الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين الاستراتيجيات ومسارات الحلول المؤقتة، النتيجة سياسات تراكمية أنتقائية

نشر بتاريخ: 10/02/2024 ( آخر تحديث: 10/02/2024 الساعة: 20:20 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي



- عودة على بدء نظرية نشؤ الدولة ،،،
الخلافات الأمريكية مع حكومة الأحتلال تنحصر في مدى تأثير إجراءات الحكومة هذه على استراتيجيات السياسة الأمريكية بالمنطقة . فالولايات المتحدة لم تعترض على عدوان الابادة منذ البدايات ، بل وسهلت بشراكة عسكرية وامنية وسياسية واقتصادية واضحة تنفيذه ولم تعمل على وقف اطلاق النار بل اسقطت كل مشاريع القرارات حول ذلك. الان بمجرد التحولات الجارية بالرأى العام الأمريكي والعالمي ومدى تأثيرها على مستقبل العجوز بايدن وحزبه الديمقراطي ، تتحرك بطرق خبيثة الدبلوماسية الأمريكية وفق سرابات جديدة وتختلف مع حكومة الأحتلال ( الائتلاف) من أجل مصالح امريكيا بالمنطقة ومحاولة الضغط على تغيير حكومة نتنياهو .
بالأصل قامت الولايات المتحدة على جرائم التطهير العرقي لأصحاب الأرض الأصليين ، حربها الأهلية بين الشمال والجنوب قامت على أساس ديني من الخلافات في تفسيرات الإنجيل وفق رؤيتهم ، تمددت لاحقا في حروب ضد الشعوب خارج اراضيها ، سيطر الفكر الصهيوني المسيحي الذي تأثر برؤية الانجيليين على توجهات الحزبين فيها واختلاق رؤية خاصة بهم للتبرير المزعوم لحق اليهود باعتبارهم "شعب" له حق تقرير المصير على حساب حقنا نحن الفلسطينين .
كُتبَ فيها وعد بلفور اساساً الذي أعلنته بريطانيا لاحقا ، كما نشأ فيها المحافظين الجدد اصلاً من رحم الحزب الديمقراطي هنالك "حزب بايدن" ، توحشت بفكرها الرأسمالي وتطورت هيمنتها بفعل استنباط الليبرالية الجديدة بين ريغن وتاتشر ، حتى أصبح يحكمها أصحاب مجمعات الصناعات العسكرية الذين يتحكمون بأعضاء الكونغرس كمجلس إدارة شركة احتكارية لتجارة الأسلحة من كلا الحزبين لاثارة الحروب والانقلابات حول العالم .

- عقلية الهيمنة ،،
فالولايات المتحدة تصر ان
تعتمد عقلية الهيمنة المتوحشة في جولات دبلوماسيها وعلاقاتها الدولية للضغط باتجاه مشاريع لا تحقق السلم والأمن الدوليين ولا التنمية الاقتصادية للشعوب وتعتمد الحلول الأمنية والالتفاف على حقوق الشعوب بما يخدم فقط رؤيتها الجيوسياسية التي تسعى الآن لها في محاولة لتغير خريطة المنطقة في الشرق الأوسط "الشرق الأوسط الجديد" ، كما في مناطق اخرى بالعالم كشرق المتوسط ، البلقان ، القوقاز وأمريكيا الجنوبية وأوراَسيا ، في إطار صراعها الذي تراه هي مع روسيا والصين ومجمل الحضارة الشرقية عموماً .

وبرعايتها لاتفاقيات اقليمية فهي لا تخدم سوى تشجيع سياسة إسرائيل الكولنيالية بالاستيطان وضم أراضينا واستمرار اعتداء إسرائيل على مياه وحقوق وسيادة دول أخرى ، فما هي الا تدخل سافر وغير أخلاقي حتى وفق المبادىء التي أعلنها مؤسسي الولايات المتحدة رغم قيامها اي الولايات المتحدة على أنقاض شعب أصلي هنالك بالتطهير العرقي ، وهذا ما يجمعها في نظرية نشؤ الدولة مع إسرائيل، ما هو الا تدخل يهدف إلى محاصرة الدول المعارضة لسلوك ومنهج الولايات المتحدة الاستعماري وعقلية الأمريكي البشع وأطماع الرأسمالية الجشعة والليبرالية الجديدة بالسيطرة على مصادر تلك الدول من البترول والغاز والذهب وطرق التجارة والملاحة ، ولذلك فأن كل فكر لمقاومة تلك الرؤى الأمريكية لن تكون مباحة لاصحابها وستقاتلها الولايات المتحدة .

