الكاتب: عبد الله كميل
تتميز محافظة سلفيت بموقعها الاستراتيجي والحيوي، إذ تعتبر رابطًا بين شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها، وتقع في شمال غرب الضفة. تحدها من الشمال محافظتي نابلس وقلقيلية، ومن الجنوب محافظة رام الله، ومن الشرق محافظة نابلس، وتمتد بشكل طولي لتلامس الخط الأخضر من الغرب، تتميز المحافظة بجمال طبيعتها بفضل توفر المسطحات المائية والمناطق الخضراء والجبال والسهول والغابات، وتنوعها الحيوي الغني بمختلف أشكال وأنواع الحياة البرية. تضم المحافظة محمية وادي قانا قرب ديراستيا، ومحمية واد الزرقا العلوي قرب ديربلوط وكفرالديك. من الناحية الطبوغرافية، تتميز المنطقة بمتوسط ارتفاعها، حيث يصل أقصى ارتفاع إلى 720 مترًا عن سطح البحر في قرية ياسوف، تنحدر المنطقة تدريجيًا غربًا لتصل إلى أدنى ارتفاع عن سطح البحر في بلدة الزاوية وهو 90 مترًا عن سطح البحر.
محمية وادي الزرقا العلوي
تقع محمية وادي الزرقا العلوي في الجهة الغربية من محافظة سلفيت، وتمتد على امتداد حدود قرى دير بلوط وكفر الديك وبروقين ودير غسانة. تبلغ مساحتها حوالي 2700 دونم، تتوزع بين مناطق طبيعية ومزارع للمواطنين، يصل طول الوادي إلى حوالي 20 كيلومترًا، وتحيط به جبال ترتفع بين 270 و400 مترًا عن سطح البحر، تنقسم المحمية إلى جزئين، الجزء الغربي (دير بلوط) والجزء الشرقي (كفر الديك)، المنطقة الغربية تشكل منطقة جافة قليلة الغطاء النباتي، بينما المنطقة الشرقية غنية بالغطاء النباتي، كشوفات المسح الميداني تشير إلى غنى المحمية بالتنوع النباتي والحيواني، حيث تم تسجيل 195 نوعًا من النباتات، بالإضافة إلى رصد العديد من أنواع الفقاريات واللافقاريات والحشرات والطيور.
محمية وادي قانا
(قانا) سريانية، بمعنى العش، وقد تكون تحريف ( قانيا) بمعنى القصب وهو الارجح، وتعتبر منطقة محمية طبيعية، يقع وادي قانا على بعد 4 كم شمال غرب دير استيا، يتفرع عن الطريق الرئيس الذي يربط دير استيا بنابلس باتجاه الغرب، ويسير الوادي من الشرق إلى الغرب بطول 6 كيلومترات ويرتبط مع وادي الحمام من الجهة الغربية ومع وادي المغيبة من الجهة الشرقية، وعلى ضفتي الوادي يحيط به مجموعة من الخرب الأثرية والينابيع وأشهرها خربة قانا التي ترتفع 300 م عن سطح البحر، ومنها أخذ ( وادي قانا) اسمه، وبلغ عدد ساكني ((قانا)) في 18/11/1961 م 141 نسمة بينهم 76 ذكراً و 65 أناثا، لكن بعد إجراءات الاحتلال واعتداءات المستوطنين المتكررة والتضييق من قبل الاحتلال وصعوبة الحركة والتنقل، أُجبر بعض أهالي الوادي على العودة للسكن في بلدة ديراستيا، لكنهم يحرصون على التواجد فيه بشكل شبه دائم لحماية الأرض، ويُعد وادي قانا أحد تفرّعات نهر العوجا، وفي قسمه المركزيّ يحتوي على ينابيع وجداول عدة تتفرّع منه، وأراضيه ذات ملكيّة فلسطينيّة، غالبيتها من قرية دير استيا المجاورة، وتستخدم للزراعة والرعي، ويمتد على مساحة تقدر بحوالي 6000 دونم. ويعتبر الوادي سلة غذائية مهمه تزرع فيه الخضراوات والحمضيات واللوزيات والزيتون والعنب ، وفيه 10 ينابيع مياه أهمها: عين واد المعاصر، وعين الجوزة، وعين الفوار، وعين البطة، وعين البنات، وعين التنور، وعين الجناين، تساعدنا على الزراعة وإنتاج كميات وفيرة من المحاصيل، يعتبر واد قانا متنفسا سياحيا للمواطنين من أبناء محافظة سلفيت والضفة الغربية وفي أيام الجمعة والسبت عادة ما يعج الوادي بآلاف المواطنين ، وتنظم للوادي مسارات سياحية باستمرار مع وجود ينابيع المياه، وأشجار الحمضيات المثمرة على مدار العام تقريبا.
