الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجيش الإسرائيلي.. جيش دفاع أم عصابات قتل مرتزقة؟!

نشر بتاريخ: 25/03/2024 ( آخر تحديث: 25/03/2024 الساعة: 16:42 )

الكاتب:

د. اياد محمد عيد
قسم الاجتماع والأنثروبولوجيا
الجامعة الاسلامية العالمية – ماليزيا

يوجه علم الاجتماع دراساته حول بناء الدولة الناجحة، والتي من أهم مقوماتها البناء المؤسساتي العقلاني الهادف لإدارة شؤون الدولة وتنظيمها، والمساهمة في إرساء الاستقرار ومنح أفراد المجتمع درجة من الأمن والرفاه الاجتماعيين. وبينما يصنف علم الاجتماع الحكومة بوصفها أحد أهم تلك المؤسسات لإقامة الدولة، فإنَّ الجيش يُعدُّ القلب النابض والركيزة الأساسيةلمؤسسة الحكومة، مما حدا بالبشرية بأسرها ومنذ فجر التاريخعلى الإجماع بتقدير كبير لدور الجيش والذي تُوكل إليهالأدوار الأساسية في حماية الدولة وشعبها ومقدراتها من أي اعتداء خارجي، واحترام دوره الأخلاقي في عدم انخراطه في أي اعتداءات على مقدرات الدول والشعوب الأخرى وخصوصًاالمسالمة والضعيفة منها.

على الرغم من حالة التوافق النظري بين الأمم الإنسانية على تلك المسلمات الأخلاقية الضاربة في القدم منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحاضر، إلا أن التاريخ والواقع البشري يوثقان حالات لا حصر لها، لتجاهل عديد من القوى ذات الميول الاستعمارية هذا الإجماع الإنساني، باعتدائهم غير الأخلاقي على الدول الضعيفة استغلالًا لها وسلبًا لمواردها واحتكارًا لمقدراتهاالطبيعية؛ مما أدّى لوصم تلك القوى الخارجة عن الإجماع،بالقوى الاستعمارية، وبعديد من الصفات السلبية، وأدّى لتصنيفها ضمن القوى الإمبريالية الهادفة للسيطرة بقوتها العسكرية على الدول الآمنة.

على الرغم من كل تلك الصفات غير المحمودة التي التصقت بتلك القوى، إلا أن إسرائيل أضحت تمثل في العقل الجمعي الإنساني الاستثناء الأسوء لتفوقها على كل تلك القوى الاستعمارية، حيث الأدوار الشيطانية والشريرة التي تمارسها ضد الفلسطينيين العُزّل والتي لا يمكن للعقل البشري تصورها.

فمنذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، وبمساعدة القوى الاستعمارية كبريطانيا بدايةً وأمريكا ومجموعة من الدول الأوروبية حاليًا، تم بناء جيش إسرائيل من العصابات المرتزقةالمأجورة، ليس بهدف احتلال فلسطين وسرقة مواردها فحسب، بلتمَّ زرعها مستوطنةً دائمةً لإرهاب العالم الإسلامي بأسره،وذلك من خلال ارتكاب الجرائم الممنهجة والإبادة الجماعية ضدأكبر عدد من السكان الفلسطينيين الأصليين المدنيين أسوة بما حدث للهنود الحمر والسكان الأصليين في القارة الأمريكية،ولإجبار المتبقين من الفلسطينيين على النزوح القسري أو الطوعي من وطنهم فلسطين.

أما على الصعيد الدولي، فقد عمدت إسرائيل مدعومة بالقوى الاستعمارية العالمية وخصوصًا الأمريكية منها، لإرهاب المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية وإجباره على السكوت عن إدانةجرائمها ضد الفلسطينيين واحتلال أرضهم، بل وأجبرتهم على إضفاء الشرعية القانونية على سلوكها الإجرامي غير القانونيباعتباره استثناءً قانونيًّا، وذلك تعويضًا لها عن سنواتالاضطهاد والمعاناة التي عاشها اليهود في أوروبا عمومًا، وما قام به النازيون ضدهم في ألمانيا فيما يعرف بالهلكوست.

