الكاتب: د. رمزي عودة
كلف الرئيس محمود عباس، مساء الخميس، الدكتور محمد مصطفى بتشكيل الحكومة التاسعة عشرة، وهي حكومة تكنوقراط تضم الأكاديميين والخبراء.
ووفقا لوكالة "رويترز" يعتبر محمد مصطفى رجل اقتصاد مستقل سياسيا، تلقى تعليمه في الولايات المتحدة الأميركية، وشغل منصب نائب رئيس وزراء ووزير اقتصاد في حكومة الوفاق الوطني التي شكلت بمشاركة حماس في سنة 2014. وهو عضو في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية. وأدار في السابق مجموعة الاتصالات الفلسطينية "بالتل" وكذلك صندوق الاستثمار الفلسطيني.
ويأتي تكليف الرئيس للأخير بتشكيل الحكومة في ظرف استثنائي حيث ما زال العدوان الاسرائيلي مستمرا على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة الى تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب قرصنة أموال المقاصة للسلطة الوطنية الفلسطينية من قبل الاحتلال. وفي ظل هذه الأزمة الكبيرة التي لم تشهدها السلطة الوطنية منذ إنشائها عام 1993، يعكس خطاب التكليف رؤية الرئيس وبرنامجه السياسي في السنوات المقبلة. وأهم ما جاء في هذه الرؤية أربعة عناصر أساسية وشاملة هي:
الأول: قيادة وإدارة عملية إعادة قطاع غزة وإيصال المساعدات الانسانية لسكان القطاع، والثاني إعادة دمج وتوحيد المؤسسات العامة في إطار قانوني وسياسي يعكس الوحدة السياسية والاقتصادية والديمغرافية بين قطاع غزة والضفة الغربية. والثالث: تسريع الخطوات الضرورية لإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في كل محافظات الوطن، أما العنصر الرابع فيتمثل في النهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز الصمود وإطلاق الحريات العامة وسيادة القانون في إطار عملية شاملة لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي إطار تحليلنا لهذه العناصر في خطاب التكليف، ترشح بعض الملاحظات الأساسية وهي:
1- إن الرئيس منح الحكومة المكلفة صلاحية الاشتباك السياسي مع الاحتلال في فرض شرعية ولاية السلطة الوطنية على كامل أراضي دولة فلسطين في الضفة والقطاع في إطار بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
2- إن الرئيس منح كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي إضافة إلى مختلف فئات المجتمع المساحة الكافية لاعتبار هذه الحكومة المكلفة ممثلة عن الجميع باعتبارها لا تمثل أي فصيل سياسي وبعيدة عن التجاذبات السياسية.
3- إن الرئيس يدرك أن المرحلة المقبلة لادارة الحكم هي مرحلة حساسة واستثنائية، وتحتاج فقط الى مجموعة من الخبراء والمفكرين الذين بإمكانهم بناء الدولة وإنهاء الانقسام وإعادة فرض سيطرة منظمة التحرير على كل أنحاء الوطن.
في الواقع، إن الجميع يدرك التحديات التي ستواجه عمل الحكومة الـ 19 باعتبارها تحديات كبيرة وخطيرة سواء كانت على المستوى الداخلي أو الدولي، إضافةً طبعاً الى معضلة الاحتلال الذي يسعى لاستمرار احتلاله للضفة والقطاع، ويرفض بتاتا قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بتولي مهام الادارة والحكم في قطاع غزة. ومع هذا، تبقى فرص نجاح الحكومة بتنفيذ خطاب التكليف كبيرة لعدة أسباب أهمها أولا: إصرار الرئيس على توحيد الوطن وبناء الدولة تحت راية منظمة التحرير، وتوفر المناخ الدولي الايجابي للإعتراف بالدولة الفلسطينية ثانياً، وسمات وقدرة وكفاءة الخبراء والاقتصاديين في إدارة الملفات الشائكة ثالثاً.
وفي النتيجة، أعتقد أن قدرة هذه الحكومة الاستثنائية على النجاح في المهام الملقى على عاتقها في خطاب التكليف ستعتمد أساسا على مدى اتسامها بالخصائص التالية، وهي خصائص تعكس بالأساس فلسفة الرئيس أبو مازن في الشأن العام:
1- الأكاديميون وذوو الاختصاص والخبرة والحكمة، بمعنى أن يتم اختيار وزرائها وفقا لمعيار الدرجة العلمية والاختصاص والخبرات السابقة، فالعلماء والأكاديميون هم الأقدر على فهم كنه الأحداث وصيرورتها ومدى ارتباطها بتحقيق المصلحة العامة.
2- الابتعاد عن النمطية والكلاسيكية في عدد الوزارات وطبيعتها، فليس من الضروري التقيد بأسماء وطبيعة عمل الوزارات السابقة مثل وزارة العمل والتنمية والمرأة والخارجية الى آخره من الوزارات، بل على العكس يجب أولا: خلق وزارات جديدة مرتبطة بطبيعة الملفات الواردة في خطاب التكيف كوزارة إعمار غزة على سبيل المثال، وثانيا أن يتم تعيين عدد من الوزراء الإضافيين دون حقيبة، وترتبط مهامهم بالعمل على تحقيق البنود الواردة في خطاب التكليف مثل وزير مكلف بالمصالحة الوطنية ووزير مكلف بالانتخابات على سبيل المثل لا الحصر.
3- التوافقية، وهو مبدأ أصيل في مواجهة الانقسامات السياسية والإثنية لأنه يقوم على النسبية والتوزان في الاختيار كما أنه يقوم على تمثيل الأقليات والفئات المهمشة في المجتمع.
* الأمين العام للحملة الاكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد الاسرائيلي