مخالب الاستيطان تنهش المحميتين الطبيعيتين
في عام 1983، أعلنت "سلطة الطبيعة والحدائق" الإسرائيلية تأسيس محمية طبيعية في منطقة قناة وادي قانا والمنحدرات التي تحيط بها، تحت اسم "محمية ناحل كَنيه"، وذلك في المحميات والحدائق التابعة لما تُسمى "الإدارة المدنية" بالضفة الغربية. تبلغ مساحة المحمية حوالي 14,000 دونم. على الرغم من الحجج البيئية التي استُخدمت، كانت الدوافع الرئيسية لتأسيس المحمية استيطانية، بين عامي 1978 و1986، أنشأ الاحتلال الإسرائيلي عدة مستوطنات على تلال تطل على ضفتي وادي قانا، منها "عمانويل" و"كرنيه شومرون" من الشمال، و"يكير" و"نوفيم" من الجنوب. مع الوقت، توسعت مستوطنة "كرنيه شومرون" لتشمل عدة تلال أخرى. في الفترة بين عامي 1998 و2000، أقيمت بؤر استيطانية أخرى إلى جانب هذه المستوطنات، مثل "ألوني شيلو" و"إل متان" و"حفات يئير"، في عام 2006، أنشأ الاحتلال "مديرية ترميم وادي قانا" بهدف ترميم الوادي وتطوير السياحة فيه. في نفس العام، بدأ مجلس مستوطنة "كرنيه شومرون" مسيرة سنوية كل فصل ربيع، وحظر جيش الاحتلال دخول الفلسطينيين، بما في ذلك أصحاب الأراضي في الوادي، أثناء تلك المسيرات.
وعلى جانبي واد الزرقا العلوي تم إقامة مستوطنة بدوئيل على أراضي ديربلوط وكفرالديك من الجهة الشمالية ومن الجهة االجنوبية للوادي اعتلت مستوطنتي بيت اريه وعوفريم قمم الجبال ، وتحولت قمم جبال المحميتين الطبيعيتين إلى مستوطنات إسرائيلية، جرفت الغابات واقتلعت أشجارها ونباتاتها وهجرت حيواناتها وحل مكانها بيوت من الاسمنت المسلح والقرميد، وفي كل يوم تتمدد وبشكل أفقي لتلتهم أكبر مساحة من الأراضي .
اعتداءات المستوطنين في المحميتين الطبيعيتين
يُمنع المواطنين في وادي قانا من ترميم البيوت الحجرية التي تم بناؤها خلال فترة الحكم الأردني، وكذلك يُمنعون من استصلاح الأراضي وزراعتها والرعي في العديد من المواقع، بحجة أنها محمية طبيعية، في المقابل يُسمح للمستوطنين ببناء البيوت وتأسيس المزارع الرعوية، كما يتم تجريف الأشجار لإنشاء الطرق التي تخدم المستوطنات وتوصيل خطوط المياه والصرف الصحي والكهرباء. تتمتع المنطقة بمراقبة مشددة من قبل جيش الاحتلال وسلطة حماية الطبيعة المعتمدة من الاحتلال، علاوة على ذلك، تقوم المستوطنات التي تعلو الجبال المحيطة بالمحميتين بضخ مياه مجاريها إلى الوادي، مما يتسبب في تلوث جداوله وينابيعه ويؤثر على مصادر المياه التي يعتمد عليها المزارعون في الري والشرب.
