الكاتب: حازم القواسمي
لقد طال انقسام الشعب الفلسطيني، وطالت الشرذمة والضياع، وطال اشتياقنا للوحدة الوطنية والعمل المشترك من جميع الفصائل والأحزاب الفلسطينية من أجل التحرير والعودة والاستقلال. وكان لهذا الانقسام ثمن باهظ للأسف دفعه الشعب الفلسطيني من دماء أبناءه في مواجهة الاحتلال وفي مواجهة قوى الاستعمار العالمية التي تكالبت هي أيضاً عليه بالإضافة لغدر بعض الأنظمة العربية التي هي أيضاً لم ترحمه بل ساهمت أيضاً في تعزيز الانقسام اللعين من أجل أجندات مشبوهة.
نحن لم نستطع إنهاء الاحتلال عندما كنا موحدين لعشرات السنين خلف قيادة واحدة جامعة لكل الطيف الفلسطيني، فكيف ننجح الآن ونحن منقسمين مشتتين ننكاف بعضنا البعض ونتصيّد لبعضنا البعض ونعمل ضد بعضنا البعض. وكان هناك محاولات وجهود من شخصيات فلسطينية – وكنت أحدهم - ومن عدد من الدول العربية على مدار سبعة عشر عاما من أجل لم الشمل الفلسطيني وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، إلا أن جميع تلك الجهود باءت بالفشل. وأصبح الحديث في هذا الشأن ممل وغير ذي جدوى وميؤس منه بالمرة.
ونتيجة لذلك اليأس من إنهاء الانقسام بالطريقة التقليدية، نشأ حديثاً حراكا فلسطينياً في فلسطين وخارجها من أجل تحقيق الوحدة الوطنية من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تصبح بحق الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. فالوضع الحالي للمنظمة سيء للغاية من ناحية البناء والأداء والفعالية، ويكاد يكون هناك اجماع فلسطيني على الحاجة لتوسيع قاعدتها التمثيلية لتشمل الكل الفلسطيني، وضرورة ضخ دماء جديدة في صفوف قياداتها حتى تنهض من هذا السبات العميق الذي أضرّ بالقضية الفلسطينية وأطال من معاناة الشعب الفلسطيني. وهذا الحراك من أجل إعادة بناء المنظمة متعدد من ناحية القطاعات والجغرافية والانتماء السياسي. فهناك حراك من داخل الضفة الغربية مثل نداء فلسطين الذي انطلق من رام الله وشمل شخصيات مستقلة وأعضاء من حركة فتح ومن أحزاب اليسار الفلسطيني بما فيهم أعضاء لجنة تنفيذية. وهناك حراكات عديدة أخرى داخل الخط الأخضر وفي القدس وخارج فلسطين في أوروبا والولايات المتحدة تصب في ذات الهدف وهو إعادة بناء منظمة التحرير. وبالرغم من أنّ الحديث عن الحاجة لإعادة بناء المنظمة ليس موضوعاً جديدا، وهو على طاولة البحث الفلسطينية من قبل جميع الفصائل الوطنية والإسلامية منذ زمن طويل، إلا أن هناك بارقة أمل هذه المرة وخاصة بعد حرب الإبادة على غزة التي قلبت جميع الموازين رأساً على عقب وفتحت عيون الفلسطينيين في كل مكان على تفاهة الانقسام وتفاهة كل شي أمام التضحيات الجسام التي قدمّها شعبنا في غزة. وأصبحت الإرادة للتغيير قوية بشكل غير مسبوق مما يعطي الأمل في التقدم ولو بخطوات متواضعة تجاه تصويب وضع المنظمة لتصبح بحق البيت الجامع للكل الفلسطيني. والمهم في التوجه الجديد أنه لا يقصي أحدا من الفلسطينيين، فقد تعبنا من الإقصاء والتفرد بالقرار واختطاف القضية وقراراتها المصيرية دون اجماع فلسطيني. وآن الأوان أن نتوحد خلف قيادة واحدة يرضى عنها الشعب الفلسطيني في كل مكان، لا قيادتين متناحرتين باستراتيجيتين مختلفتين تركض بالشعب باتجاهين متضاربين. آن الأوان أن نوحد كلمتنا، ونتبنى استراتيجية واحدة للنضال ضد هذا العدو الذي لا يرحم ولا يفرّق بين فتحاوي وجبهاوي وحمساوي ولا يرى أي فلسطيني. فعدونا لا يرانا بشراً نستحق الحياة وقد رأينا وما زلنا نرى حتى يومنا هذه بشاعة أفعاله غير الإنسانية والمتوحشة في قتل أطفالنا ونسائنا وتدمير قطاع غزة من شماله حتى جنوبه.
آن الأوان أن نحترم الانسان الفلسطيني الذي يضحي بأغلى ما يملك، ولا يتردد بالتضحية بنفسه وأولاده من أجل التحرر والعودة والاستقلال. يكفينا قتال من أجل الكرسي والسلطة والحكومة والقيادة، فجميعنا تحت بطش الاحتلال وكل هذه الكراسي والمسميات لا تسوى شيئاً أمام تضحيات شعبنا. نحتاج لبضع من التواضع، وشيء من التراحم، وبعض من الأخوة، حتى نستطيع أن نعمل مع بعضنا البعض لا أن ننحر بعضنا البعض. لذلك لا بدّ لنا الآن أن نتساعد جميعاً حتى ننجز هذه المهمة الشاقة في إعادة بناء منظمة التحرير. هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر والتحديات لأننا ما زلنا تحت الاحتلال وما زال هناك العديد من الجهات التي لا تريد لنا الخير ويتربصون بنا ليل نهار. إنّ تنظيم صفوف الشعب الفلسطيني وتوحيده تحت إطار منظمة التحرير سيعطيه دفعة نضالية قوية داخل وخارج فلسطين. وسيعزز الانتماء الوطني ويشجع كل فلسطيني في كل مكان على المبادرة للعمل البنّاء والخلّاق من أجل إسناد القيادة التي تمثله والتي تضحي من أجله ومن أجل قضيته. فكم كنا وما زلنا بحاجة لجسر الهوة بين القيادة والشعب الفلسطيني، وكما نحن بحاجة لإعادة بناء منظمة التحرير فنحن بحاجة أيضاً لاعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب لأن لغة الحوار والمكاشفة والتواصل تكاد تكون معدومة منذ زمن طويل وكأن القيادة في واد والشعب في واد آخر. آن الأوان من أجل إطلاق الحوار الوطني وإعادة بناء الثقة مع الانسان الفلسطيني داخل فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات. هناك طاقات شبابية فلسطينية نفتخر بها موجودة في كل دول العالم، وهناك مفكرين وسياسيين وأدباء وعلماء وأكاديميين وإعلاميين واقتصاديين داخل وخارج فلسطين نرفع لهم القبعة لما لهم من إنجازات قيمة، يستطيعون أن يقدموا للقضية الفلسطينية أكثر بكثير مما نتوقع، ويستطيعون أن يجندوا الرأي العالمي لصالح القضية الفلسطينية. ولكن يجب أن يتم التواصل معهم واحتضانهم تحت راية منظمة التحرير. ربما كان الثمن الذي دفعه شعبنا في غزة باهظاً جدا، لكنه أعطانا بارقة أمل أن التحرير اقترب أكثر من أي وقت مضى وأننا بحاجة لتعظيم الجهود وتوحيدها حتى لا تضيع تضحياتنا سدى وحتى نقطف ثمار نضالنا ونصل فيه إلى اليوم الذي نمارس فيه حقّنا في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.