- هدية الله لأمريكيا وتحالف اليمين الشعبوي بالعالم بزعامة نتنياهو ،،
هنالك حلم محاصرة روسيا وإضعافها الى جانب الصين وفق رؤية القطب الواحد والوحيد للنظام العالمي الذي سعى له ترامب وما زال يسعى له بايدن كذلك لتحقيق " هدية الله لأمريكيا " كما وصفه الأنجيليين أصحاب رؤية "حرب هارماجدون " الأباء الروحيين للصهيونية المسيحية واليمين القومي الديني المتطرف في أمريكيا من كلا الحزبين الذي يحرك مفاهيم الإرهاب والعنصرية بالعالم ويشجع على نهوض اليمين الصهيوني القومي الديني المتطرف في إسرائيل واليمين الديني الشعبوي بامريكيا اللاتينية وبالقارة الأوروبية ، وتحديدا بالاعتماد على علاقة نتنياهو مع احزاب النازيين الجدد الأوروبية او بامريكيا اللاتينية والذين يفترض اتهامهم بمعاداة السامية وفق الوصفات الكاذبة الصهيونية على طريق بلقنة جديدة لأوروبا خاصة بعد بدايات انكسار مشروعهم باوكرانيا واستمرار محاولاتهم الفاشلة تصفية قضية شعبنا من أجل انجاز روايتهم المزعومة بخصوص مملكة اليهود ، ولهذا فإن مكونات هذا التحالف الثلاثي الدولي نتنياهو - ترامب - اليمين الشعبوي الأوروبي ينتظرون فوز بعضهم تلو الآخر من أجل تعزيز تحالفاتهم الدولية القائمة على منهج فكرهم العنصري الفاشي .
ويبدو ان سياسية الأمن القومي الأمريكي تقوم على تفعيل برنامج الفوضى الداخلية وتفجير الوضع الأمني بعد سلسلة من العمليات الدقيقة ضد قدرات ما يتفقون على تسميته بدول محور المقاومة وفق ما رأيناه بالايام الماضية .

- الأوروبين بين سندان اخلاقهم المفترضة ومطرقة مصالحهم ،،
ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب، لم يتوصل الأوروبيون إلى أي شيء ملموس من اجل وقف العدوان الأجرامي . وفي ديسمبر قدم بوريل مذكرة غير علنية إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي "حول استقرار ومستقبل غزة". ولم يقدم أي خطة، بل مجرد قائمة من الأفكار التي لا تقدم سبيلا للخروج من الأزمة، وهي غير كافية على الإطلاق لمواجهة الكارثة التي تكشفت فصولها من البداية . وفي منتصف يناير قدم لوزراء الاتحاد الأوروبي خطة أخرى لعقد مؤتمر دولي لمحاولة استئناف عملية السلام نحو حل الدولتين. لكن وبتخطي السؤال المباشر المتعلق بالحل السياسي لكارثة غزة خاطر بجعل الخطة غير ذات مصداقية ومنفصلة عن الأزمة المشتعلة على الأرض ، كما ان افتراض الأوروبين بأن حماس ستُخرج من غزة وأن السلطة الفلسطينية ستتولى السلطة في شكلها الحالي دون حماس او ان تاتي على ظهر دبابة اسرائيلية ودون وجود خطة دبلوماسية لإعادة السلطة الفلسطينية ، فان ذلك شكل اساس الوهم الاوروبي عندما رفض الاخ الرئيس ابو مازن تلك المخططات . يبدوا إن الأوروبيين يحصرون أنفسهم في سيناريو قد يتبين أنه ضرب من الخيال ، كما أن رؤيتهم تلك تدعم ضمنياً أهداف الحرب الإسرائيلية المتطرفة للقضاء على المقاومة في غزة. وبدلاً من ذلك، يتعين على الأتحاد الأوروبي أن يتقبل الاحتمال القوي لبقاء حماس ، وأن أي سلطة حاكمة في القطاع سوف تحتاج إلى تعاون امتداداتها الجماهيرية والمؤسساتية وما يتبقى من اجنحتها العسكرية هنالك . ومن المؤكد أن المقاومة بكافة تشكيلاتها ستبقى جزءاً من المشهد السياسي الفلسطيني الأوسع، وربما تحظى بدعم شعبي قد يكون أقوى بكثير من ذي قبل. وسوف يكون بعض من اشكال التسوية من جانب الأوروبين مع المقاومة في غزة أمراً حيوياً لتسهيل قيامها بدور ايجابي في ذلك . أن اي مساهمة اوروبية ايجابية يجب باعتقادي أن تتركز اليوم على تأييد توسيع قاعدة الحوار الوطني الفلسطيني الشامل في اطار منظمة التحرير الفلسطينية ، وبالتالي ضرورة تميز المواقف الأوروبية عن الموقف والشروط الأمريكية حول "سلطة متجددة " ، كشرط لدور لها في غزة ما بعد انتهاء العدوان . أن شكل السلطة يحدده فقط شعبنا الفلسطيني ويحدد مكوناته السياسية والامنية.

