الكاتب: الدكتور خالد أبو ظاهر
ان العوامل المسببة لانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين افراد المجتمع الفلسطيني كثيرة ومتعددة ومتداخلة ومتفاعلة فيما بينها، بحيث يصعب الفصل بينها، ويصعب تحديد عامل واحد لها، لان الانسان ما هو الا نتاج بيئته، لذلك يمكن القول ان العوامل المسببة للإدمان مرتبطة بالجانبين الذاتي والجانب البيئي، فهما وجهان لعملة واحدة، الا انه في بعض الأحيان تزداد العوامل الذاتية الدافعة للإدمان وفي أحيان أخرى تزداد العوامل البيئية وتكون أكثر تأثيرا في الانحدار نحو هاوية الإدمان، وبالإضافة للعوامل الذاتية والبيئية هناك عوامل أخرى مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والنفسية والجنسية والاحتلالية والأمنية والثقافية وعوامل أخرى تتعلق بالمخدرات من حيث ثمنها وسهولة الحصول عليها.
وبالرغم من ان الاجهزة الأمنية الفلسطينية تواصل جهودها الحثيثة للتصدي لظاهرة تعاطي وتجارة المخدرات المتفشية بالأوساط الشبابية، الا ان توصيات المحللين والمراقبين تؤكد أن الجهود الأمنية لا تكفي للوقاية والمكافحة من ظاهرة تعاطي المخدرات والحد منها.
مع ان إدارة مكافحة المخدرات تعمل في ظروف معقدة وخاصة التقسيمات الإدارية، ومنعها من العمل في العديد من المناطق وعدم سيطرتها على الحدود وشح الإمكانيات، لكنها ورغم ذلك عملت على تطوير ذاتها وإمكانياتها وقدرات ضباطها وأفرادها وتقديم الدورات اللازمة لهم في هذا المضمار وحققت النجاحات تلو النجاحات في مكافحة هذه الآفة لتتراجع بشكل واضح في العام المنصرم عما كانت عليه في الأعوام الثلاثة التي سبقته.
وان الانخفاض في عدد قضايا ضبط المخدرات التي سجلت هذا العام لا يعد مؤشرا على انخفاض المستهلكين والمتعاطين للمواد المخدرة وتنامي الطلب عليها حيث اعتمد الكثير منهم على شراء المواد المخدرة من المناطق الحدودية والقريبة من جدار الضم والتوسع وأبراج المراقبة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، كما ان التكييف القانوني للقضايا تشير الى ان نسبة قضايا ضبط التعاطي ما زالت تشكل 90% من قضايا الضبط خلال السنوات السابقة، بينما تشكل قضايا الزراعة والتجارة والترويج والتخزين 10% اضافة الى ان وسائل تهريب جديدة ظهرت مؤخرا قادمة من الخارج ، مثل :
بيع المخدرات عبر تطبيق التيليجرام (حدث في رام الله)
توزيع المخدرات من خلال خدمة الدليفري (حدث في قلقيلية)
ان ظاهرة تعاطي المخدرات ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في المجتمع الفلسطيني، من خلال ازدياد اعداد المتعاطين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، والتي أدت الى حدوث جرائم متعددة ومتنوعة، أضف الى ذلك حدوث المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والنفسية للأفراد والمجتمع. على الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية تدلل على العدد الحقيقي لمتعاطي المواد المخدرة ومدمنيها تشير الى الوضع الحقيقي لحجم مشكلة المخدرات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، الا انه لا يمكن الانكار بان حجم المشكلة في ازدياد مطرد وهذا ما تدلل عليه احصائيات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لعدد من قضايا ضبط المخدرات وعدد المتورطين فيها على مدار العشر سنوات الماضية.
وبهذا الخصوص قال المتحدث بإسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات بان إدارة مكافحة المخدرات تعاملت على مدار عام 2022 مع 1718 قضية ضبط مخدرات تنوعت ما بين تجارتها ، وترويجها ، وزراعتها ، وتوزيعها ، وقد كانت محافظة اريحا المحافظة الأكثر تسجيلا لهذه القضايا والتي بلغت 241 قضية بنسبة 14% من بين هذه القضايا المسجلة لدى الإدارة ( قضايا حيازة وتعاطي والمضبوطين في هذه القضايا يشمل حملة الهوية المقدسية أو الزرقاء الذين يرتادون على اريحا للتنزه والاستجمام )، تلتها محافظة طولكرم والتي سُجل فيها 212 قضية بنسبة بلغت 12% ( أيضا قضايا تعاطي وحيازة والمضبوطين في هذه القضايا ممن يحملون هوية إسرائيلية) ، وبعدها جاءت بيت لحم وقلقيلية بنسبة 11% لكل منها ، بينما كانت طوباس المحافظة الأقل تسجيلا لهذه القضايا بنسبة بلغت 2% .