تم منع بلدية دير استيا من جمع النفايات داخل وادي قانا من قبل الاحتلال، بهدف حرمانهم من الصلاحية في تلك المنطقة، وتم حظر صيانة برك المياه الطبيعية في الوادي. ورغم ادعاء الاحتلال بأن العمل الفلسطيني يشكل "مسا بالقيم الطبيعية للمحمية"، إلا أن "سلطة المحميات الطبيعية" الإسرائيلية جرفت في عام 2010 قنوات الري التي حفرها الفلسطينيون من أجل حرف مسار المياه من الوادي إلى أراضيهم. وبدءًا من عام 2011، تم منع المزارعين من غرس الأشجار في أراضيهم بالوادي، وتم اقتلاع مئات الأشجار، وتم تحطيم ألواح للطاقة الشمسية وتقطيع أسلاك، وثقب خزانات المياه الخاصة بالمزارعين.
يقوم الاحتلال الإسرائيلي بأسوأ التعديات والمخالفات بحق البيئة الفلسطينية بحجج واهية، فعلى سبيل المثال، يقوم جدار الفصل العنصري بتقييد حركة الثدييات وانقطاعها خلف هذا الجدار، مما يهدد بانخفاض التنوع الحيوي وتأثيره على الإنسان. وتمت محاولات متكررة لتثبيت بوابة حديدية عند مدخل اواد قانا لمنع الزوار والمزارعين من الوصول إلى أماكن التنزه وبساتين البرتقال والليمون، وتم منع المزارعين من الوصول الى أراضيهم واستصلاحها وطرد رعاة الأغنام من واد الزرقا العلوي.
تصنيف المحميات الطبيعية حق يراد به باطل
ان تصنيف الاحتلال لتلك المساحات الواسعة من الأرض كمحميات طبيعية يهدف الى عدم توسع الفلسطينيين على تلك الأراضي والتضييق عليهم في استخدامها والانتفاع بها سواء في الزراعة او الرعي او الاستجمام وبالتالي فهي تشكل "المحميات الطبيعية" واحدة من مزاعم الاحتلال الإسرائيلي الأساسية في سبيل السيطرة على أراضي المزارعين الفلسطينيين، والعمل على اجتثاث الوجود الفلسطيني.
إبعاد وإقصاء المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم في وادي قانا وواد الزرقا العلوي ينتهك حقوقهم في الملكية ويمثل استيلاءً على أرزاقهم. وعلى الرغم من أن هذا يُنفَّذ بحجة الحفاظ على قيم الطبيعة في المنطقة، إلا أنه لا يُمنع المستوطنات من انتهاك هذه القيم. ويُظهر مخطط تحويل المحميتين الطبيعيتين إلى متنزهات ممتلئة بالسبل الطبيعية والطرق والمرافق الترفيهية للمستوطنين، نيّة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في تعميق السيطرة على الوادي وتخصيصه للمستوطنات.
فشل حماية القانون الدولي
ترتكب إسرائيل عدوانا بيئياً ممنهجاً ومستمراً على الأرض الفلسطينية المحتلة في مخالفة واضحة لأحكام الاتفاقيات البيئية والقانون الدولي الانساني، خاصة البروتوكول الاضافي الاول لاتفاقية جنيف الرابعة، والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان. و من أبرز هذه الانتهاكات استهداف المحميات الطبيعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتجريف أراضي فلسطينية لشق طرق استيطانية، وتجريف اراضي زراعية وتدميرها واقتلاع وتكسير الاشجار. عدا عن منع المؤسسات الفلسطينية من إقامة أي نشاطات تطويرية للمحميات الطبيعية ، وسيطرة الاحتلال عليها وإقامة منشآت سياحية فيها لصالح المستوطنين، إضافة الى تصريف المياه العادمة للمستوطنات في أراضي المحميات الطبيعية مما يؤدي الى التسبب بتلويث التربة وانتشار الروائح الكريهة والحشرات والزواحف وانتشار الأعشاب الضارة، والأخطر هو الانتهاكات الخاصة بعيون وينابيع الماء والتي تتمثل في تلويثها بمجاري المستوطنات، وتمنع المؤسسات الفلسطينية من تنفيذ أي نشاطات خاصة بالحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها، حيث يستغل الاحتلال الإسرائيلي ازدواجية المعايير الدولية وتخاذل المجتمع الدولي وفشله المتعمد في تطبيق القانون الدولي على الحالة في فلسطين المحتلة، ليوسيع احتلالها وسرقة الأرض وتهويدها، والتعامل باستخفاف مفضوح مع الشرعية الدولية والمطالبات الأممية والدولية بوقف إجراءاته أحادية الجانب.