الكاتب: عواد الجعفري
تشعر أن قادة إسرائيل وحلفائها موجودين على مجموعات "واتساب"، تماما كما هو الحال مع العائلة والأصدقاء والعمل. لماذا نقول ذلك؟ للسرعة القياسية في إطلاق التصريحات المتطابقة لكل هؤلاء.
يحدث ذلك بسرعة رهيبة تتجاوز العقبات البيروقراطية التي لا يكف الغربيون الحديث عنها في حال كان الأمر متصلا بالفلسطينيين.
فجأة، ومن دون مقدمات، بدأت حملة إسرائيلية وغربية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ولم يكن الفارق الزمني بين البيانات ضد الوكالة بالأسابيع أو بالأيام، بل كان بالساعات والدقائق.
كان هذا في مرحلة سابقة من الحرب الإسرائيلية على غزة.
اليوم، صارت تصريحات "العرض السخي" تحاصرنا. نسمعها في الإذاعة ونراها مكتوبة ومنطوقة على التلفزيون، ومنتشرة بغزارة على جدران شبكات التواصل في العالم الافتراضي.
دعونا نراجع قليلا تصريحات بعض من تحدثوا عن "العرض السخي".
وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن: "أمام حماس عرض استثنائي وسخي جدا من قبل إسرائيل".
وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون: "إن هناك عرضا سخيا للغاية يتضمن وقفا لإطلاق النار لـ40 يوما، فضلا عن تبادل الأسرى (...)".
وإلى جانب هذين الوزيرين، أوردت تقارير إسرائيلية تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين استخدموا كلمة "سخي"، وأن ما ينتظر حماس "هو الأسوأ في حال رفضته".
السؤال هنا: هل يمكن أن تكون إسرائيل سخية مع عدوها؟ وهل هناك أصلا عدو سخي مع عدوه؟ الإجابة هي بالطبع لا، غير أن ذلك يقود إلى سؤال آخر: لماذا استعملت إسرائيل ومن معها كلمة سخي؟
إنهم يريدون أن يحققوا هدفا في مرمى حماس وإدانتها، في حال رفضت العرض، وفي حال وافقت فإن العرض "السخي" في الأساس إسرائيلي.
يأتي هذا في ظل ضغط رهيب يعيشه أهل غزة، فما يكابدونه يفوق طاقة البشر على التحمل، وأمنيتهم الوحيدة: وقف الحرب.
المنطق يقول (من دون التدقيق في التفاصيل) إن من يرفض العرض السخي يريد الحرب لمجرد الحرب ومن يعرضه يرغب في التهدئة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل.
وهل فعلا العرض "سخي"؟ العرض (وفق ما رشح من معلومات حتى الآن)، لا يتضمن وقفا تاما للحرب، مما يعني تجددها بصورة أو بأخرى بعد نهاية الهدنة، إن تمت. هذا يعني ببساطة أن العرض ليس "سخيا".
إنهم يريدون عبر استخدام هذه الكلمة المضللة أن يبرئوا ساحة إسرائيل من أي مسؤولية، وكأنها لم تقتل 34 ألف إنسان في غزة، أكثر من 14 ألفا منهم أطفال، بحسب "اليونيسيف" ولا هدمت 75 في المئة من مباني القطاع، وفي النهاية تحسين صورتها.
قبل 24 عاما، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إيهود باراك، وكثيرون في إسرائيل والغرب، الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، بأنه رفض "عرضا سخيا"، في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، وبالتالي استحق عرفات ما حل به.
إذن، إنها لعبة قديمة جديدة.