ولقد تمثل هذا الدعم الاستعماري والسكوت والتواطئ الدولي جليًا في عام النكبة الفلسطينية عام 1948م، حين تم استجلاب المرتزقة المأجورين من حول دول العالم الغربي، ليتم تشكيل عصابات القتل المسماة بالهاغاناهن والأرغون، وشتيرن، والتي مثلت النواة الأساسية لما يطلق عليه اليوم "جيش الدفاعالإسرائيلي"، والذي ارتكب أبشع حملة تطهيرعرقي ضد أبناء المجتمع الفلسطيني المسالم بتنفيذه عشرات المجازر، والتدمير الكلي لمئات المدن والقرى الفلسطينية، وتهجير ما يقارب المليون فلسطيني خارج وطنهم التاريخي فلسطين.

على الرغم من محاولات تلك العصابات إخفاء جرائمها في ذلك الوقت، وعدم السماح بنشرها ووصولها لمسامع المجتمع الإنساني عمومًا، إلّا أن عديدًا من المؤسسات الحقوقية الغربية،والتركية والفلسطينية تمكنت من توثيق بعض تلك الجرائم ونشرها في المجلات العالمية. لكن الأمر الغريب والمثير للسخرية هو أنعديدًا من أعضاء تلك العصابات، قاموا مؤخّرًا ببثِّ مقاطع للفيديومتفاخرين بأعمالهم الإجرامية من قتل، وهدم، وتهجير ضدالفلسطينيين العُزّل خلال عام النكبة، بل ولقد شجّعوا المجندينالإسرائيليين الجدد على ارتكاب أعمال قتل مماثلة ضد المدنيينالفلسطينيين، مروجين لها بأنها أعمال بطولية وضرورية لبقاء دولة إسرائيل على حسب زعمهم.

على الرغم من حالة الترهيب الممارس من قبل دولة الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيًّا ضد المجتمع الدولي، والتي تجعل منه مجتمعًا عاجزًا عن دعم قضايا حقوق الشعوب العادلة وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني، إلّا أنّ هذا المجتمع المرتعد خوفًا، خرجت شعوبه وعديد من ممثليه الأحرار بالملايين منددين بهول ما شاهدوه من جرائم إسرائيلية مرتكبة في غزة خلال الحرب الجارية، والتي عُوقِبَ فيها الفلسطينيون بالإبادة لمطالبتهمبأدنى حقوقهم الإنسانية والمنصوص عليها في القانون الدولي،والتي منها حماية المسجد الأقصى باعتباره أحد أهم مقدّسات المسلمين من هجمات عصابات المستوطنين، الذين يعملونَ ليلَنهارَ لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم، ولمطالبتهم برفع الحصارالصارم المفروض على قطاع غزة لأكثر من ثمانية عشر عامًا،وتحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

فمن خلال تلك الحرب، لقد تم الكشف عن الهوية الحقيقية لما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي، وأنه ليس أكثر من مجرد عصابات من المرتزقة المأجورين لممارسة القتل بلا رحمة، بمباركة كبار شخصيات كيانهم الصهيوني: رئيس الدولة، ورئيس الوزراء،ووزير دفاعهم، وعديد من المسؤولين رفيعي المستوى، الذين دعوا علانية لممارسة القتل والتجويع والتعطيش والقصف والتهجير ضد الفلسطينيين دون تمييز، داعمين مزاعمهم بنصوص توراتية محرفة، بأن ما يقومونَ به هو أمر من الله لإبادة شعب العماليق وعدم إبقاء أحد منهم، والذين تم تشبيههم بصور غير آدمية لا تستحق الحياة لا هم ولا حتى حيواناتهم المنزلية، حاشدين جنودهم في الميدان ليمارسوا أبشع جرائم الإبادة ضد الأطفال،والنساء، وكبار السن من الفلسطينيين المدنيين.

فلا زال العالم الحر من شعوب وقيادات مصدومًا، من الشهادات الموثقة ذاتيًا والمنشورة بالصوت والصورة من قبل أعضاء تلك العصابات المرتزقة المأجورين القادمين بالآلاف، من الولاياتالمتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيطاليا، وأوكرانيا، وإسبانيا، وعديدمن البلدان الأخرى، والتي يعلنون فيها وبكل فخر أنهم مجندونمرتزقة وقادمون لممارسة القتل ضد الفلسطينيين، مقابل أجور مالية مدفوعة تصل لأكثر من ستة عشر ألف يورو شهريًّا.

