الكاتب: اسامة خليفة
في ظروف حرب الإبادة الجماعية والتهجير والقتل والتدمير، نحتار كيف نخاطب عمالنا في يوم العمال العالمي، وكيف نهنئهم في يوم إحياء ذكرى نضالاتهم ومعاناتهم في سبيل الكرامة ولقمة العيش، وكيف يتم التضامن معهم ضد الممارسة العنصرية الإسرائيلية بحرمان آلاف العمال في الداخل المحتل من حقهم في الأجر المناسب، وفي التأمين الصحي، وتلقي العلاج في المستشفيات إذا تعرضوا للإصابة خلال عملهم عند المشغلين الإسرائيليين الذين يشغلونهم في ظروف عمل خطرة لاسيما عمال البناء.
هذا العام يصادف الأول من أيار/ مايو اليوم الـ« 207» للعدوان الإسرائيلي الهمجي على شعبنا في القطاع وفي الضفة المحتلتين، همجمية نازية حصدت من الشهداء ما يزيد عن 33 ألفاً معظمهم من شهداء طبقتنا العاملة ونسائهم وأطفالهم، ومن الجرحى آلاف الإصابات الجسدية الخطيرة، التي تفوق كل إصابات العمل في تاريخ الطبقة العاملة الفلسطينية، لقد تفاقمت أوضاع عمال غزة بالانتقال من تحت وطأة الحصار الاسرائيلي الجائر والظالم على قطاع غزة، وعبر الحروب الإسرائيلية العسكرية المتكررة على القطاع، والانتهاكات المتواصلة والتي وصلت إلى ذروتها في حملة الإبادة الجماعية الحالية التي دمرت كل مقومات الحياة، وشلت القطاعات الصناعية والإنتاجية المختلفة، وجاءت لتكمل على ما تبقى من بنية تحتية، وتحولها إلى أنقاض.
أدت حالة الحصار الممتدة على مدى 17 عاماً إلى أزمات اقتصادية شملت كل قطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني في غزة، في أكبر سجن عرفه تاريخ البشرية جعل من الحصار أبشع جريمة عقاب جماعي بحق شعب عاش مرارتها، ومن الحصار إلى أبشع جرائم الإبادة الجماعية التي فاقت جرائم النازية بعد السابع من تشرين أول / أكتوبر 2023، تحولت خلالها شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني في غزة إلى طبقة واحدة منكوبة في وضع إنساني كارثي ينعدم فيه الأمن الغذائي، في مخطط ممنهج يستهدف الوجود الفلسطيني على أرض غزة.
في إطار حرب الإبادة شملت حرب التجويع الجميع، ذوبت الفوارق والخصائص الاجتماعية، وصهرت الكل من أهالي غزة في شعب مهجّر يعيش في الخيام في نكبة جديدة تشابه النكبة الأولى عام 1948، فكيف نقيس نسبة البطالة ولا معامل ولا ورش عمل ولا مشاريع اقتصادية، ولا فلاح يزرع فيحصد، ولا عامل ينتج، غابت أصوات طرق المعاول والفؤوس والمناجل، وصمتت أغاني حصاد الزيتون، وحل مكانها دوي الانفجارات، مشيرة حسب تقديرات منظمة العمل الدولية إلى فقدان 390 ألف وظيفة في الشهر الأول للحرب.
لم نعد نتحدث عن نسبة بطالة عالية في أوساط طبقتنا العاملة التي وصلت في ظل الحصار إلى 50%، أو عن ارتفاع نسبة الفقر في أوساط عموم شعبنا، وبعد شهر تقريباً من اندلاع الحرب العدوانية 10/11/2023 حذرت الأمم المتحدة، من أن معدل الفقر لدولة فلسطين سيرتفع بنسبة 34%، وسيرزح نصف مليون شخص إضافي تحت وطأته في حال استمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لشهر ثان، وحسب توقعات دراسة الأمم المتحدة، في حال استمرت الحرب شهراً ثالثاً، سيرتفع معدل الفقر بنحو 45%، ما سيزيد عدد الفقراء بأكثر من 660 ألف، بينما سيبلغ انخفاض إجمالي الناتج المحلي 12.2%، مسجلاً خسائر إجمالية تصل إلى 2.5 مليار دولار.
