الكاتب: أ.د. أحمد عمرو
ضمن سلسلة المقالات التي بدأتها لتسليط الضوء على وبائيات الأمراض في سياق حرب غزة، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على وبائيات الأمراض الجلدية هناك، بما في ذلك الأمراض المنقولة بالنواقل، والالتهابات الفطرية والبكتيرية، وطرق العلاج التقليدية والبديلة. إذ تشكل الحرب المستمرة تهديدات مباشرة تؤدي إلى تفاقم خطر الإصابة بأمراض جلدية مختلفة بسبب تعطل أنظمة الرعاية الصحية، والظروف المعيشية المكتظة، وعدم كفاية الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي. نورد تصنيفاً لأهم هذه الأمراض وطرق الوقاية منها وطرق بديلة لعلاجها في ضوء انهيار النظام الصحي وانعدام الدواء.
أمراض تنتقل بواسطة الحشرات:
وهي أمراض معدية تنتقل إلى الإنسان من خلال لدغة المفصليات، مثل البعوض والقراد والبراغيث والذباب، والتي تعمل كنواقل. وتشكل الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات نسبة تزيد على 17% من الأمراض المعدية إجمالاً، وتتسبب في وفاة ما يزيد 700 ألف شخص سنوياً. ويمكن أن تنجم هذه الأمراض عن الطفيليات أو البكتيريا أو الفيروسات. إن ما نشهده في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح من تراكم للمياه الراكدة والإدارة غير الكافية للنفايات والصرف الصحي يهيئ أرضًا خصبة لنواقل الأمراض، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وداء الليشمانيا الجلدي. ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية المحلية، فإن حالات الإصابة بالملاريا وحمى الضنك آخذة في الارتفاع في غزة. وتشمل تدابير الوقاية استخدام طارد البعوض، وارتداء الملابس الواقية، والناموسيات، ورش المبيدات الحشرية، وإدارة مصادر اليرقات، وتثقيف المجتمع بشأن الحماية الشخصية. ويعتبر دهن الجلد بزيت الخروع أحد أكثر الطرق فعالية لمنع اقتراب البعوض وتجنب لسعاته. ويتضمن العلاج عادةً أدوية مضادة للملاريا أو مضادة للفيروسات، والطفيليات، اعتمادًا على المرض المحدد.
الطفيليات الخارجية:
الطفيليات الخارجية وهي كائنات حية تعيش على السطح الخارجي لجسم الكائن المضيف، مثل الجلد أو الشعر أو الريش، وتتغذى على الدم أو الأنسجة أو سوائل الجسم، ولا تنقل هذه الطفيليات مسببات الأمراض مباشرة من مضيف إلى آخر. ومع ذلك، يمكنهم نقل الأمراض بشكل غير مباشر من خلال لدغاتهم أو برازهم، مما يؤدي إلى التهابات ثانوية أو تفاعلات حساسية لدى البشر. وتشكل الحرب الدائرة في غزة وتداعياتها على النظام الصحي واكتظاظ السكان عاملا حاسما في ظهور وانتشار هذه الأمراض والتي تشمل القراد (ينقل مرض لايم وحمى روكي ماونتن المرقطة)، والبراغيث (ينقل الطاعون والتيفوس)، والقمل (ينقل التيفوس الوبائي وحمى الخندق)، والعث (ينقل الجرب والتيفوس الفركي). وبحسب شهادات العاملين في مراكز الإيواء وخيم النازحين فان كافة هذه الطفيليات منتشرة بين الناس خاصة العث الذي ينقل مرض الجرب، غير أن التقارير حول الأمراض الخطرة التي تنقلها تلك الطفيليات لم تسجل بعد. وتقتصر الأعراض الناجمة عن الإصابة بهذه الطفيليات على عدم الراحة والحكة والآفات الجلدية، مما يؤدي إلى تفاقم الظروف المعيشية الصعبة التي يواجها الأفراد المصابون. يمكن أن تساعد التدابير الوقائية مثل الاستحمام المنتظم وغسل الملابس والفراش واستخدام العلاجات بالمبيدات الحشرية وعزل المصابين عن غيرهم في السيطرة على الإصابة بالطفيليات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، تعد التدخلات على مستوى المجتمع والتي تستهدف الصرف الصحي البيئي والنظافة الشخصية ضرورية للحد من انتقال أمراض الطفيليات الخارجية. ومن طرق العلاج المتاحة خاصة لمرضى الجرب وفي ظل انعدام الأدوية والعلاجات الطبية يمكن استخدام الخل بأنواعه وذلك بمسح المناطق المصابة ثلاث الى أربع مرات يوميا ولمدة أسبوع ثم يتم التوقف لمدة أسبوع أخر وبعد ذلك تكرر العملية مرة أخرى.
