الكاتب: نضال منصور
كل يوم تتسع الاحتجاجات داخل الجامعات الأميركية تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ورفضا لحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ولم تنجح الأكاذيب التي يطلقها قادة إسرائيل، بأنها معادية للسامية من وقف امتدادها، وتزايد قوتها، ووضوح أهدافها.
الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تعتبر إسرائيل خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، لم تتورع عن السماح باقتحام الحرم الجامعي، واعتقال الطلبة، وحتى بعض الأساتذة الجامعيين في مشهد لم يخلُ من العنف، والاعتداءات، والانتهاكات، وهو ما استدعى من منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش للتحذير من هذه الانتهاكات، والتعدي على الحق الدستوري بالتظاهر والاحتجاج، وكل ذلك فتح شهية، وتندر، وسخرية النشطاء على السوشال ميديا مما يحدث في الجامعات الأميركية، واستدعاء مشاهد القمع في دول ديكتاتورية، ومقارنتها مع ما يحدث في المدن الأميركية.
تاريخ الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة مُلهم، وفي الأغلب كانت مفصلا لتحولات مهمة، ولا يمكن القفز عن دورها في مناهضة الحرب على فيتنام، أو مناهضة نظام الفصل في جنوب أفريقيا، ولذلك فإن الرهانات أن تفتح هذه الاحتجاجات البوابة لربيع واشنطن ضد الهيمنة الصهيونية في الولايات المتحدة، فالمطالب الطلابية واضحة، أولها رفض حرب الإبادة، ووقف الحرب، والضغط على الإدارة الأميركية لوقف الدعم لإسرائيل، وفي مقدمته توريد الأسلحة، أما الهدف المباشر للطلاب فهو سحب استثمار جامعاتهم من أي شركة إسرائيلية، أو أي شركات تتولى تصنيع الأسلحة لدولة الاحتلال، ووقف التعاون الأكاديمي والبحثي مع المؤسسات الإسرائيلية.
توجهات الطلبة في الجامعات الأميركية ستصيب شركات عملاقة في أميركا، وحول العالم في مقتل نظرا لارتباطها بعقود مع دولة الاحتلال العنصري، فمن عقود برمجيات إلكترونية، إلى معدات ثقيلة تتنوع أسماء الشركات، وفي تجربة المقاطعة التي تقودها BDS نموذجا مهما يمكن البناء عليه.
انتفاضة الجامعات الأميركية ستكون الشرارة لاحتجاجات مشابهة في أوروبا، وقد بدأت فعلا إرهاصات لذلك في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وحملات القمع الممنهجة للأصوات الطلابية لن تنجح، فالتاريخ يقول ذلك، والمجتمعات ستكون حاضنة لها، وأهم الدروس المستخلصة بعد أكثر من 6 أشهر على العدوان على غزة أن القناع المزيف لدولة الاحتلال الإسرائيلي سقط، وجرائمها لن تمر، والشباب والشابات في كل مدن العالم عرفوا الحقيقة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، والسردية الإسرائيلية التي تقدم نفسها كضحية لمعاداة السامية بضاعة لم يعد أحد يشتريها.
ما بين السابع من أكتوبر، واليوم تحولات يجب رصدها، رغم أن أميركا، ودول أوروبية ما تزال تدعم بقوة، وتناصر دولة الاحتلال، ولكن استمرار الحكومة الإسرائيلية بقيادتها المتطرفة بتوسيع نطاق الحرب، وإصرارها على عملية عسكرية جديدة في رفح يزيد من حرج الدول المؤيدة، ويفضح المشروع الإسرائيلي القائم على القتل لتحقيق التهجير القسري للشعب الفلسطيني، وكل ذلك يشكل قوة إضافية للأصوات العالمية التي تطالب بالتحرر من السطوة الصهيونية، ويمنح أصوات الطلاب في كل مكان حجة أخلاقية، وقانونية للمطالبة بوقف جرائم الحرب الإسرائيلية، والتصدي لمن يدعمها، ويمد لها شريان الحياة.
الطلبة يستدعون ربيع واشنطن، ويرفضون أن تكون بلادهم أداة طيعة بيد قادة تل أبيب، ويرفضون المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ويؤكدون أن القانون الدولي يجب أن يُطبق على دولة الاحتلال، فلا يجوز لدولة مارقة أن تظل بمنأى عن المساءلة، والمحاسبة.