السبت: 21/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تطور الأحداث و واقعية القوة والحرب في مواجهة القانون الدولي والعدالة .

نشر بتاريخ: 15/04/2024 ( آخر تحديث: 15/04/2024 الساعة: 13:37 )

الكاتب: السفير مروان طوباسي


اليوم العالم بكل مكوناته يقف في متابعة تصاعد التطورات الجارية في منطقتنا اضافة الى حرب الوكالة باوكرانيا وما لذلك من تداعيات على مناحي الحياة المختلفة ومخاطر اتساع الحروب فيها بعد الرد الايراني المحدود على دولة الأحتلال في غياب ردود عربية او على الاقل المحاولة على الرد او محاولة التأثير في فرض تلتسويات السياسية الإقليمية وتحديدا المتعلق باستمرار حرب الإبادة ضد شعبنا في غزة او الحل السياسي الشامل لقضيتنا الوطنية . حيث
أظهرت إيران قدراتها الصاروخية ولم تجر أميركا الى الصراع بعد تنفيذ أول هجوم على اسرائيل معقول ومتواضع لكنه يكتسب اهمية لتعزيز دورها ومكانتها الإقليمية والدولية بما له من شأن بمعادلة علاقة الصراع مع الولايات المتحدة على وجه التحديد والتي اعتقد انها قد حمت إسرائيل امس من الهجوم في اطار تلك العلاقة .

- عجز القانون الدولي ومعادلة القوة ....
مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية يستقيلون مستشهدين بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل والتي أصبحت ممكنة بفضل الولايات المتحدة . فلقد اصبحت الشعوب اليوم قادرة على فعل التغيير في مواقف حكوماتها تجاه ما يجري . كما انهم سوف يطالبون حكوماتهم ببذل المزيد من الجهد لوقف مثل هذه الإبادة الجماعية في غزة اضافة الى فظائع البوغروم في مدننا وقرانا ومخيماتنا الفلسطينية .

وفي ظل تعدد الأطراف المعنية بالصراع في أوكرانيا ومنطقتنا وتعقد المشهد الدولي على اثر حرب الإبادة ضد شعبنا ، تحاول الاقطاب الدولية وحتى الإقليمية أن تحدد تأثير ذلك على مصالحها وفي بنية النظام الدولي المتغير ، خاصة من حيث أنماط التفاعلات الدولية بعد الحرب وتوازنات النظام الدولي القائم ومساراته المستقبلية.

فقد أثبت القانون الدولي والمؤسسات الدولية حتى محكمة العدل الدولية التي تقف إسرائيل في قفصها اليوم ولا تنفذ قراراتنا ، أنها تشكل حاجزا ضعيفا وعاجزا أمام ممارسات وطموحات الغرب الجماعي بما في ذلك دولة الأحتلال الإسرائيلي التي تحظى بالحماية الأمريكية في تلك المؤسسات . فطالما الألتزام الأمريكي بأمن إسرائيل الإستعمارية مُستمر ، يبقى كلامهم الآخر حول الدولة الفلسطينية وهماً وسراباً جديداً وحبراً على ورق وبيع مواقف لخدمة اوضاعهم الداخلية المتأزمة ومعاركهم الأنتخابية . وبالامس اعترضت امريكا امام اللجنة الخاصة بالأمم المتحدة المكلفة من مجلس الامن على طلب عضوية دولة فلسطين الكاملة ، ومن المتوقع بان تصوت ضد ذلك بالفيتو اذا تم عرض الأمر على مجلس الامن الاسبوع المقبل .

من جهة اخرى فأن الترابط الاقتصادي المعقد وفلسفة المصالح المتبادلة بين القوى العظمى لم تمنع موسكو من اعادة بناء قدراتها والدفاع عن أمنها القومي في مواجهة تمدد الناتو من حولها لحصارها وفق ما أشرت له من خطط قديمة بمقالي السابق اضافة الى تحديات الصين في بحرها الجنوبي ، هو ما يدفع الى تبني مقولات الواقعية القائمة على القوة كأساس للعلاقات الدولية حتى هذه اللحظة .

-النكبة الثانية وقوة إسرائيل "الخفية" ..
وهذا في الواقع هو التهجير الوحشي الثاني للشعب الفلسطيني، باستخدام كافة الوسائل الإجرامية .
وبصرف النظر عن تدمير رأس المال السياسي و"الأخلاقي" لإسرائيل نفسها ، فإنها تدمر أيضا رأس المال السياسي والأخلاقي لـ “الغرب الجماعي” منذ ذلك الحين وتدفع الى تصاعد الفاشية فيه كما حدث بالامس في اقتحام ومنع مؤتمر برلين للتضامن مع شعبنا الفلسطيني ، مع عدد قليل على الامثلة من المواقف المناقضة لذلك مثل أيرلندا واسبانيا والنرويج من دول الاتحاد الأوروبي التي باتت تعلن عن نيتها باعترافها القريب بالدولة الفلسطينية .