ووفق تقديرات أولية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، أن إجمالي الناتج المحلي لفلسطين سيهوي بمعدل 8.4%، ما يمثل خسارة قدرها 1.7 مليار دولار.
لا تفقد الدراسات مضمونها، وإن كان الحصار قد أجرى تحولات سلبية في أساليب المعيشية، والوظائف والأسواق والصناعات، طالت مجمل شرائح المجتمع، لكنها أبطأ من تلك التحولات السلبية التي سببتها الحرب العدوانية على الحياة الاجتماعية، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه البحث عن قطاعات جديدة تستوعب القوى العاملة الفائضة. جرى تدمير البنية الاقتصادية والصناعية المحدودة التي كانت قائمة، ولم يعد ينفع علمياً دراسة الفقر والبطالة ونسبها في مجتمع منكوب، وقد فاقت آثار هذه الحرب كل ما هو متوقع، وستكون نتائجها طويلة الأمد، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل النتائج، طالما لم يستطع إيقاف الحرب العدوانية رغم دخولها الشهر السابع.
فليكن يوم العمال العالمي يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد سياسة الإبادة والقتل والتدمير، ترفع فيه الاعلام والرموز الفلسطينية، وتردد الشعارات المناهضة للاحتلال والعدوان، وليكن مناسبة للتنديد بإسرائيل وداعمتها الولايات المتحدة، ومحاسبة كل من يقدم السلاح والعتاد والقنابل باعتباره متواطئاً مع إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية، ليكن يوماً تتضافر فيه جهود الحركة الطلابية الثائرة على الظلم، والمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، مع حركة عمالية تقودها النقابات والاتحادات العمالية تدعو إلى مقاطعة شاملة لإسرائيل في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأكاديمية، تتطور إلى حركة جماهيرية واسعة تشكل قوة ضغط على حكومات الدول الداعمة لإسرائيل، كي تتراجع عن سياستها في دعم العدوان، وتعمل بمصداقية وجدية من أجل حل سياسي عادل يقوم على الحقوق الوطنية الفلسطينية المعترف بها دولياً.
وكما عودتنا الحركة العمالية العالمية في نصرة قضيتنا الوطنية، فمن المتوقع في يوم العمال العالمي، أن يتحول هذا اليوم إلى يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وعلى الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين أن يدعو الطبقة العاملة في كل مكان إلى مساندة شعب فلسطين في كفاحه ضد الصهيونية والاستعمار، لذلك من الخطأ إلغاء فعاليات يوم العمال العالمي، في فلسطين، حسب قرار الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الذي أعلن في يوم الأربعاء 24-4-2024 وفق ما جاء في وكالة وفا، أن الأمين العام للاتحاد شاهر سعد، قد صرح: إن فعاليات الأول من أيار تطلق سنوياً من داخل مدينة القدس المحتلة، إلا أنه تقرر هذا العام إلغاء كافة الفعاليات نظراً لما تتعرض له البلاد من حرب إبادة خاصة في قطاع غزة، وشلال الدم، والقتل الممنهج، والتدمير الكبير، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في مقر وزارة شؤون القدس ببلدة الرام شمال القدس المحتلة، حيث أضاف إن القدس لها رمزية خاصة لدى أبناء شعبنا عامة، والعمال خاصة، فجميع العمال الذين استشهدوا سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية كان لهم هدف واحد، وهو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وحضر المؤتمر الصحفي وفد نقابي، ووزير شؤون القدس أشرف الأعور، الذي أشاد بالدور الذي يلعبه الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين بالمحافل الدولية والعربية، من أجل الحفاظ على هوية القدس ومحاربة تهوديها، وحق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره.
في الأول من أيار ثمة دور يجب أن يقوم به الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين بأن يكون طليعة الحركة العمالية التي لا بد أن تنهض أسوة بحركة الطلاب، وبالتنسيق معها ومع كل القوى الحية المحبة للسلام والعدل، ومع أحرار العالم ليأخذوا مواقعهم في مناسبة تاريخية قد لا تتكرر من أجل دحر الاستعمار وتعرية الصهيونية كحركة عنصرية نازية، وفرض عقوبات على مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.