الكاتب: د. محمد عودة
ان أي قارئ للتاريخ يستطيع ان يدرك صعوبة بل استحالة القضاء على الشعب الفلسطيني وطمس هويته وانهاء قضيته. فقد تعرضت فلسطين لعشرات الغزوات كلها الا واحدة (الغزوة الصهيونية) انتهت وبقي الشعب الفلسطيني.
ان قرار انشاء دولة لليهود في المنطقة سبق بكثير انشاء الحركة الصهيونية ومنذ ذلك الحين والدول الاستعمارية (خاصة بريطانيا وفرنسا وقد انضم إليهما لاحقا الاستعمار الأمريكي) تحاول بكل الاشكال انهاء أي امل للفلسطينيين بان يقرروا مصيرهم بأنفسهم وقد بدا ذلك جليا في كل الحقب التاريخية ولكنه كان أكثر وضوحا وتجليا بعد السابع من أكتوبر حيث حشدت دول استعمارية كثيرة بقيادة الولايات المتحدة جيوشا جرارة وغطاءً غير مسبوق في الجوانب اللوجستية والاقتصادية والقانونية على المستويات المحلية والإقليمية والاممية بما يضمن عدم خسارة إسرائيل من جهة وحمايتها من أي عقوبات على ما ترتكب من جرائم من جهة اخرى.
ومن اجل الدخول في صلب الموضوع لا بد من الإشارة الى ان أراضي غلاف قطاع غزة هي أراضٍ محتلة وبالتالي فان دخول الفصائل الفلسطينية الى تلك المنطقة يمكن اعتباره من ضمن حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال ولكن قيام هذه الفصائل باختطاف بعض سكان الغلاف وبعضهم من المدنيين قد يشكل تجاوزا لما هو مسموح في اثناء مقاومة الاحتلال مما شكل غطاء بغير حق لإسرائيل لممارسة كل اشكال الجرائم معاقبة للشعب الفلسطيني الاعزل على ما قامت به الفصائل، وليس من اجل التبرير الا ان الاشارة لكون اسرائيل تمارس منذ نشأتها ضد الشعب الفلسطيني ما هو ابشع مما قامت به الفصائل، فلمن لا يعرف قامت اسرائيل بقتل وبدم بارد ما يقارب خمسمائة فلسطيني داخل المناطق المصنفة أ، مضاف الى ذلك اختطاف ما يزيد على ثمانية آلاف فلسطيني من بيوتهم الآمنة في مناطق الدولة الفلسطينية وبشكل يروع اسرهم خاصة الاطفال والنساء. ثم ان معاملة المختطفين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بشكل لا يمت للإنسانية بصلة، ومع ذلك يركز زعماء العالم على مئات المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في غزة ولا أحد يتحدث عما يزيد عن 12 ألف مختطف فلسطيني يُسامون أقسى انواع التعذيب في سجون ومعتقلات اسرائيل ومن بينهم مئات النساء والاطفال والشيوخ والمرضى.
لقد أدت همجية وعدوانية الكيان الإسرائيلي الى فرز جذري في كل المجتمعات حيث الشعوب في الغالبية العظمى من دول العالم تقف الى جانب الشعب الفلسطيني مطالبين بوقف المجزرة والابادة الجماعية في مقابل زعماء بعض دول الغرب الذين لا زالوا يدافعون حتى عن مجرمين في الكيان يطالبون بإبادة الشعب الفلسطيني لو اقتضت الضرورة باستخدام السلاح النووي. والتطور الاحدث في حراك شعوب العالم هو انتفاضة الجامعات في أمريكا وبالتأكيد ستمتد الى دول أخرى، فهل في ذلك دعوة للزعماء الذين لا زالوا يمارسون العمى السياسي والإنساني لإعادة النظر في مواقفهم وممارساتهم؟ هل دقت الجامعات ناقوس الخطر.
اعتقد ان التغيير قادم في كل دول العالم لتطبيق القيم التي دأبت حكومات الاستعمار على زرعها في شعوبها واليوم تحاول هذه الحكومات تجريد مواطنيها من هذه القيم عبر توجيه اتهامات لهم كانت حكراً على العالم الثالث.
من هنا أقول ان على حكومات الدول الداعمة لإسرائيل وعلى العقلاء في المجتمع الإسرائيلي ان يعيدوا النظر في دعم حكومة التطرف في إسرائيل على ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين وبدلاً من ذلك عليهم ان يمارسوا كل اشكال الضغط عليها لإلزامها بالشرعية الدولية عبر الانصياع للقرارات الأممية التي تقضي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ان لم يكن على أساس حدود الرابع من حزيران فعلى أساس قرار التقسيم 181 مع ضمان حق عودة اللاجئين. فربما يأتي اليوم الذي تتمنى فيه إسرائيل ان يقبلها العالم على أساس قرار التقسيم.
يا زعماء العالم الغربي، يا عقلاء المجتمع الإسرائيلي ويا أيها الواهمون بقدرة إسرائيل على حمايتكم قفوا وفكروا قبل فوات الاوان، أوقفوا هذه الغطرسة واحموا الاسرائيليين من أنفسهم فالشعب الفلسطيني باقٍ وسيعود حراً عزيزا كريما يمارس حقه في وطنه وسيكون عنصر استقرار في المنطقة والعالم على عكس إسرائيل التي بجرائمها زعزعت -ولا زالت- الاستقرار والسلم العالميين.