وأوضح ارزيقات بأن المقبوض عليهم في جرائم المخدرات على مدار العام اشتملت على جميع الفئات العمرية، ولكنها تركزت في الفئة العمرية ما بين 18- 35عام بنسبة 76%، تلتها الفئة العمرية ما بين 35- 45 عام بنسبة بلغت 16%، وجاءت بعدها الفئة الأقل من 18 عاما بنسبة 5%، بينما حازت الفئة العمرية ما بين 45-55 على ما نسبته 2%، اما الفئة العمرية الاكثر من 55 عام بنسبة 1%، كما كانت فئة الغير متزوجين أعلى نسبة ما بين المتعاطين بنسبة 61%، ونسبة المتزوجين 37%، والأرامل 3% والمطلقين 2%.
ولأن الحصول على المواد المخدّرة أصبح عملية سهلة، وهناك أطراف خارجية تبحث عن تحقيق الثروة، وأطراف احتلالية تسعى الى إثارة الفوضى وتدمير المجتمع، بالإضافة للأوضاع الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني سواء في قطاع غزة من حرب وتدمير وابادة، وكذلك في الضفة الغربية والتي تعاني من الاقتحامات الدائمة ومن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتوفر ضعاف النفوس اللذين يسعون الى الاستفادة من الأوضاع الغير طبيعية والتي يعيشها مجتمعنا في جميع المحافظات الشمالية والجنوبية وكذلك في مدينة القدس ، أصبح واضحا للجميع ان الجهود الأمنية لا تكفي للتصدي لهذه الافة.
وبيّن ارزيقات بان هناك ثقافة قانونية واجتماعية بدأت تظهر في المجتمع الفلسطيني تمثلت بجرأة الأسرة في الابلاغ عن أحد افرادها لتعاطيه المخدرات، وبالتالي تُقدم الحماية له وللأسرة وللمجتمع وقد سجلت ادارة مكافحة المخدرات عام 2022 بهذا الخصوص 64 بلاغ، بينما كانت في العام الذي سبقه 47 بلاغا والتي تتعامل معها باستثناء وسرية شديدة، ومن هذه الحالات والتي ذكرت على موقع الشرطة الفلسطينية، ما يلي:
• مواطن يسلم ابنته للشرطة لتعاطيها المواد المخدرة في رام الله
• مواطن يسلم ابنه للشرطة لتعاطيه المخدرات في الخليل
• مواطن يبلغ الشرطة عن عثوره على أشتال يشتبه أنها مخدرة في قلقيلية
• أم تبلغ الشرطة عن ابنها وأصدقائه للاشتباه فيهم بتعاطي المخدرات بنابلس
• الشرطة تلبي نداء استغاثة من عائلة لقيام ابنهم بتعاطي مواد يشتبه أنها مخدرة في جنين
• مواطن يبلغ الشرطة عن شقيقه لتعاطيه المخدرات في الخليل.
• سيدة تسلم الشرطة ابنها المتعاطي ومواد مخدرة تعود له في بيت لحم
وبمساعدة المواطنين تمكنت أجهزة الامن الفلسطينية وخاصة افراد إدارة مكافحة المخدرات من القبض على العديد من التجار والمروجين والمتعاطين والذين استخدموا وسائل حديثة في الترويج والتوزيع للمواد المخدرة.
وهذا يؤكد نتائج الدراسات التي تجزم أن الحدّ من انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في الاوساط الشبابية، يتجاوز جانبه الأمني الى جوانب أخرى لتشمل الاسرة، المدرسة، الجامعة، المجتمع، مؤسسات المجتمع العامة والخاصة، والاعلام بشتى صوره، من خلال ما يلي:
1- معالجة العلاقة داخل الاسرة بين الشباب وعائلاتهم واسترجاع العائلة لدورها التقليدي في التربية.
2- معالجة العلاقة بين المربي والتلميذ في المدرسة والجامعة والاهتمام بدور المتخصصين الاجتماعيين والنفسيين.
3- ان الوقاية والمكافحة من المخدرات مسؤولية مجتمعية شاملة وتعتبر من اهم مسؤوليات الاسرة والمدرسة والاعلام وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة.
4- ان توحيد جهود مختلف الأفراد والمؤسسات، المدنية والحكومية، يمكننا العمل على تقليل نسبة المتعاطين.
5- تنشيط دور بيوت العبادة والعمل على احياء الوازع الديني من خلال الخطب واللقاءات والدروس الدينية.
6- ان أفضل وسيلة للحد من المخدرات هي الوقاية التي تعمل على حماية المجتمع والأجيال القادمة من خطر المخدرات، وقد وجد ان الجهد الذي يبذل في الوقاية هو عشر الجهد الذي يبذل في العلاج.
7- ان مساعدة الأجهزة الأمنية عامة وافراد دائرة مكافحة المخدرات خاصة في ملف المخدرات، يمكننا من التصدي لهذه الافة والعمل على الحد منها.
8- بالإضافة الى سعي الحكومة الفلسطينية الجاد الى محاولة إيجاد حلول للمشاكل والأوضاع الصعبة التي يعيشها مجتمعنا الفلسطيني من جميع النواحي.
ان جميع تلك الجهود والتوجيهات إذا ما اقترنت بالجهود الأمنية للأجهزة الفلسطينية المختلفة، فحتما ستؤدي الى الحد من انتشار ظاهرة الاتجار والتعاطي للمواد المخدرة بين فئات المجتمع الفلسطيني.