الالتهابات الفطرية:
تساهم الظروف المعيشية المكتظة ومحدودية الوصول إلى مرافق النظافة في انتشار الالتهابات الفطرية مثل الفطار الجلدي (السعفة) وهي عدوى فطرية تؤثر على الجلد أو فروة الرأس أو الأظافر، وداء المبيضات (عدوى الخميرة)، والفطار الجلدي المعروف أيضًا باسم "القدم الرياضي" أو "حكة اللعب"، هو عدوى فطرية تصيب الجلد والأظافر تسببها الفطريات الجلدية.
ويمكن أن تؤدي الظروف الدافئة والرطبة، فضلاً عن سوء الصرف الصحي، إلى تعزيز انتشار عدوى الفطريات الجلدية. ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فقد تم الإبلاغ عن معدلات عالية جدا للإصابة بالعدوى الفطرية بين السكان النازحين في غزة. تشمل استراتيجيات الوقاية الحفاظ على النظافة الشخصية، وارتداء ملابس نظيفة وجافة، وتجنب مشاركة الأغراض الشخصية مثل المناشف أو الملابس وارتداء الأحذية المناسبة في المناطق العامة. وقد تشمل خيارات العلاج استخدام الأدوية المضادة للفطريات والكريمات الموضعية والعلاجات التقليدية مثل المستحضرات العشبية. ومن اهم طرق علاج فطريات الجلداستخدام خل التفاح3 مرات يوميًا عن طريق وضعه على المنطقة المصابةباستخدامكرة قطنية، ويعد الخل أحد اهم العلاجات المستخدمة فيعلاج فطريات الجلدلاحتوائه على خصائص مضادة للفطريات تساعد على التخفيفمنالحكة والجفاف. ومن العلاجات الممكنة أيضا استخدام الكركم والثوم وزيت شجر الشاي ومسحوق العرقسوس إضافة الى زيت جوز الهند.
الالتهابات البكتيرية:
تزيد ممارسات الصرف الصحي والنظافة غير الكافية من خطر الإصابة بالتهابات الجلد البكتيرية. ولعل اهم هذه الأمراض التهاب النسيج الخلوي وهو عدوى جلدية بكتيرية تؤثر عادةً على الطبقات العميقة من الجلد والأنسجة الأساسية، والقوباء وهي عدوى جلدية بكتيرية شديدة العدوى تتميز بقروح حمراء أو بثور تتمزق وتشكل قشور صفراء، والتهاب الجريبات هو التهاب بصيلات الشعر، والخراجات وهي عبارة عن تجمعات موضعية من القيح داخل الأنسجة، وغالبًا ما تسببها عدوى بكتيرية، والإكثيما وهي شكل أعمق وأكثر خطورة من القوباء التي تخترق طبقة الأدمة. وتسلط التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والمحلية الضوء على مدى انتشار هذه الإصابات بين السكان النازحين في غزة. وتشمل تدابير الوقاية العناية المناسبة بالجروح، والحفاظ على النظافة الشخصية الجيدة وغسل اليدين بانتظام بالماء والصابون، وتجنب خدش الجلد المصاب أو لمسه وتجنب ملامسة المياه الملوثة. يمكن أن تلعب حملات التثقيف والتوعية في مجال الصحة العامة أيضًا دورًا حاسمًا في منع انتشار الالتهابات البكتيرية وتعزيز صحة الجلد لدى السكان في مراكز الإيواء وخيم النازحين. قد يشمل العلاج المضادات الحيوية وتطهير الجروح والرعاية الداعمة. ويمكن كذلك استخدام العديد من النباتات التي تحوي مضادات حيوية طبيعية مثل الزعتر والقرنفل والزنجبيل والثوم إضافة الى العسل.
إن وبائيات الأمراض الجلدية والأمراض المنقولة بالنواقل والطفيليات الخارجية خلال الحرب في غزة تؤكد الحاجة الملحة لتدخلات شاملة في مجال الصحة العامة. ومن خلال معالجة عوامل الخطر الأساسية، وتعزيز تدابير مكافحة ناقلات الأمراض، وتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، فمن الممكن التخفيف من عبء هذه الأمراض وتخفيف معاناة الناس.
* مختص في علم الأوبئة/جامعة القدس