الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بلا عنوان والعناوين كثيرة والمضمون ما حول غزة

نشر بتاريخ: 01/05/2024 ( آخر تحديث: 01/05/2024 الساعة: 18:46 )

الكاتب:

برهان السعدي

منذ فترة أرغب بالكتابة، وبموضوع محدد، لكنه متفرع ومتشعب بتشعب الألسن والآراء الفلسطينية والعربية إزاء ما يحصل في فلسطين، وتحديدا غزة. فأكتفي بمنشور هنا أو تعليق هناك على وسائل التواصل الاجتماعي.

أسئلة كثيرة، متشابكة ومتداخلة: هل حقا نريد التخلص من الاحتلال؟! هل راضون عن حاضرنا؟! وأي حاضر نعني؟! هل نغضب ونشعر بغصة إذا سمعنا أخبارا عن بطولات في غزة يقوم بها رجال نختلف مع حزبهم أو حركتهم؟؟!! هل ننتظر الاحتلال بتحقيق مهمته المعلنة بالقضاء على حركة حماس وتحرير أسراه أو قل ما شئت عنهم رهائن أو مختطفين؟؟!! وهل يمكن أن يتحرر شعب من أي استعمار كان دون مقاومة؟؟ وهل ردات فعل الاستعمار على حركة التحرر برشق ورود أو بقفازات ناعمة؟؟!! وهل النصر يباع في المولات أو محلات السوبرماركت أو العصائر ويمكنك أن تأخذ ما تشتهيه بحجم فلوسك؟؟ وهل نحن بهذه الوجوه الكالحة والألسن المراوغة والقلوب المسودة نستحق النصر؟؟!!

أقول لكل المتباكين على غزة، من خارج غزة، هل يمكن تحرير فلسطين أو جزء منها دون أوراق قوة ضاغطة، أو دون أن يشعر الغزاة أن احتلالهم لديارنا واستيطانهم بإقامة المغتصبات على أراضينا يكلفهم أنفسهم وأموالهم واستقرارهم ويؤدي إلى هلاكهم ويطيح بمستقبل وجودهم؟؟؟!!! أما الأهل والأحبة من داخل غزة، أنتم الأعظم منا جميعا، قولوا ما تقولونه فهو حق لكم، لكن الصبر شيمة عظيمة، مجدها الله في كتابه، وبشر الصابرين الذين إن أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، وحمدوا الله كثيرا، فطوبى لهم أجرهم عند ربهم، وتغمد الله شهداءهم برحمة منه ورضوان، وعافى الله جرحاهم، وأبدلهم بيوتا خيرا من بيوتهم التي دمرها الاحتلال بفاشيته وشأفة حقده.

الاستقلال والحرية لن تكون منّة أو مكرمة من أحد أي كان. إنما هي نتاج لتضحيات جسام، تدمَّر فيها مدن وقرى وضيعات، ويقتل فيها الملايين من المواطنين العزل بسلاح الغزاة القتلة، الذين لا يعرفون رحمة أو عدالة أو حتى بسمة في وجه طفل أو شيخ أو امرأة حامل. والأمثلة من التاريخ الحديث أو المعاصر كثيرة.

وعليه، إما أن تخنع للاحتلال، وتستجديه ليقبل بك عبدا عنده في بلد يدعي أنه ملك له ما دام قويا ويمارس القتل والإرهاب، أو أن تتحمل تبعات الكفاح التحرري لإزاحة طواغيت الاحتلال وقوى الظلم والشر من وطنك وديارك، حيث لا يتم كنسهم بآهة أو تمنيات، إنما بمعادلة القوة مقابل قوة. وهذه المعادلة تاريخيا، لا يفهم منها أن تبني قوة تفوق أو توازي قوة الأعداء. حيث لا يمكن لشعب يخضع للاستعمار أو الاحتلال أن يصل بقوته إلى قوة موازية لعدوه. وهل أصدق من قول الله تعالى بهذا الشأن، حيث يقول معلما وهاديا ومرشدا لنا في قتال الأعداء في سورة الأنفال، الآية 60: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ". فسبحانه جل جلاله، قال "قوة" بمعنى أية قوة يمكنك أن تعدها في طريق خلاصك وتحررك.

لكن للأسف، بدلا من حالة الارتياح والفرح والسرور والابتهاج التي كان مفترض أن تكون في داخل كل من يتمنى الخلاص من الاحتلال، ساد بدلا منها التشكك والاتهام تحت دعاوى عديدة، تعبر عن الخضوع لآليات تفكير تقليدية، دون الخروج في التفكير من الصندوق.

