الكاتب:
د. مهند أبو شمة
يكثر الحديث عن الإصلاح الإداري في مؤسسات ووزارات القطاع العام الفلسطيني، فهو مطلبٌ جماهيري فلسطيني قبل أن يكون استجابة للمطالب الدولية.، ومن باب وضع الأمور في نصابها وتحاشيا للوقوع في مزالق الفهم الخاطئ لمفهوم الإصلاح الإداري، يجدر التنويه بأنه مصطلح اُتفق عليه دولياً؛ ويعني "التطوير في الأنظمة والقوانين والتشريعات وفي الآليات والإجراءات بهدف رفع كفاءة وفاعلية المؤسسات والحد من فرص الفساد، وتقييد الممارسات الإدارية الخاطئة التي تُعتبر أخطر من الفساد في حد ذاته. وهنا؛ نحن في حالتنا الفلسطينية بحاجة ملحة للإصلاح الإداري الشمولي الهادف لإحداث تغيير جوهري في منظومة القوانين والتشريعات، وفي إدارة وقيادة المؤسسات المبني على فكر إدارة التغيير، والقيادة التحويلية، فمؤسساتنا تمتلك مقومات وموارد تُعتبر مرتكزات أساسية للتطوير وللنهوض في العمل المؤسسي والإصلاح الإداري إذا ما أُحسِن استثمارها ، وما تمتلكه مؤسساتنا كمقومات مقارنة بدول الجوار والإقليم يُعتبر متقدما، ويُعد فرصة وأساساً للإصلاح ، والتطوير المؤسسي ، والبناء على ما هو موجود .
وللولوج في عملية الإصلاح الإداري والبناء المؤسسي وصولاً للحكم الرشيد العصري، فلا بد من توافر رؤية سياسية استشرافية من جانب، وتضافر الجهود التكاملية ، والمسؤولية المشتركة من جانب آخر .
فالرؤية السياسية التي تُمثل الارادة الحقيقية لأي عملية إصلاح ، تتطلب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير الغطاء والتبني لعملية الإصلاح الشمولي من خلال تطوير منظومة تشريعات، وقوانين، وخلق بيئة قانونية، وتوفير الموارد بأشكالها المتعددة، إضافة إلى مشاركة المجتمع بكل مكوناته في عملية الإصلاح الشمولي.
ويأتي بعد ذلك دور الإصلاح الإداري الداخلي المرتكز إلى إعادة هيكلة الوحدات الإدارية، وتغيير آليات العمل وتطويرها، و تطوير ورفع كفاءة الموارد البشرية ومهاراتهم ، إضافة إلى تغيير اتجاهات الكادر لتتوافق مع عمليات الإصلاح والتغيير المؤسسي .
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أهم مقومات النجاح لأي عملية إصلاح إداري؛ التغيير الفكري والثقافي في بيئة العمل، والبيئة المحيطة، وردم الفجوة الفكرية والعُمرية بين متخذي القرار، وصانعيه، إضافة إلى ضرورة التخلص من ظاهرة مقاومة التغيير والتي عادة ما تكون متأصلة، و تنبع من وجود من يُعرفون بأصحاب الفكر المتكلس؛ غير المتقبلين للتغيير فكراً ومنهجية، أو أصحاب المصالح المستفيدين من الحالة القائمة .
ومن مقومات نجاح الإصلاح الإداري الشمولي التكاملية في العمل بين البيئتين الداخلية والخارجية للمؤسسات، وعدم السماح للوحدات الداخلية للمؤسسة بأن تعمل كل منها بمعزل عن الوحدات الأخرى، وعدم إبقاء المؤسسة وكأنها تعيش في جزيرة منعزلة عن المؤسسات المحيطة، فالتكاملية والمسؤولية المشتركة أساس البناء المؤسسي المتين، والمحرك الرئيس لعمليات الإصلاح الإداري .
ثمة تحديات تواجه أي حكومة عند التخطيط لعملية الإصلاح الإداري، ما يستوجب منها خلق شراكة حقيقية بين مكونات المجتمع، وتوحيد التشريعات والقوانين على كامل أرض الدولة الفلسطينية ، والتغيير في الفكر، والثقافة السائدة، وخلق بيئة تنظيمية في المؤسسات تنسجم وعملية التطوير والإصلاح الإداري، إضافة إلى توفير موارد مالية لتمويل عملية الإصلاح التي تُعتبر بمثابة استثمار طويل الأجل ينتج عنه إيجاد مناخ مؤسسي قادر على تطوير ذاته من خلال الاستثمار الأمثل في رأس المال البشري، و توحيد منظومة التكنولوجيا في الدولة تحت مظلة واحدة ومتكاملة؛ بهدف إحداث نقلة نوعية في توظيف التكنولوجيا وصولاً للتحول الرقمي لينتج عنه تسهيل تقديم الخدمات، وتجويدها، وتقليل التكاليف، واستدامة التطوير والتميز المؤسسي ، لتحقيق رضا المواطن ، وتحريك عجلة التنمية الاجتماعية الاقتصادية في الدولة .
فهل نحن على أبواب عملية إصلاح شمولي ؟؟.
سؤال برسم الاجابة ، يحتاج لإرادة سياسية ولجهود متضافرة ومتكاملة من الجميع، والإجابة عنه لن تتأتى ب" نعم" أو " لا" بل عبر اكتمال دورة الإصلاح وفق رؤية استشرافية تتجاوز نمطية رفض أي تجديد لمجرد كونه جديداً، فقد حان الوقت ليدرك المتكلسون أن كل قديم كان جديدا في حينه.