادة حماس في منطقة غلاف غزة أو أية منطقة إسرائيلية لا تنخرط في المعارك القائمة؟! مؤكد أن الجواب لا يحتاج إلى قدح زناد الفكر.
بكلمة، إن الحرب هي الصوت المرتفع للسياسة، فلها أهداف رئيسية واضحة، وينبثق عنها أهداف ثانوية، والأهداف رياضيا وفيزيائيا لها وزن ومقياس، لقياس النتائج، بدلا أن تكون هلامية. والهدف المرفوع منذ البداية إنهاء حماس، فحماس ليست مجرد أشخاص يحملون سلاحا أو لهم دشم عسكرية ومنصات إطلاق، هي جماعات بشرية تمتد في فلسطين وخارج فلسطين، بفكر وعقيدة، وعليه لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بقتل كل من يحمل هذا الفكر والعقيدة والثقافة، وتحقيق ذلك بحاجة إلى عقود من الزمن مع استمرار مجازر جماعية وفردية في الوطن العربي بجميع أقطاره، ومعظم دول العالم.
واختصارا للوقت الضائع، إما أن يكون شعار إسرائيل لا تعايش في هذا الوطن لشعبين، فإما للإسرائيليين أو الفلسطينيين، وبهذا تكون حربكم واضحة بأهدافها، أو أن تقولوا يمكن التعايش مع أصحاب الأرض الشرعيين الأصليين الذين يصرون على التمسك بوطنهم مهما بلغ حد القتل فيهم، فيكون الحل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وحرة بجانب الدولة المقامة قسرا بقرار ودعم أممي، وتستمد وجودها بدعم أمريكي.