الكاتب: رهام شعيبات
المكان من حولي بائس ، وكأنَّ الغربان تنعق فيه ، الأزقةُ عابسة ، صماء بكماء عمياء ، الأطفال هدأَت بداخلهم تلك الطاقة الزائدة التي تحفزهم على اللعب دائماً ،الأمهات قليلات الكلام على غير العادة ، والرجال يلتقي غاديهم برائحهم دون مبالاة ولا اكتراث ، الجميع منشغل، وكأن عقولهم تعاني تخمة أفكار شوّشت وعيَهم، جعلتهم عاجزين عن التعبير حتى، الأعلام مرفوعة في كل مكان ، الكثيرون هنا يرتدون الكوفية على غير العادة ، أصواتٌ وهتافاتٌ تعلو تارةً وتنخفض أكثر، الأبواب لا تُغلَق، والقهوة لا تنتهي ، والتمر لا ينقطع في هذه الايام، أغانٍ وطنيةً تصدح بالبلاد، تصمت وقت نداء الصلاة، لتعود بعده فتملأ تلك الشوارع الصامتة من جديد، غبَنٌ يفترس الأجواء، تشجَّعتُ فسألتُ جدي :" يا جدي ما الذي يحدث هنا ؟ " ، صمتَ بُرهةً ومسحَ عينيه بباطن كفّه ، ثم قال :" لا شيء سوى أن المخيم يا ابنتي باتَ على حرية أسيرٍ ثم استيقظَ على طلقَةِ شهيد ، لا شيء سوى أمٍ صُعِقَت بخبرِ فقدانها فلذة كبدها ، وأخٍ لم يستوعب ما تناقله الناس عن أخيه ، فـ دار في البيت مخبولاً ينتظر عودة ذاكَ الذي ارتقى إلى ربه ليأكل معه صحنَ ملوخيةٍ طهته له أمه كما يحب، يعيش الساعة البيولوجية ذاتها وكأنَّ أخاه موجوداً، ينتظره، يعدُّ له غرفته، يستغل وقت غيابه ليلعب على حاسوبه، وكأنَّ الوضع عاديّ، وهؤلاء المعزون ما هم سوى زوّار، لا شيء سوى هذا يا ابنتي، وان قلنا سنبتسم فتأكدي أننا نكابر " لم ينطفئ العبوس من المكان ، وبقيَ الناس على حالهم، رغيفُ الخبزِ كما هو، والسلاسل ما زالت محكمة على ذاكَ المكان معلنة عن عودةِ مُحكِمِها، فليقف الجميع متأهباً ، فلا زال هناك متّسعٌ لشهيد آخر ..