فمنهم مَن يتباهى ويلتقط الصور ومقاطع الفيديو بنجاحه فياعتقال المدنيين الفلسطينيين وتجريدهم من ملابسهم ونزعهالممارسة التعذيب ضدهم، ومنهم من يقوم باستهداف الصحفيين،والأطباء، والمحاضرين الجامعيين الفلسطينيين، وقتلهم وعائلاتهم،وآخرون يتفاخرونَ في مقاطع الفيديو بالاحتفال بأعياد ميلادأطفالهم وهم يقصفونَ ويدمرونَ منازل الفلسطينيين كهدايا عيد الميلاد، ونوع آخر يستمتع باطلاق النار على المئات منالمدنيين الفلسطينيين الجياع الذين يحاولون الحصول علىالمساعدات من أجل إطعام أطفالهم الذين يموتون جوعًا، وغيرهميفاخرون ​بالبحث لقتل الأطفال الفلسطينيين فقط، وآخرونيختارون قتل المرضى الفلسطينيين في المستشفيات، وإيقاف أجهزة التنفس وقطع الأكسجين عن الأطفال الخدج وحديثيالولادة، بل وقتل الحياة قبل أن تبدأ في آلاف النطف المجمدة في المراكز الصحية، والتي كانت تعطي بصيص أمل لآلاف العائلات التي تأمل أن يكون لديها طفل، وبعض هؤلاء المرتزقة تجاوزوا كل حدود التصور والمنطق البشري بأفعالهم الإجرامية، فأخرجواالشهداء من قبورهم وسرقوا أعضائهم وجلودهم، ثم أعادوهم جثثاً مشوهة. مما لا شك فيه أن قائمة الأفعال الإجرامية لتلك الحفنة المأجورة لا تنتهي، فمنها قليل تم الكشف عنه، ومنها جرائم كثيرة لا زالت خافية، وستكشف الأيام عنها قريبًا حين تضع تلك الحرب أوزارها.

مما لا شك فيه أنّ الاستمرار في تكرار هذا السلوك الإجرامي المقزز والمتوحش واستعراضه من قبل تلك العصابة، قد وَلّد شعورًا من الخوف والاشمئزاز على نطاق واسع بين الحكوماتالعالمية، والمنظمات غير الحكومية، والملايين من الشعوب، والمؤثرين من المغنيينن والفنانيين، والرياضيين وغيرهم كثير فيجميع أنحاء العالم، مما أدّى إلى تنظيم حملات من الاحتجاجاتالهائلة، والتي أثبت من خلالها العالم الحر أنّ الضمير الجمعيالعالمي الحُرّ المطالب بتحقيق العدل لا زال حيًّا، فلقد وقفَ العالم بأسره وللمرة الأولى أمام ذلك الكيان الصهيوني المنبوذ وداعميه من القوى الاستعمارية الكبرى وعلى رأسهم أمريكا، معبرًاورافضًا كل أشكال تلك الأفعال الإجرامية الدنيئة، مطالبًا في مظاهرات يومية تضجّ بها الميادين العامة وتُنشرعلى صفحات التواصل الاجتماعي بوقف المذبحة المستمرة والإبادة الجماعيةضد الفلسطينيين، وتقديم أفراد تلك العصابة المرتزقة، والمسؤولينوالجنود لمحاكم العدل الدولية. تلك النداءات التي يتم تجاهلها فقط من قادة الاحتلال الصهيوني وداعمتها الأمريكية، منكرين ما أجمعت عليه البشرية بأسرها مما بدأ يظهر للإنسانية بأسرها ويرسخ الاعتقاد بأنّ الجيش الإسرائيلي ليس جيشًا متحضرًا، وليس أخلاقيًّا كما حاولت دولة الاحتلال تقديمه وعلى مدار أكثر من سبعة عقود حيث الصفات الزائفة من التحضر والديمقراطية، بل هو ليس أكثر من جيش عصابة مرتزقة، لا يشكل تهديداً على الفلسطينيين وحدهم، بل وعلى البشرية جمعاء.