الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلام المساعدات الذي يقطر سُمّاً

نشر بتاريخ: 16/02/2024 ( آخر تحديث: 16/02/2024 الساعة: 18:35 )

الكاتب:

عواد الجعفري

أصبحت تصريحات المسؤولين الغربيين بشأن العدوان على غزة تتخذ نمطاً واحداًتقريباً، يتضمن 4 إلى 5 بنود، أحدها كله سمّ، وإن بدا غير ذلك.

والبنود هي: حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، الذين يصرّون على وصفهم بالرهائن، وإدخال المساعدات لسكان غزة، ووقف الحرب (أصبح هذا البند يتكرر بعد أن كان مجرد هدن إنسانية)، والبند الأخير هو حل الدولتين الذي يحضر أحياناً على استحياء ودون الخوض في التفاصيل.

لكن دعونا نركز على بند المساعدات، فمن الناحية النظرية يبدو الكلام إيجابياً، غير أنه أبعد ما يكون عن ذلك. إنه سمّ في هيئة عسل، فأهل غزة خاصة شمالها لا يجدون عسلاً ولا بصلاً. الأطفال هناك يبكون من شدة الجوع فلا كسرة خبز ولا شربة ماء إلا قليلاً.

يحدث ذلك والعالم كله وبخاصة الغربي منه لا يكل ولا يمل من الحديث عن إيصال المساعدات، لا بل إن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وصل به الأمر إلى القول في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض إنه ضغط على نتنياهو بشدة لإدخال المساعدات إلى غزة.

لكن المساعدات لا تصل إلا بصورة شحيحة للغاية.

وهذا يعني أمرين لا ثالث لهما: إما أن بايدن يكذب وإما أن الولايات المتحدة ليست قوة عظمى.

خذ هذا الرقم: صحيفة "المصري اليوم" المصرية قالت في 15 فبراير الجاري إن 11820 شاحنة مساعدات دخلت قطاع غزة عبر معبر رفح منذ اندلاع الحرب، ولو قسّمنا العدد على أيام الحرب التي هي حتى الخميس 132 يوماً نجد أن 89 شاحنة تقريباً تصل القطاع يومياً، وهو رقم يقل كثيراً عن 500 شاحنة كانت تدخل غزة قبل العدوان يوميا.

الأرقام لا تروي الواقع كما هو، لكنها تظهر أن التجويع سلاح. شاهد الفيديوهات القادمة من شمال غزة لتعرف فداحة المأساة.

دولة الاحتلال الإسرائيلي ترى أن وصول المساعدات إلى غزة بكميات كبيرة سيخفف الضغط على حركة حماس ولن يجبرها على تقديم تنازلات. هي تعتقد أن تجويع الفلسطينيين سيؤدي إلى نتيجة تصب في مصلحتها، هكذا بمنتهى البساطة.

لم يعد الأمر يقف عند الحكومة الإسرائيلية. المستوطنون أيضاً نزلوا إلى الشوارع واعترضوا سبل الشاحنات التي تحمل المساعدات إلى أهل غزة الذين يعانون الأمرين في حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 130 يوماً، وأحد أسلحتها التجويع (ربما يكون نزول المستوطنين حيلة إسرائيلية لمنع وصول الطعام والدواء للغزيين).

على أي حال، إذا كانت إسرائيل ومستوطنوها يرون في التجويع سلاحاً، فبكل تأكيد سيكون ذلك موقف حلفائها، لكن هؤلاء يريدون أقنعة تخفي قبح سياساتهم.

ما الحل؟

بيع الفلسطينيين سراباً اسمه إدخال المساعدات الإنسانية.

وهل أهل الغرب جادون في ذلك؟

بكل تأكيد لا. عندما أرادوا فعل شيء فعلوه وبسرعة الضوء: قطعوا تمويل وكالة "الأونروا". 15 دولة غربية أوقفت بالتزامن إمداد الوكالة بالمال اللازم لعملها.

وزير خارجية إيرلندا، مايكل مارتن، قال الكلام الذي نعرفه جميعاً وهو أنه ليس من باب المصادفة أن تأتي المزاعم الإسرائيلية ضد الوكالة بعد قرار محكمة العدل الدولية. طبعاً المزاعم كانت الذريعة التي استخدمتها دول الغرب لقطع المال عن الوكالة وتالياً عن الفلسطينيين.

مارتن ذكر أن المزاعم الإسرائيلية ضد "الأونروا" كانت مجرد حملة كاذبة ومضللة. هذا يعني أن تل أبيب تفبرك والغرب يجوّع.

لذلك، كلام المساعدات الخارج من أفواه قادة الغرب مجرد كلام، هدفه مصلحتهم لا سد جوع الأطفال في غزة.

ومن ناحية الدعاية يجمع هذا الكلام الخبيث بين أسلوبي "حصر الأعداء" و"التلميع"، فيبدو ظاهرياً أن الغرب متمسك بسرديته المتكررة أنه مع محاربة حماس لا الشعب الفلسطيني كله، ويحافظ على صورته "البراقة". المشكلة أن البعض منا يصدّق هذا السراب.

الأخطر من كل ما سبق في خطاب المساعدات الغربي هو نزع الإنسانية عن الفلسطينيين وحصرها بسكان دولة الاحتلال.

تحدثنا في بداية المقال عن بند حق إسرائيل في الدفاع عن النفس الذي لا يكف أهل الغرب عن ترديده، لكنهم لا يقولون إن للفلسطينيين الحق نفسه. إن الحق في الدفاع عن النفس للبشر وليس لغيرهم، واللبيب من الإشارة يفهم.

يكتفي الغربيون بالقول عملياً إن لهؤلاء الرازحين تحت وطأة الحرب والجوع والبرد والنزوح الحق في الأكل والشرب فقط.

هذا هو السم الذي يعتقده البعض واهماً أنه عسل.

لقد أسقطت الحرب على غزة الكثير من الأقنعة.