الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
لا تكمن المشكلة في القوة او الضعف في صراعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي وانما في الدور الذي يلعبه كل طرف، ولا يهم أي طرف ينتصر عسكريا في حرب او معركة لان المعارك قادمة والحروب كثيرة، والمعضلة الأساسية ان الاحتلال تحوّل الى خط انتاج نشط يخلق الحروب والمعارك دون توقف. ولغاية الان (من دون اليمن وقصف السودان وقصف حمامات الشط في تونس واغتيال العلماء في العراق) تسبب الاحتلال في 19 حربا ومعركة من ثورة 1936 مرورا باجتياح الليطاني عام 1978 وصواريخ صدام عام 1991 وحتى حرب تشرين الراهنة 2023 وصواريخ ايران 2024.
من فاز في كل هذه الحروب؟ من انتصر؟ من انهزم؟ من حسم المعركة؟ وهل تخلّص من انتصر من همومه ومشاكله التكوينية!!
المثل اليهودي باللغة العبرية يقول: الويل للمنتصر. والمشكلة انهم كل مرة يدفعون بكل قوتهم لينتصروا ثم لا يكفون عن البكاء، وعن الشكوى لانهم انتصروا عسكريا !! والانتصار العسكري لا يحل مشاكلهم بل يخلق عندهم مشاكل جديدة.
السلام كان الحل الأنسب لإسرائيل للتخلص من معظم مشاكلها التي اوجدتها بأيديها. الانسحاب من الأراضي الفلسطينية كان سيوفر حياة من دون حروب، ولكن اليمين ونتنياهو زرعوا في كل مدينة مستوطنة ، وهم يعلمون ان كل مستوطنة سوف تتسبب بحرب أخرى.
فيما مضى كانت الحروب تأتي بمعدل حرب واحدة كل عشر سنوات. وفي العشرين سنة الماضية صارت الحروب تأتي كل خمس سنوات مرة. اما الان فالحروب تأتي كل سنتين مرة.. والأمور تتدهور الى مواجهات يومية عمليات ثم عمليات اغتيال مضادة كل يوم ودون توقف.
وبينما يجتمع كابينت الحرب الإسرائيلي في داخل بئر وزارة الدفاع بتل ابيب.. هناك عشرات الاف الايتام في قطاع غزة لا يجتمعون ولا يأكلون ولا يفكرون الا بالانتقام، وقرروا سلفا انهم حين يكبرون سينتقمون من تل ابيب.
فهل يخشى العقلاء وعلماء الاجتماع من اجتماع نتنياهو والكابينت في تل ابيب؟ ام من عيون الأطفال اليتامى في غزة والذين لا يقرأون اللغة العبرية ولا الإنجليزية ولا يريدون ان يعرفوا من هو رئيس الوزراء البريطاني سوناك ولا يريدون معرفة اذا كان ترامب يفوز برئاسة أمريكا ام لا؟
أي طبيب في الطوارئ يوقف النزيف أولا ومن ثم يبدأ بمعالجة الجريح والمصاب. الا في عرف الزعماء الاغبياء في الشرق الأوسط، يقومون بعملية جراحة "قلب مفتوح" والمريض لا يزال ينزف دما دون ان ينتبه احد لإيقاف النزيف أولا.
تنقل أمريكا اساطيل السلاح للشرق الأوسط. وتدفع بريطانيا العجوز بكل قوتها لدعم اليمين الإسرائيلي، وتمخر السفن الفرنسية عباب البحر لقصف اليمن، قبل ان يجرؤ احد فيهم على السؤال: ما السبب الأول وراء هذه الحروب؟
وكيف يمكن وقفها فورا ومنع سقوط أي ضحايا جدد؟
حين اعلن نتنياهو في العام 2014 وقف التفاوض مع الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان في الضفة وتشديد الحصار على غزة. يومها كان وقّع على شهادة وفاة الاف الإسرائيليين وعشرات الاف العرب.
لا نتنياهو ولا بايدن ولا مراهقي أوروبا يستطيعون رسم الحلقة الأخيرة في الحرب على غزة. من دون حل سياسي عادل تبقى الفاتورة مفتوحة بانتظار حروب أخرى كثيرة.