- قوة إسرائيل الخفية ...
لكن دولة الأحتلال الإسرائيلي ، من خلال جماعات الضغط القوية المختلفة وعلاقاتها المميزة مع رأس المال المالي العالمي "إمبراطورية المال" لها تأثير حاسم على سياسة الغرب بأكمله وهي تشكل قوة دولة الأحتلال الخفية ، اضافة الى علاقاتها مع مجموعات النازية الجديدة ودعم المجموعات الصهيونية المسيحية لها بالغرب اعتمادا على الأساطير التوراتية للدين اليهودي . لذلك ستستمر محاولاتها دون تراجع باعتقادي خاصة مع نمو اليمين الديني والفاشي السياسي باسرائيل في مواجهة تصاعد الرأي العالمي المناهض لها اليوم وخاصة بالولايات المتحدة بشكل خاص والغرب عموما .

- إسرائيل ليست مجرد أداة ...
إن النظرية القائلة بأن إسرائيل مجرد أداة "دولة تابعة" للإمبريالية الأمريكية تفتقر إلى أساس متين ، فهي عملية للتغطية على الآليات الحقيقية التي تحكم السياسة والاقتصاد العالميين . ويزداد الأمر سوء عندما نجد تجريبيا أن الإمبريالية الأمريكية غالبا ما تميل إلى الخضوع لمساعي الصهيونية الإستعمارية والسياسات الأسرائيلية والتي تشكل جزا من الإمبريالية العالمية التي بدأت تواجه أزمات بنيوية . فان نتنياهو هو الذي هزم رئيس القوة العظمى أوباما بإلغاء اتفاقه مع إيران، وليس العكس. كما كان نتنياهو هو الزعيم والممول الرئيسي للمحافظين الجدد منذ تسعينيات القرن الماضي ، وصاغ استراتيجية الحرب الدائمة وتدخلات تغيير النظام التي شهدناها في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعد عام ٢٠٠١، متبعا أفكار عوديد ينون والتي تشكل معيار سياسة حكومته اليوم كما أعلنها هو وعدد من وزرائه لاستكمال مشروعهم الصهيوني التوسعي والأحلالي ، وبما يتفق مع جوهر رؤية الولايات المتحدة للشرق الاوسط الجديد واتفافيات أبراهام لاحقا وتحديدا في متابعة العمل على توقيع الاتفاقية السعودية مع اسرائيل والولايات المتحدة في اطار مسار التطبيع الابراهمي، وستكون برأيي اكثر وضوحا وتوحشا عند فوز ترامب ليتوسع بذلك التحالف الدولي لليمين الشعبوي مع الاقطاب المرتبطة بذلك في أوروبا واسرائيل .

- لماذا تحتاج إسرائيل إلى تصعيد الصراع؟
ونظراً للقضايا السياسية المتزايدة الأهمية التي يثيرها استمرار الإبادة الجماعية وفق مقولات واقعية القوة ، سيكون من المرغوب فيه أن يكون لدى حكومة الأحتلال الإسرائيلية صراع عام يشمل المنطقة بأكملها ويخلق وضعاً حيث لا يهتم سوى القليل بما يحدث في فلسطين من تنفيذ رؤيتهم الدينية السياسية . ولذلك تشارك إسرائيل في دعم نظام زيلنسكي النازي في أوكرانيا وتساهم في إثارة بؤر توتر اخرى بالبلقان وفي الخلاف الأرمني الأذربجياني وغيرها من بؤر التوتر حول العالم ومساندة قوى الشد العكسي اليميني بأمريكا اللاتينية مثل ما ساندت بولسينارو اليميني بالبرازيل قبل سقوطه وما يجري الان من محاولة في كولومبيا . كما ويعيق نتنياهو صفقة تبادل الأسرى والأنسحاب وفق ما يجري الان من سياسة تدخل مباغت لقواته والقصف الشديد في مناطق عدة بغزة بهدف إعاقة اي حلول ممكنة وتمرير مواقفه .

وإضافة على ذلك ، فإن تغيير النظام في إيران كما في سوريا واليمن بعد فشل السياسات الأمريكية نسبيا فيها منذ الخريف العربي كما وبحرب اليمن ، وتدمير الحركات المتحالفة معها مثل حزب الله وبعض الميليشيات المتمركزة في العراق وضرب وإنهاء دور الحركة الوطنية الفلسطينية ، كان الحلم الكبير لنتنياهو منذ عشرين عاما حيث تم تنفيذ عدد كبير من التدخلات لمحاولات القضاء على فكر المقاومة وتراث منظمة التحرير التاريخي منذ الخروج القسري من بيروت .