وحجة الكثيرين، أن الاحتلال حقق ما يريد، فهو قد احتل غزة، يخرج ويدخل ويعيث فسادا وقتلا وتدميرا متى يشاء. وهذا صحيح، لكن حرب العصابات، التي هي أنماط معروفة في حروب التحرير الشعبية تقتضي ذلك، ولا يمكن مواجهة جيوش جرارة بماكينات حرب جهنمية من السماء والأرض والبحر، إنما تعتمد على قاعدة "اضرب واهرب"، وإن تقدم عدوك انسحب، وإن تمركز باغته واستنزفه، وإن انسحب لا حقه وأحدث فيه خسائر. وهذا ما يحصل.

أما التفكير بهزيمة جيوش جرارة، مدعومة من القوى المهيمنة على العالم، بأنه يمكن سحقها بالضربة القاضية، فهذا ضرب من ضروب الجنون. فإما الاستسلام ورفع البيارق البيضاء، وإما المقاومة وتحمل تبعات ذلك، إلى حين النصر بإذن الله.

ونحن في فلسطين، نواجه ونعايش شكلا من الاستعمار يختلف بطبيعته عن أي استعمار آخر، فهو استعمار كولونيالي استيطاني إحلالي، أي تفريغ الأرض من أهلها وأصحابها الشرعيين وإحلال غيرهم مكانهم من شذاذ الآفاق. فالمعركة معهم تختلف عن معارك الاستعمار الأخرى، أما عندنا في فلسطين، فهي معركة وجود أو لا وجود، فإما الشعب الفلسطيني وإما الغزاة الصهاينة، وهذا ما يطرحه أقطاب الحكومة الإسرائيلية الحالية أمثال سيموتريتش وبن غفير عازفي هذه السمفونية لمعلهم الأكبر نتنياهو.

وللأسف، يعيش بعض أو كثير منا حالة الصنمية، والصنم هو الحزب بدلا من التمثال أو حفنة التمر. فمجريات الحرب وتبعاتها في غزة، لم تغير من طبيعة تفكيرنا، فننظر لما يجري في غزة بمنظار الحزبية الضيقة، ففي غزة، ما زالت حالة اللا مبالاة تجاه من يستنزف الشعب المستنزف باستغلاله وسلاحه وقرصنته، وما زال غير المقاومين في غزة من أفراد حماس ومؤيديهم بنفس العقلية والتفكير ما قبل الحرب، وكان عليهم أن يرتقوا بتفكيرهم إلى دلالات ما حمله السابع من تشرين أول، ويدركوا أن الحرب قوامها ليس حماس أو تنظيم بعينه، إنما كل شعبنا مستهدف، وأن العدو استهدف كل ما من شأنه حياة لشعبنا دون تمييز بين لون وحزب أو غير ذلك، كان عليهم أن يحتضنوا أبناء شعبنا في غزة فهم أهلهم وحاضنتهم، بدلا من ممارسات ممجوجة وسيئة ومنفرة وقاتلة. وكذلك في الضفة الغربية أو في غزة، من أبناء حركة فتح أو مؤيديها أو من أقطاب في السلطة الفلسطينية، إن ما يحصل في غزة هو حياة أو موت لشعبنا الفلسطيني ومستقبل قضيتنا. فغزة وما حصل بها من أحداث بطولية أو حالات الإبادة الجماعية وحجم القتل والدمار، كلاهما أدى إلى تصدر قضيتنا الفلسطينية الأحداث والقضايا في العالم، وما هذا الزخم الهائل والعظيم في الجامعات الأمريكية والأوروبية والشارع العالمي والتغير في الرأي العام وانقلابه كليا لصالح فلسطين، إلا بسبب تلك الجهود المباركة لطلائع شعبنا في تلك الدول، التي جبلت البطولة والصمود بمعانيات شعبنا من إبادة جماعية لشعبنا في غزة، وبأسلحة أمريكية وأوروبية، فتشكلت لوحة تستقطب الرأي العام وأثمرت جهودها، وما شاشات التلفاز العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي سوى مغذٍّ لانتفاضة الجامعات ضد الإدارة الأمريكية الداعمة لإبادة شعبنا بأيدٍ إسرائيلية.

كفى انزياحا عن فلسطينيتنا وإنسانيتنا. ولا مبرر لكل هذه المهاترات وكأننا نرقب مسلسل باب الحارة على شاشة تلفاز.

وفي الختام كلمة لقيادة الشعب الفلسطيني من حماس وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ماذا بقي لتختلفوا عليه؟؟!! وإذا كل هذا الدمار وهذا القتل لم يوحدنكم وتلتقوا على برنامج سياسي واحد، ما الذي سيوحدكم؟؟؟!!! الكل تحت الفلقة.