- أصرار نتنياهو في وجه مفاوضات الصفقة ،،،
في حالة التفاوض الجارية الان تحت التهديد بمزيد من الجرائم في رفح ، يضع كل طرف السقف الأعلى من مطالبه على الطاولة ، وعادة ما يتوصل اطراف المفاوضات إلى ضرورة التوقف أو القبول عند مستوى محدد من النقاط يضطر فيها الطرفين للقبول بها . الا ان نتنياهو وائتلافه من الحكومة لا تنطبق عليهم مفاهيم والاسس النظرية للمفاوضات ، فنتتياهو يدفع اليوم باتجاه تصعيد حرب الإبادة بحق شعبنا وتدمير ما تبقى من كافة اشكال البنية التحتية واستمرار قتل اكبر عدد من ابناء شعبنا وفق ما شاهدناه اليوم من تكاثر المجازر بالجنوب ، ودفع ١،٥ مليون من شعبنا نحو سيناء أو دول اخرى عبر البحر من خلال ارتكاب المجازر الجديدة في رفح .

الدولة الفلسطينية ومسابقة الزمن ،،
باعتقادي أن الأمريكيون اي الإدارة الحالية ورغم ضيق الفترة المتبقية لبايدن بالبيت الأبيض يدركون اكثر من أي وقت مضى ضرورة الدفع باتجاه تنشيط المسار السياسي ، كذلك تفعل الآن بريطانيا وفرنسا ، وبأن الأمن والاستقرار يتحقق من خلال الدولة الفلسطينية ، والتي يجب عليهم تعريف مضمونها وشكلها وفق ما أشرت له في مقالي الاسبوع الماضي واليات تنفيذها حتى لا تصبح سرابا متجددا ، اذا كانوا هم جادون في ذلك . فبايدن يسابق الزمن بعد أن تأثر وضعه الانتخابي بارتباطه بسياسات نتنياهو وبعد أن خسرت إسرائيل الحرب الدعائية الإعلامية وتكسرت صورتها التي حاولت ترويجها على مدار عقود بمساعدة الولايات المتحدة ، فلقد أصدر الرأي العام الدولي حكمه ، إسرائيل مذنبة بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية وتهجير السكان الفلسطينيين ومتهمة بالابرتهايد ، والآن العالم بانتظار قرار محكمة العدل الدولية القضائي . فقط قيادة الولايات المتحدة والإتحاد الاوروبي بقيت صامتتين ، أو غير صامتتين لكن كشريكتين لدولة الإبادة الجماعية الصهيونية وهذا ما يدفع ثمنه بايدن الآن حتى في اوساط محفظته الانتخابية .
ولذلك فأن نتنياهو يمرر وقت بانتظار عودة ترامب للبيت الأبيض وحتى يحافظ على مكانته كرئيس حكومة وهذا هو الأهم له . والأهم له قد يعني من جهة اخرى القبول بجزء من مطالب المقاومة لصفقة التبادل والهدنة كي تستمر حكومته ويتغير الوضع بالولايات المتحدة ، وبذلك جميعها تبقى مسارات انتقائية لحلول مؤقتة اذا لم يتحقق مرة وللأبد حق شعبنا بوحدته وفي تقرير مصيره وأستقلاله الوطني بوقف محرقة جديدة في رفح فورا وبانهاء الأحتلال واقامة الدولة ذات السيادة .