لذلك فإنني اعتقد أن نتنياهو سيمضي في هذا المشروع حتى النهاية لإشراك الولايات المتحدة في خطته او توريطها ، ايضا من اجل بقائه السياسي كنقطة ارتكاز لليمين الشعبوي العالمي والذي يستقطب اليوم الحركات النازية الجديدة تحديداً في أوروبا وأمريكا اللاتينية ، رغم ان الأميركيون يدركون أيضا أساليب نتنياهو وأن مثل هذا الصراع في جميع الاحتمالات والاتجاهات سيكون من المستحيل السيطرة عليه ولهذا برزت بعض مفاصل التباين بالرأي بينهم .

ومن المحتمل أيضا أن يتطور الصراع إلى قنبلة نووية في أوراسيا او منطقتنا اذا توسع الصراع فيها ، ولهذا السبب يبدو أن واشنطن لا تريد ربما مثل هذا الصراع . ولكن كما أظهر الهجوم الأخير على القنصلية الإيرانية في سوريا ومحاولات جرها الى أتون الحرب ، فإن إسرائيل لم تتخلى عن مواصلة مثل هذه الحرب . وما دامت حرب الإبادة والتهجير في غزة لم تتوقف ، فإن فرص اندلاع صراع أوسع في الشرق الأوسط في نهاية المطاف كامتداد لما يجري في وسط شرق أوروبا الأوراسية ليست ضئيلة. مثلما أن فرص نشوب صراع نووي ليست ضئيلة ما دام الغرب يرفض قبول حقيقة أنه غير قادر على هزيمة روسيا أو الإطاحة بنظامها او مواجهة الصين التي تتحرك بسياسات تخدم مصالح تطور نفوذها .

- أدارة أوروبا ...
إنه لأمر خطير ايضا أن تُدار أوروبا اليوم من قبل موظفي أدارة في غياب زعامات ، هم عبارة عن دمى لإمبراطورية المال وحلف شمال الأطلسي يقدمون الخدمات لاسراىيل تحت مبررارت عقدتهم التاريخية من معاداة السامية والهولوكوست ، رغما عن بعض الاستثناءات المشرقة التي تتخذ موقفا ضد كل من الحرب ضد روسيا وتسليح أوكرانيا واسرائيل وفق ضغوطات ومصالح مجمع الصناعات العسكرية ايضا ، كما ومن اجل استمرار الإبادة الجماعية في غزة . هذا القوى تتمثل في الحزب الجديد في أوكرانيا المناهض للنازية الجديدة ، اليسار الألماني الجديد ، وحزب فرنسا الأبية بزعامة اليساري جان لوك ميلينشون وهو الحزب الرئيسي لليسار الفرنسي المعارض لماكرون ، اضافة الى بعض القوى اليسارية والتقدمية المنتشرة في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تقود فعاليات التضامن مع شعبنا .
ذلك ليس فقط في مواجهة الحرب التي تدور رحاها الآن فحسب، بل وأيضاً في مواجهة خطر حرب أعظم ربما تكون قادمة . فعلى الرغم من أن بايدن وكبار مسؤولي إدارته ينفون أي نيّة للتدخل مباشرة، فإن الحشود العسكرية تؤشر بأن أميركا تعود إلى ملئ الفراغ الاستراتيجي الذي تركه منذ سنوات انكفاؤها عن الشرق الأوسط الذي تحتل بلدانه ٦٠% من الاحتياطي العالمي للنفط و ٤٥% من الغاز الطبيعي ، اضافة الى ما تشكله المنطقة من اهمية جيوسياسية وضرورة لتمرير مشروع "طريق التوابل الجديد" بالرعاية الأمريكية الذي يربط الهند باوروبا عبر الشرق الاوسط "المتجدد" في مواجهة مشروع "الحزام والطريق" الصيني ومشروع "قناة بن غوريون" في مواجهة قناة السويس للضغط على مصر ، ورؤيتها في تطويع حكومات المنطقة تحت تدخلات ضرورات التجديد والتجدد .

لذلك أعادت إدارة بايدن التفكير في خطط الانتشار العسكري الأميركي في العالم، وخاصة في المناطق التي يمكن من خلالها احتواء كل من روسيا والصين ومحاولات تنفيذ مشاريع الهيمنة والحروب الإقتصادية .

- مناهضة الدفع باتجاه توسيع الحرب ...
إن شعوب العالم تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حركة كبرى مناهضة للحرب في مختلف أنحاء الغرب تحديداً بما يذكرنا بحملة مناهضة الحرب ضد فيتنام بأمريكا سابقا . إن إنشائها اليوم يشكل من جهة اخرى سندا لحركة الشعوب العالمية المتصاعدة المناصرة لفلسطين ، وهو وقت مناسب له أهمية استراتيجية بالنسبة لنتيجة الوضع الحالي الخطير للغاية الذي يهدد السلم والأمن الدوليين .